جبهةُ المقاومة الإسلامية جنوبيَّ لبنان “حزب الله”.. مأزِقٌ استراتيجيٌّ للعدو الإسرائيلي
المسيرة – محمد الكامل:
تتصاعَــــدُ عملياتُ حزبِ اللهِ اللبناني ضد العدوِّ الصهيوني في الجبهةِ الشماليةِ لفلسطين المحتلّة؛ انتصاراً وإسناداً لمظلومية الشعب الفلسطيني أمام ما يتعرَّضُ له من حرب إبادة جماعية على يد قواتِ العدوِّ الصهيوني المؤقَّت.
ومع بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية (طوفان الأقصى) توسعت عمليات حزب الله تدريجيًّا لتتزايد تأثيرات عمليات الحزب بشكل كبير وأصبحت مزعجة جِـدًّا للعدو الإسرائيلي، في ظل التغير الكبير على مستوى الرقعة الجغرافية ونوعية السلاح التي يستخدمها حزب الله تباعاً في عملياته العسكرية على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلّة.
عمليات متزايدة ودقيقة:
وفي السياق يؤكّـد السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي أن “هناك تصعيدًا كبيرًا وعمليات مكثّـفة لحزب الله في جبهته المهمة المباشرة التي ينكل فيها بالعدوّ الإسرائيلي”، لافتاً إلى أن “هذه العمليات دقيقة وهادفة ومؤثرة ومنكلة على العدوّ الإسرائيلي”.
وقال خلال خطابه -الأسبوعي- ما قبل الأخير، إنه “لم تنفع أية وسيلة إسرائيلية لإيقاف جبهة حزب الله أَو إثنائه عن مواصلة دوره الكبير والعظيم في إسناد الشعب الفلسطيني”، مُضيفاً أن “خسائر العدوّ الاقتصادية في تصاعد مُستمرّ، وكان لعمليات حزب الله تأثير كبير على مصانع العدوّ شماليَّ فلسطين المحتلّة”، مؤكّـداً أن “حزبَ الله مُستمرٌّ في جبهته المباشرة المؤثرة على العدوّ الإسرائيلي ويلحق الخسائر اليومية بالعدوّ الإسرائيلي”.
ويرى عدد من الخبراء والباحثين في الشؤون العسكرية أن حزب الله اللبناني وعملياته العسكرية وضعت الكيان الصهيوني في مأزق استراتيجي، مكبدةً العدوّ الصهيوني خلال نصف عام من المواجهة خسائرَ مادية وبشرية كبيرة بعمليات دقيقة، مؤكّـدين أن الصواريخ وسلاح الجو المسيَّر حوَّلت جميعَ المستوطنات الصهيونية المنتشرة على الحدود والعمق إلى مدن أشباح، مرغمةً نحو 200 ألف مستوطن صهيوني على المغادَرة والعيشِ داخل الملاجئ.
ويقول الباحث في الشؤون العسكرية زين العابدين عثمان: “إن الجبهة الشمالية في فلسطين المحتلّة التي يُطْبِقُها حزبُ الله ضد كيان العدوّ الصهيوني المؤقَّت تُعتبَرُ من أكثر جبهات الإسناد سخونةً وقوةً وأشدها تنكيلاً بكيان العدوّ وقواته على الأرض، وهي تمثِّلُ رأسَ الحربة لجبهات إسناد محور المقاومة ومركَز الثقل الذي فتح أبواب الجحيم بمصراعيه لتدمير كيان العدوّ وإضعافه وسحقه فنسبة 40 % من قوة العدوّ الجوية والبرية تم اشغالها بالكامل في هذه الجبهة”.
