المسيرةُ القرآنية والاهتداءُ بنور العلم
ق. حسين بن محمد المهدي
إن مما لا ريبَ فيه أن العلمَ يهدي إلى النجاح والفلاح، وأن كمال العقل واستقامة التفكير واستقلال الإرادَة أَسَاسٌ لمعرفة الحق وصحة العقيدة واستقامة التدين، وذلك لا يتم إلا بالاهتداء بالقرآن وبنور العلم وتحكيم الحُجَّـة والبرهان وفي الحديث: (ما كسب رجلٌ مثلَ فضل عقل يهدي صاحبَه إلى هدى ويرُدُّه عن رَدَىً).
المتتبع لخطى المسيرة القرآنية يدرك أن منهجية القرآن الذي تسير عليه قد جعلت البرهان والعلم أَسَاساً للعقيدة الصحيحة، ناعيًا على من لا يتخذ ذلك سبيلًا؛ فقد جاء في القرآن الحكيم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ، ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) وثاني عطفه؛ أي لاوٍ جانبه تكبُّرًا وإعراضًا عن الحق.
لقد استنهض القرآن الكريم العقول والبصائر بآيات بينات تيقظ العقول وتهدي إلى صراط مستقيم: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ).
لقد أوضح القرآن العظيم أن الغفلة والكبرياء وعدم الإصغاء إلى الحق والإعراض عنه يؤدي إلى ارتكاب الفواحش والإفساد في الأرض، وكل ذلك يوقع في الهلاك (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئك كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئك هُمُ الْغافِلُونَ).
إن الغفلة واتِّباع الهوى يقتل مواهب الفكر والنظر ويطفئ نور القلب ويعمي البصائر والبصر ويفسد على جماهير الناس منهج الإبصار للحقيقة (ومن يتبع الهوى يضلله) (يا داوُودُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّـهِ).
الهوى مضلٌّ للعقل، ومفسد للرأي، ومضيعة للحق؛ ولهذا نرى عُبَّادَ الهوى لا يذعنون أبدًا للمنطق القرآني العقلاني الذي تتبنَّاه المسيرة القرآنية؛ فمنطقهم لا يتماشى مع منطق العقل فيتبنى مشروع احتلال فلسطين وسفك دماء أبنائه وتشريدهم أنه الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي وضلال فكر من يؤيدهم في الغرب وفي الشرق العربي المسلم، وكأنهم لم يقرؤوا في القرآن (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلا يُصْلِحُونَ) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ).
إن مسيرة القرآن تسير على الدرب مستقلة في الإرادَة متحرّرة في الفكر موعودة بالنصر، وأن غَدًا لناظره قريب (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
العزةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، والخِزْيُ والهزيمةُ للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعينُ الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).