10 أَيَّـام من عملية ليست للنزهة.. رفح تضاعفُ خسائرَ عدوٍّ يبحثُ عن نصرٍ زائف
المسيرة | خاص
عشرةُ أَيَّـام مضت على بدءِ العملية العسكرية البرية برفح، والتي أعلنت عنها وزارةُ الحربِ الإسرائيلية، في الـ6 من مايو الجاري، وزعمت أنها محدودةُ النطاق، ووجَّهت تحذيراتِها إلى لأكثرَ من 100 ألف فلسطيني بإخلاء شرقي المدينة قسراً، والتوجُّـهِ لمنطقة “المواصي” جنوبي غربي القطاع، وتضم المنطقة، التي أرغم العدوُّ الإسرائيلي أهاليها بهجرها، ويعد “معبر رفح” على الحدود مع مصر، المنفذَ الرئيسَ لمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة، والوحيد الذي يُستخدَمُ لنقل عشرات المصابين بجروح خطيرة، لتلقِّي العلاج بالخارج.
وفيما جاء ذلك، بعد إعلان حركة حماس أن رئيسَ مكتبها السياسي “إسماعيل هنية” أجرى اتصالاً هاتفياً مع الوُسطاء، أبلغهم موافقةَ الحركة على مقترحِ اتّفاق وقف إطلاق النار، أكّـدت الحركةُ أن أيةَ عملية عسكرية في رفح “لن تكونَ نزهةً” لجيش الاحتلال، وهو الواقعُ راهنًا، كما أنها ستضعُ المفاوضاتِ في “مهب الريح”، كما تصاعدت التحذيراتُ، خلال الساعات الأخيرة، على مستوى الدول والمنظمات الدولية من مخاطر الاجتياح الإسرائيلي لرفح.
الموقفُ الميداني: بدايةُ العملية وعناصر تنفيذها
بعد أكثرَ من عشرة أَيَّـام من التحشيد والتجحفل، بدأ العدوُّ الإسرائيلي تعزيزَ استعداده في المناطق التي تقدم إليها شرقي رفح إلى فرقة كاملة والتركيز على عمليات المناورة بالنار والحركة، من خلال المدفعية المباشرة “الدبابات” والمنحنية “الهاون والهاوتزر” والطيران الحربي والمروحي المقاتل.
وخلال الأيّام الماضية، قام العدوُّ باستخدامٍ مكثّـفٍ للطائرات المروحية المقاتلة من نوع أباتشي 64 لتأمين الاستطلاع الفوري وللاشتباك مع أي جهد للمقاومة يحاول التقرُّبَ أَو إيذاءَ القوى الصهيونية المنتشرة شرقي رفح؛ مَا قد عزز من خطر الطيران المروحي في هذه المرحلة من معركة رفح، بحسب مراقبين.
كما قام العدوّ باستخدام مكثّـف للدرونات وجميع وسائك الاستطلاع الجوي المأهولة وغير المأهولة لتعويض النقص في القوات وكشف قدرات المقاومة، وبما أن معظم قوات العدوّ التي دخلت إلى رفح مكشوفة الآن فقد عمل العدوُّ بسرعة على تأمين وحماية هذه القوات؛ مما رجَّح كثافة في نشاط الجهد الهندسي العسكري التابع للعدو، ومع وجود الفرقة 98 على تخوم رفح الشرقية كمؤشر بتكثيف العدوّ في أيةِ لحظة لعمليات كوماندوس بالبر والجو والبحر خارج منطقة الاشتباك لمحاولة إضعاف المقاومة.