ويضيف عثمان في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن “التقييم العملياتي الدقيق لهذه الجبهة يقدم صورة واضحة على عمق أهميتها وفاعليتها ومستوى ما تحقّقه من إنجازات؛ فخلال طيلة الحرب تم تحقيق إنجازات غيَّرت موازين القوى بشكل جذري ووضعت قواعدَ اشتباك ساخنة ضد العدوّ”، مؤكّـداً أن “الإخوة المجاهدين في حزب الله تمكّنوا من فرض إطباق ناري على قوات العدوّ في طول الخط الحدودي البالغ نحو 79 كم وبعمق 30 كم في أراضي فلسطين المحتلّة، حَيثُ تم تدمير كُـلّ مواقعه وثكناته العسكرية ومراكزه وقواعده الحساسة على رأسها قاعدة ميرون الجوية التي تعد أحد أكبر قواعده وأكثرها أهميّة استراتيجية وعملياتية”.
ويكمل عثمان حديثه: “أما على مستوى الاشتباك البعيد فأذرع النارية الضاربة لحزب الله (الصواريخ وسلاح الجو المسير) تمكّنت أَيْـضاً من تحويل جميع المستوطنات المنتشرة على الحدود والعمق إلى مدن أشباح، وأرغمت نحو 200 ألف مستوطن صهيوني على المغادرة، والعيش داخل الملاجئ؛ فكل المستوطنات في الشمال غير آمنة بالكامل وفي دائرة الاستهداف”.
ويوضح أن “حجم الأضرار والخسائر الذي يتلقاها كيان العدوّ تجاوزت ما يمكن تصوره؛ فقد بلغت مستوىً كارثيًّا تتزايد يوميًّا سواء بقواته البشرية التي تم تحييدها وقتلها أَو الخسائر المادية في بنيته التحتية والعسكرية”، مُشيراً إلى أن “ما تُظهِرُهُ وسائله الإعلامية في تقييم الخسائر ليسَ سوى كسور عشرية مقارنة بالأرقام الكبيرة الحقيقية التي تتحفَّظُ بها كومةُ العدوّ وتتداركُها؛ حتى لا تخرج للواقع وتبين كارثية وضعه العسكري ونفوق الكثير من جنوده وعناصره المقاتلة”.
ويؤكّـد أن “جبهة حزب الله جبهة متقدمة وتعد محرقة لكيان العدوّ الصهيوني، وقد وصل تأثيرها إلى أن جعلت هذا الكيان يبقى في وضع دفاعي متآكل، ويعيش واقع الرعب والهستيريا”، لافتاً إلى أن “كُـلّ ما يمتلكه من قدرات لم تتمكّن من تحقيق أي فارق في تعديل مسار المعركة، أَو أن تثبِّتَ قواعدَ ردع لحماية قطعان مستوطنيه الذين بدأوا يغادرون المستوطنات بالآلاف”.
كما أن “هذه الجبهة تسببت في إشغالِ وَاقتطاع ثلث قوة العدوّ الجوية والبرية التي كان يفترض استخدامها وتركيز ضغطها على قطاع غزه؛ لذا فهي تمثل تخفيفاً كَبيراً على إخواننا الفلسطينيين وَالمقاومة في غزة وإسناداً استراتيجياً لها في إضعاف كيان العدوّ الصهيوني وتفكيكه وتدميره”.
ويجدد التأكيد على أن “حزب الله بمجاهديه وقيادته الحكيمة -ممثلةً بسماحة السيد حسن نصرالله- يخوضون ملحمة بطولية وتاريخية، ومعركة أثبت فيها مستوى الاحترافية والقوة والشجاعة في التنكيل بكيان العدوّ الصهيوني، مقدماً التضحيات الجسام في هذه المعركة؛ فمجاهدوه يرتقي منهم بشكل شبه يومي شهداء على مذبح الفداء والتضحية في سبيل الله تعالى ونصرة للإخوة الفلسطينيين والمقاومة في غزة”، مُضيفاً أنه “لا يمكن لأي أحد أن يزايد على دور حزب الله وما يقدمه ويصنعه من انتصارات؛ كون الحديث -مهما بلغ- لن يكون بمستوى سموِّ وتضحية وشجاعة مجاهدي حزب الله”.
تداعياتٌ كارثية:
من جانبه يقول الخبير العسكري العميد ركن فضل الضلعي: “إن عمليات حزب الله المساندة لغزة لها تأثير نفسي وعسكري كبير على العدوّ الصهيوني”.
