تهديداتٌ جديدةٌ بتشديد الحصار تكشفُ عن إفلاس غربي في التعامل مع الجبهة اليمنية.. أمريكا وبريطانيا تواصلان ابتزازَ صنعاءَ بملف السلام لوقف العمليات المساندة لغزة
المسيرة | خاص:
جَدَّدَت أمريكا وبريطانيا التأكيدَ على تمسُّكِهما بخيارِ استخدامِ مِلَفِّ السلامِ في اليمن كورقة ابتزاز ضدَّ صنعاءَ؛ مِن أجلِ الضغط لوقف العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة، وهو الموقف الذي واصلت الأمم المتحدة تبنِّيه أَيْـضاً، في مشهد يعكس إفلاسًا غربيًّا كَبيراً في التعامل مع الجبهة اليمنية في معركة (طوفان الأقصى)، حَيثُ سبق وأن أكّـدت القيادةُ الثوريةُ والسياسيةُ الوطنيةُ أكثرَ من مرةٍ على استحالة التراجع عن الموقف الداعم للشعب الفلسطيني مهما كانت الضغوطُ أَو الإغراءات.
وخلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن والتي عُقدت مساءَ أمس الاثنين، زعم المندوب المندوب الأمريكي، روبرت وود، الممثل البديل للشؤون السياسية الخَاصَّة، أن الهجمات التي تنفذها القوات المسلحة على السفن المرتبطة بكيان العدوّ الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا “عرقلت التقدم نحو السلام في اليمن” في تأكيد صريح وفجٍّ لإصرار واشنطن على ربط الموقف اليمني المساند لغزة بمِلف السلام، وهو إصرار يأتي بهَدفِ ابتزاز صنعاء؛ لدفعها نحو التراجع عن موقفها المناصر للشعب الفلسطيني مقابل السلام في اليمن.
وقال المندوب الأمريكي: إنه “من أجل السماح بدخول الإمدَادات والغذاء إلى اليمن يجبُ إنهاءُ الهجمات البحرية” وإنه يجب تعزيز سيطرة آلية الأمم المتحدة للتفتيش على كُـلّ الشحنات التي تصل إلى موانئ الحديدة، في تهديد واضح بمواصلة وتشديد الحصار الإجرامي على الشعب اليمني، على سبيل العقاب الجماعي، والانتقام من التحَرّك العسكري المساند لغزة.
هذا الموقف الانتهازي الذي يؤكّـد بشكل صريح مسؤولية الولايات المتحدة عن الحصار وعن عرقلة مسار السلام في اليمن، تم تبنيه من جانب إدارة بايدن منذ بداية انخراط اليمن في معركة (طوفان الأقصى) وبشكل معلن، حَيثُ سبق أن صَرَّحَ المبعوثُ الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، أكثرَ من مرة بأنه لن يكونَ هناك اتّفاقُ سلام إذَا لم تتوقف الهجماتُ اليمنية المساندة لغزة.
وقد ترافق هذا الابتزاز مع إغراءات كشف قائد الثورة السيد عبد الملك أكثر من مرة أنه تم تقديمُها لصنعاء؛ مِن أجلِ الهدف نفسه، وهو: وقف العمليات العسكرية المساندة للشعب الفلسطيني، لكن القيادة اليمنية رفضت كُـلّ ذلك.
وليس من المفاجئ أن تتبنَّى بريطانيا نفسَ الموقف الأمريكي، حَيثُ زعمت السفيرة البريطانية، باربرا وودوارد، خلال جلسة مجلس الأمن، أن تصعيد العمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني “يقوِّضُ أمنَ واستقرارَ اليمن” ويجعلُ “تأمينَ اتّفاق سلام مستدام غير ممكن”، داعية إلى ضرورة تشديد الحصار من خلال رقابة آلية الأمم المتحدة على كُـلّ السفن التي تصل إلى موانئ الحديدة.
ولا تخفي بريطانيا حرصها على عرقلة مسار السلام في اليمن، حَيثُ قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير نشرته، الثلاثاء: إن “المسؤولين البريطانيين يرون أن التوقيع على اتّفاق سلام أمرٌ غير مبرّر ويفضِّلون اتِّبَاعَ نهج أكثر صرامة” وهو ما يؤكّـد بشكل صريح على أن بريطانيا ترى في استمرار العدوان والحصار على اليمن مصلحةً لها وورقة ضغط بيدها؛ لإخضاع الشعب اليمني، كحال الولايات المتحدة.