الموقفُ الميداني للمقاومة: جباليا والزيتون لم تُغلق بعدُ
وفقاً للمعطيات في الميدان، فَــإنَّ العدوَّ حاول الاستمرار بعملية الزيتون وبذل أقصى طاقة ممكنة لإنجاحها لأسباب عملانية وتكتيكية ترتبط بخطة إبقاء قوات عسكرية صهيونية في وسط غزة، حَيثُ تحولت المعركة إلى واحدة من أكبر معارك غزة شراسةً منذ بداية “الطوفان” وعلى أَسَاسها سيتقرّر مصيرَ خطة تواجد قوات عسكرية صهيونية في الوسط، وتحديداً في تجمع “نتساريم”.
ومثّلت انعطافةُ العدوّ بشن عملية باتّجاه جباليا؛ بهَدفِ منع كتائب المقاومة الموجودة شماليَّ غزة من المشاركة في معركة حي الزيتون الدائرة الآن، لكنها أشعلت المحورَين وبات العدوّ يتلقى فيها ضرباتٍ موجعة.
وبحسب مؤشرات الميدان، يبدو الانتشارُ الحالي أن العدوّ يتحضَّر لمعركة طاحنة مع ما يمكن أن تكون المقاومة قد أعدَّته له وخَاصَّة أن المنطق يؤكّـدُ أن جميع فصائل الجهاد والمقاومة حقّقت خبرةً قتاليةً قد تقاتل العدوّ فيما لو طور هجومه الذي يبدو استعراضياً حتى الآن وقوات الجهد الرئيسية التي تعمل منذ 5 أَيَّـام في رفح هي قوات الفرقة “162”، والتي بدأت تعمل على الدفاع.
تموضُعُ العدوّ في منطقة العمليات الجنوبية “رفح”:
تمتد هذه المنطقة من شرقي رفح (معبر كرم أبو سالم، مطار غزة، وحتى طريق “فيلاديلفيا”)، ويتمركز فيها كُلٌّ من: (اللواء 401 المدرع التابع للفرقة 162، كتيبة “شاكيد” 424 التابعة للواء “جفعاتي” التابع للفرقة 162، الكتيبة 934 “توباز” وهي كتيبة الاستطلاع التابعة للواء “ناحال” التابع للفرقة 162).
وخارج السياج قرب معبر صوفا شمال شرق منطقة “البيوك” شرق رفح: يتمركز فيها كُلٌّ من: (اللواء المظلي 35 التابع للفرقة 98، لواء الكوماندوس 89 “عوز” التابع للفرقة 98، اللواء 7 المدرع التابع للفرقة 36، فوج مقلاع داوود المدفعي 214 التابع للفرقة 98).
وبمحاذاة منطقة يعتبرها العدوّ ثغرةً قويةً يمكن للمقاومة التعرُّض الشديد فيها (بالنار وبالحركة) لقواته وضع العدوّ لواءَي كوماندوس إضافيين ولواء مدرعات وفوج مدفعي هي ألوية: (اللواء المظلي 35 التابع للفرقة 98، لواء الكوماندوس 89 “عوز” التابع للفرقة 98، اللواء 7 المدرع التابع للفرقة 36، فوج مقلاع داوود المدفعي 214 التابع للفرقة 98).
تموضُعُ العدوّ في منطقة العمليات الشمالية والوسطى:
وهي المنطقة الممتدة من “تل الهوى – حي الزيتون – الطريق رقم 10″، وأصبح الوجود الأَسَاسي للعدو في وسط وشماليّ قطاع غزة منحصراً على انتشارَين:-
الانتشار الأول: هو الأَسَاسي في تجمع “نتساريم” قرب منطقة “جحر الديك” وتنتشر فيه مراكز قيادية ووحدات لوجستية وأركان الوحدات، فضلاً عن منظومة إشارة واتصال مركزية لكل القوى العاملة في قطاع غزة، وتتحكم القوات البرية التي تعمل في محيطه بطريق صلاح الدين، وبالتالي تتحكم بحركة المدنيين الفلسطينيين من وإلى شمالي القطاع.