ويوضح الضلعي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أنه “بعد يوم واحد من انطلاق عملية (طوفان الأقصى) بدأ حزب الله عملياته بقصف المواقع الصهيونية، بالقذائف والصواريخ الموجهة؛ مَا وضع الكيان الصهيوني في مأزِقٍ استراتيجي وكبَّدَ العدوّ خلال نصف عام من المواجهة خسائرَ مادية وبشرية كبيرة، وأفرغ المستوطنات الصهيونية شماليَّ فلسطين المحتلّة من ساكنيها؛ مَا تسبَّبَ في خسائر اقتصادية كبيرة للعدو، وأحدث أزمة داخلية وسَحْبَ أكثرَ من ثلث الجيش الصهيوني إلى جبهة الشمال”.
ويشير إلى أنه “في حالة غامر العدوّ الصهيوني بشن حرب شاملة على حزب الله بما يمتلكه الحزب من إمْكَانيات وأسلحة متطورة ومخزون كبير من الصواريخ الدقيقة وخبرة قتالية لا يُستهانُ بها، فَــإنَّ تداعياتها ستكون كارثية، بل ووجودية على العدوّ الصهيوني، وبقاؤه ككيان، وستتغيَّرُ الخارطةُ الجيوسياسية للمنطقة بأكملها”.
ويؤكّـد أن “تكفُّلَ العدوّ الأمريكي والبريطاني وغيرهما بالقتال في جبهة اليمن؛ دفاعاً عن الصهاينة ما هو إلا دليل على ضعف وانكماش هذا الكيان”، مُضيفاً أنه “لولا التخاذل العربي الإسلامي، بل والدعم الذي يقدمه البعض من الأعراب بصورة مباشرة أَو غير مباشرة للعدو الصهيوني لَكانت نهاية هذا الكيان في غزة”.
وعلى ضوء ما سبق يتضح أن للمقاومة الإسلامية في لبنان ممثلةً بحزب الله دورًا كبيرًا جِـدًّا في ردع العدوان الهمجي على غزه، حَيثُ عطَّلت المقاوَمةُ ثُلُثَ الجيش الصهيوني المرابط على الشمال من فلسطين المحتلّة؛ خشية من تقدم حزب الله، كما أنها أرغمت المستوطنين في الشمال على النزوح وأصبحت المناطق مليئة بالرعب الشديد، وأربكت الجيش الصهيوني الذي لم يتمكّن من إسقاط الطائرات المسيرة والصواريخ على تلك المناطق.
وتكشف العمليات العسكرية لحزب الله اللبناني مدى الضعف الشديد لدى العدوّ الصهيوني الذي يمتلك القبة الحديدة وتحولها إلى قبة ورقية ضعفت وانهارت أمام الهجمات النوعية لمقاتلي حزب الله اللبناني.
كما أن الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلّة -التي يتركز فيها مجاهدو الحزب الأشاوس- أرهقت العدوّ بشكل كبير ومنعته من التفرغ الكامل لاجتياح غزة، وخلقت لدى المستوطنين الصهاينة حالات الاضطراب النفسي، وعدم الوثوق بالجيش الذي يدَّعي أنه “لا يُقهَرُ”، بينما لم يستطعْ تأمينُ الساكنين في الشمال، الذين نزحوا وفروا مولين الأدبار تحت وابل من الضربات الحيدرية المسددة، وهو ما أثبته مجاهدو الحزب بالصوت والصورة، مدمّـرين الثكنات العسكرية الهشة، وحطَّموا القواعدَ للمنظومات الدفاعية الصهيونية، مسجلين بذلك هزيمة عسكرية ونفسية للعدو، إلى جانب انتصار معلوماتي واستخباراتي؛ ليتفوق حزب الله اللبناني ومجاهدوه الأبطالُ على أضخمِ جيوشِ المنطقة؛ ولتذهَبْ ما تُعْرَفُ بأُسطورة “الجيش الذي لا يقهر” التي طالما روَّج لها الكيانُ الصهيوني المؤقَّت إلى مزبلة التاريخ، وهو حالُ هذا الكيان بأكمله في المستقبل القريب، بحَولِ الله سبحانه.