وبرغم اعتراف المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، خلال إحاطته بأن التصعيد في المنطقة (بما في ذلك في البحر) مرتبط بشكل وثيق بالوضع في غزة، وأن وقف إطلاق النار هناك هو الحل، فَــإنَّ هذا الاعتراف لم يخلُ من محاولة التفاف على حقيقة أن مِلَفَّ السلام في اليمن لا يجب أن يتم ربطُه بأَيٍّ من هذه الأمور؛ وهو ما يعني أن الأمم المتحدة تواصل التماهي مع الواقع الذي تريد أمريكا وبريطانيا فرضَه بما يجعلُ مِلفَّ السلام في اليمن مرهونًا بمآلات المعركة الإقليمية التي يريد الغربُ أن يستخدمَ فيها كُـلَّ أوراقه.
مع ذلك، فَــإنَّ الموقفَ الأمريكي البريطاني الأممي، يكشفُ في الواقع عن إفلاس كبير لدى الغرب في التعامل مع الجبهة اليمنية المساندة لغزة، فمنذ أول إعلان رسمي عن بدء التحَرّك العسكري البحري ضد السفن “الإسرائيلية” أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أنه كان هناك “ترغيبٌ وترهيب” لصنعاء؛ مِن أجلِ التخلي عن نصرة الشعب الفلسطيني، وكشف أنه تمت عرقلة اتّفاق كان على وشك الانعقاد بين صنعاء ودول العدوان، مؤكّـداً أن ذلك كله لم ولن يؤثر على الموقف اليمني؛ وهو ما أثبته مجريات المعركة منذ ذلك الوقت؛ فعلى العكس من الرغبة الأمريكية والبريطانية، وبرغم العدوان العسكري ومحاولة عسكرة المياه الدولية قبالة اليمن، تصاعدت العملياتُ اليمنية بشكل متسارع على وَقْعِ فشل فاضِحٍ ومعترَفٍ به للقوات الأمريكية والبريطانية والأُورُوبية.
ويعني ذلك أن الإصرارَ الأمريكيَّ البريطاني على استخدام مِلَفِّ السلام كورقة ضغط لا يرتبطُ به أيُّ مكسب حقيقي متوقع؛ فاحتمالات استجابة صنعاء للابتزاز لم تكن موجودةً أصلًا من البداية، وبالتالي فَــإنَّ هذه الابتزازَ يأتي فقط من باب العقاب الجماعي والانتقام الإجرامي من الشعب اليمني.
ووفقًا لذلك، وبناءً على ما أثبتته معطياتُ الأشهر الماضية، فَــإنَّ ما أعلنته القيادةُ اليمنية من توجُّـهٌ مُستمرٌّ نحو التصعيد ضد العدوّ الصهيوني في ظل استمرار الإبادة الجماعية في غزة، لن يتأثرَ بالابتزاز الأمريكي البريطاني، بل إن تصاعُدَ قدرات الجبهة اليمنية المساندة لغزة واتساعَ نطاق وشدة عملياتها في ظل الفشل في الحد من تلك العمليات، سيشكِّلُ ضغطًا معاكسًا على العدوّ الصهيوني والأمريكيين والبريطانيين باتّجاه وقف العدوان على غزة؛ وهو ما يعني أن محاولات ابتزاز صنعاء ليست سوى مكابرة غربية دافعُها الرئيسي هو التهرُّبُ من واقع العجز عن التعامل مع الموقف اليمني المؤثر إقليميا.
ولا يخفى أن هذا الابتزازَ الأمريكي البريطاني المعلَنَ لصنعاءَ يضعُ النظامَ السعوديَّ أمام مسؤولية وقف المماطلة من جانبه واتِّخاذ قرارٍ واضحٍ بالتوجّـه نحو اتّفاق سلام شامل؛ لأَنَّ الضغوطَ الغربية لا تعتبر عُذرًا لاستمرار الوضع الراهن؛ وهو ما عبَّرت عنه بوضوحٍ دعواتُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي والرئيسِ مهدي المشَّاط للسعوديّة خلال الفترة الماضية للانتقالِ من مرحلة “خفض التصعيد” إلى مرحلةِ استحقاقات السلام.