الانتشار الثاني: وظيفتُه تأمينية في منطقة وادي غزة شمال “المغراقة” وُصُـولاً إلى شارع الرشيد ويسمح للعدو بإدامة الاشتباك مع الأحياء الواقعة جنوبه في مخيم “النصيرات” ومخيم “البريج” وشماله في الأحياء الواقعة جنوب مدينة غزة.
في هذا السياق، تشير مصادرُ المقاومة، إلى أن الانتشارَ في (تل الهوى – حي الزيتون – الصبرا، وُصُـولاً إلى مستشفى الشفاء)، جاء بعد أن رأت قيادةُ العمليات في المقاومة أن ذلك الانتشارَ والاستعداد الذي يحقّق هذا “الانتشار” والذي يصل إلى فِرقةٍ عسكرية صهيونية هدفه إطالة الاحتلال بل والاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية من قطاع غزة، حَيثُ يمكن للعدو مستقبلاً أن يفرضَ عَزلاً تاماً لشمالي القطاع عن وسطه وجنوبيه.
وتبيَّنَ للمقاومة أن وظيفة ودورَ هذا الانتشار على المستوى العملياتي هو إضعافُها والتأثير على حركتها ومرونتها وفرض أوضاع عسكرية تجبرُها على استخدام استعدادات كبيرة لتجاوز عوائقَ وسط غزة، فتقرّر معاودةَ العمليات التعرضية والإيذائية على كامل انتشار العدوّ في وسط غزة.
حصادُ عمليات المقاومة حلال عشرة أيام:
وفق المعطيات الميدانية، تولّت تشكيلاتٌ مقاومةٌ متخصصة بهذا النوع من الأعمال العسكرية المهمة، وخلال الأيّام العشرة الماضية، تعرضت وحدات العدوّ للعشرات من عمليات القصف المدفعي وعمليات القنص والعمليات الهجومية الإيذائية في “الشيخ عجلين” ومدينة “الزهراء” و”المغراقة” وتجمع “نتساريم” و”تل الهوى” وأطراف “حي الزيتون” من الجهة الغربية، ناهيك عن الرشقات الصاروخية على تجمعات غلاف غزة، أكثرَ مما كانت عليه مع بدء (طوفان الأقصى).
الأمر الذي جعل الاستقرارَ الطويلَ لقوات العدوّ موضعَ تساؤل مع ارتقاع نسبة عمليات المقاومة لتصل من 8 إلى 10 عمليات في اليوم الواحد، تكبّد العدوّ الإسرائيلي خلالها أكثرَ من 25 قتيلاً و90 جريحاً، ودمّـرت 32 دبابة “ميركافا”، و15 جرافة نوع “D9″، ناهيك الإعلان عن مصرع أسير وفقدان الاتصال بأربعة آخرين، بحسب ما كشفته وسائل إعلام الجانبين.
ولفتت وسائل إعلام عبرية، إلى أن العدوَّ كان خلال هذه العمليات يتحاشى الاشتباك المباشر مع منطقتَي “تل الهوى” وحي “الزيتون” لعدم وجود استعداد كافٍ للهجوم أَو للمناورة الهجومية على هاتين النقطتين التين تبلغ مساحتهما أكثرَ من 25 كيلومترً مربعًا؛ (19 كيلومترًا مربعًا منها مساحة حي الزيتون والذي يتمتع بأعلى كثافة سكانية في شمال غزة وتعتبر تضاريسه مثالية للمقاومة لتنفيذ أعمال دفاعية وتعرضية مكلفة جِـدًّا للعدو).
هذا التخبط جعل من العدوّ يقرّرُ إعادة نشر الفرقة 99 لتأمين الوسط واستدعي لواء “ناحال” الذي كان يستعدُّ داخل فرقته الـ 162″، لمعركة رفح إلى نفس المنطقة التي كان ينتشر فيها جنوب “تل الهوى وحي الزيتون”، بحسب الإعلام العبري.
