المرحلةُ الرابعة تدخُلُ حيزَ التنفيذ بكامل بنودها: لتثبيت ميزان التصعيد بالتصعيد

المسيرة: ضرار الطيب

كشف قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الخميس، عن تدشين عمليات استهداف السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة في البحر المتوسط، بعمليتَينِ خلال الأيّام الماضية، كما أكّـد على بدء حظر سفن كُـلّ الشركات التي تنقل البضائع إلى العدوّ الصهيوني، في سياق فرض العقوبات التي تضمنها إعلان المرحلة الرابعة من التصعيد؛ رَدًّا على اجتياح رفح؛ الأمر الذي يعني أن المرحلة الجديدة دخلت حيز التنفيذ بكامل بنودها؛ لتنتقل معها الجبهة اليمنية إلى مستوى تأثير أعلى وأكثر حساسية، يضع دول العالم أمام ضرورة مضاعفة الضغط على العدوّ لوقف الإبادة الجماعية؛ لأَنَّ استمرارها هو سبب التصعيد وتداعياته.

 

باتّجاه المتوسط.. لتثبيت أوسع نطاق ممكن للعمليات:

قائد الثورة أكّـد في خطابه الأسبوعي الأخير أنه تم تنفيذ عمليتَينِ “باتّجاه البحر المتوسط” تدشينًا لعمليات المرحلة الرابعة من التصعيد؛ وهو ما يُجيبُ بوضوح على تساؤلاتٍ أثيرت حول هذه المرحلة؛ فبيانُ القوات المسلحة كان قد أكّـد أنه سيتم استهداف السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة الواقعة على البحر المتوسط في أي مكان تطاله النيران اليمنية، وهو ما يعني أنه ليس من الضروري الوصول إلى البحر المتوسط في كُـلّ العمليات؛ فالمهم هو منع السفن من الوصول إلى تلك المناطق، لكن إعلان القائد هنا يؤكّـد أن الوصول إلى البحر المتوسط نفسه هو جزء أَسَاسي من مرحلة التصعيد لتثبيت أوسع نطاق ممكن للعمليات اليمنية بما يكفلُ تحقيقَ أكبر تأثير لناحية منع الملاحة باتّجاه موانئ العدوّ.

هذا أَيْـضاً ما أكّـدته إشارة السيد القائد إلى أن العدوّ “يحاول تشكيل أحزمة دفاعية متعددة لحماية سفنه في البحر المتوسط وفي النطاق بعيد المدى”، حَيثُ يبدو بوضوح من خلال هذه الإشارة أن القيادة اليمنية حرصت على أن تتضمن المرحلة الجديدة دراسة طرق الوصول إلى البحر المتوسط مباشرة وتجاوز الدفاعات المعادية على امتداد هذه المسافة الطويلة، وذلك طبعًا بالتوازي مع استهداف السفن المتجهة إلى المتوسط في أي مكان آخر يمكن الوصول إليه ناريًّا؛ وهو ما يوجِّهُ رسالةً واضحةً بأن اليمنَ مندفعٌ بقوة كبيرة وبكل اهتمام في المرحلة الجديدة لتغطية كُـلّ ما يمكن تغطيته من الاحتمالات والوسائل لتحقيق الهدف المتمثل بحظر الملاحة الصهيونية، وَأَيْـضاً لفتح المجال أمام مسارات عمل أُخرى؛ فالسفُنُ المتجهةُ إلى العدوّ لن تكونَ هي الأهدافَ الصهيونية الوحيدة المعرضة للخطر في حال تم تجاوز العقبات الدفاعية باتّجاه المتوسط.

وقد عَزَّزَ قائدُ الثورة هذه الرسالةَ بدعوة أحرار المقاومة العراقية إلى المشاركة في المرحلة الرابعة من التصعيد، وبرغم أنه لم يوضح طبيعة هذه المشاركة، إلا أن السياق يتضمن بوضوح تنفيذ عمليات تستهدف الملاحة الصهيونية (موانئَ أَو سُفُنًا) باتّجاه البحر المتوسط؛ نظرًا لقُرب المسافة إلى العراق بالمقارنة مع اليمن، وهو ما يكشف عن حرص القيادة اليمنية على ممارسة أقصى درجات الحظر البحري على العدوّ من اتّجاه المتوسط، ليكون بنفس مستوى الحظر المفروض في البحر الأحمر، وبالتالي الوصول إلى حصار مطبق يشكل ضغطا اقتصاديًّا هائلا على العدوّ.