المحور الجنوبي: المقاومةُ تبعثِرُ خُطَّطَ العدو
في هذا المحور المتمثل بـ”كرم أبو سالم – مطار غزة – شوكة الصوفي – معبر رفح – خط فيلاديلفيا”، كان هو البداية، حَيثُ ذكرت تقاريرُ صحفية عبرية، أنه وبعدَ أكثر من 10 أَيَّـام من التجحفل على تخوم محافظة رفح شمالي غزة نفّذ جيش العدوّ الإسرائيلي عمليةً بريةً لا زالت محدودةً حتى الساعة، وفي نطاق مسؤولية لواء وكتيبتين من الاستعداد التابع للفرقة 162 وهي: “اللواء 401 المدرع، كتيبة “شاكيد” التابعة للواء “جفعاتي”، كتيبة “توباز” 934 وهي كتيبة استطلاع تابعة للواء “ناحال”.
وفي اليوم الأول، نفّذت هذه الاستعداداتُ حركة أشبه بالاستعراض للتقدم من منطقة مفتوحة على الأطراف الشرقية لرفح تمتد من معبر “صوفا” وحتى معبر “كرم أبو سالم” في أقصى الجنوب الشرقي وخلال ساعات تقدم استعداد الفرقة 162 من حدود “مطار غزة” ومن “صوفا” باتّجاه أطراف منطقتَي “البيوك” شمالاً و”شوكة الصوفي” جنوباً إلى “معبر رفح” الفلسطيني وقسم من الخط الذي يتحَرّك غرباً باتّجاه كامل طريق “فيلاديلفيا” المحاذية للسياج الحدودي مع مصر وسيطر على المعبر المغلق والفارغ من الجهة الفلسطينية.
ورغم قيامِ العدوّ بشن أحزمة جوية نارية وضربات مدفعية نيرانية مكثّـفة في محيط المربع المستهدف وهو مربع مفتوح وخالٍ بالكامل تقريبًا من السكان ولا يتعدى عمقُه 2800 متر (من معبر أبو سالم إلى معبر رفح) وعرضه 2900 متر من الحدود المصرية الفلسطينية إلى أطراف منطقة “البيوك” شمالاً، إلا أنه ركّز أَيْـضاً على مخيمات “الجنينة” ومنطقة “شوكة الصوفي” و”تل السلطان” و”حي الأمل” غربي المنطقة التي تعمل فيها قواته.
ورغم الخطط العملياتية التي تباهى العدوُّ خلال الإعلان عن تنفيذ العملية، إلا أن ردَّ فعل المقاومة كان متوقعاً؛ إذ لم ينجرف إلى ما كان يريد العدوّ وهو اختبار قواتها ومناطق ثقلها الدفاعية في رفح، حَيثُ اقتصر جهدُ المقاومة على المدفعية الثقيلة من عيار 120 ملم، وصواريخ رجوم القصيرة المدى والتي استهدفت تجمعات العدوّ وخطوط إمدَاده وتحَرّكاته الكبيرة، ونفذت بعض كمائن القنص والاستهداف بقذائف الياسين، محقّقة فيها إصابات مباشرة وموقعة فيها عددًا من القتلى في صفوفه.
وبحسب مراقبين، فَــإنَّه ورغم أن هذه العملية هي الأكبر والأوسع منذ بداية “الطوفان” وتحديداً في محور رفح، إلا أن المقاومة نفَّذت خُطَّةً جديدةً للتصدي، اعتمدت على تكتيكاتٍ جديدةٍ ومتوافقةٍ مع متطلبات الدفاع المَرِن مع إدخَال تكتيكات وأسلحة جديدة فرضت على العدوّ سريعاً منطَق القتال الدفاعي والتراجعي، ورأى العدوّ في هذه المعركة بأساً شديداً واستشعر مخاطرَ ليس أقلَّها أسرُ أعدادٍ كبيرة من جنوده أحياءً أَو أمواتًا.