هذا المستوى العالي من الالتزام والحرص على تحقيق هدف الحظر البحري وتثبيت مسارات عمل واسعة النطاق وبعيدة المدى، يضع العدوّ مرة أُخرى أمام حقيقة مزعجة هي أن الجبهة اليمنية ليست عشوائية وأن تأثيرها ليس قابلًا للاحتواء أَو حتى التوقع، بل هي جبهة تضع أهدافًا استراتيجية قاتلةً واحترافية، وتعمل بشكل مدروس وبتفانٍ استثنائي وعلى مسارات متعددة بدون تأثر بأية ضغوط؛ مِن أجلِ الوصول إلى تحقيق تلك الأهداف بشكل كامل، الأمر الذي يثبت مجدّدًا أن محاولاتِ فصل هذه الجبهة عن الصراع لم تصبح مستحيلة فحسب، بل إنها تعبِّرُ عن قراءةٍ خاطئةٍ يترتب عليها ثمنٌ كبير.

 

الشركاتُ الداعمة للعدو في دائرة العقوبات اليمنية.. وعلى العالم أن يتفهم:

القائد أكّـد أَيْـضاً في خطابه الأخير أن “الشركات التي تنقل البضائع للعدو الإسرائيلي سيتم استهداف سفنها في أي مكان تطاله قدرات الجيش اليمني” وهو إعلان واضح عن بدء تطبيق الشق الثاني من مرحلة التصعيد الرابعة، والذي كانت القوات المسلحة قد قالت فيه إنها -وفي حالة اجتياح العدوّ لرفح- ستطبِّقُ “عقوباتٍ شاملةً” على الشركات المتورطة في إمدَاد العدوّ بحريًّا، بما في ذلك حظرُ مرور كافة السفن التابعة لهذه الشركات في منطقة العمليات اليمنية بغَضِّ النظر عن اتّجاهها.

وقد حرص الناطقُ الرسمي لأنصار الله، محمد عبد السلام، على تأكيد ذلك، حَيثُ كتب في تدوينةٍ على منصة “إكس” إنه “وفقًا لما أعلنه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأسبوعي اليوم عن العدوان الإسرائيلي على غزة وردًّا على تصعيد العدوّ بعملياته العسكرية في رفح تصبحُ أيةُ سفينة تدخُلُ موانئ فلسطين المحتلّة هدفًا مشروعًا للقوات المسلحة اليمنية وجميع سفن الشركة التابعة لها سواء تواجدت في البحر الأحمر أَو البحر العربي أَو البحر الأبيض المتوسط أَو المحيط الهندي أَو أي مكان تطاله القدرات العسكرية اليمنية”.

أولى الرسائل التي يرسلها هذا الإعلان هو أن اليمن لا يطلق تهديدات فارغة؛ فبرغم من أن هذه الخطوة ستثمل زلزالًا كَبيراً؛ لأَنَّه سيضع الكثير من شركات الشحن في دائرة العقوبات والاستهدافات؛ فَــإنَّ القيادة اليمنية لم تتردّدْ في البدء بتنفيذ هذه الخطوة؛ رَدًّا على اجتياح رفح، بل عبَّرت عن إدراكٍ مسبَقٍ لطبيعة التداعيات التي قد يحاول العدوّ استغلالها لتصوير المسألة وكأنها تصعيدٌ يمني على حركة الشحن العالمية، ولذلك وجَّهَ السيدُ رسالةً أُخرى مهمةً للدول التي تفهمت طبيعة العمليات اليمنية في المراحل السابقة، ومنها روسيا والصين، إلى تفهُّم طبيعة التصعيد الجديد وتذكر ارتباطه بالإبادة الجماعية المُستمرّة في غزة.

هذه الرسالة تؤكّـدُ على عدة أمور:- أولها: أن اليمن لن يتراجع أمام أية محاولة للعدو لتفسير التصعيد اليمني بشكل خاطئ ومحاولة تأليب العالم؛ لأَنَّ التصعيد يستند إلى شرعية واضحة هي علاقة الشركات المستهدفة بالعدوّ الذي يواصل إبادة الفلسطينيين، وبالتالي فَــإنَّ الدول والشركات هي المعنية بتغيير موقفها ووقف التعامل مع كيان العدوّ لمصلحتها؛ لأَنَّ حجم التصعيد يتناسب مع حجم الجريمة التي تساندها هذه الشركات من خلال مواصلة إمدَاد كيان العدوّ، وليس الأمر مُجَـرّد تصعيد عشوائي ضد الملاحة نفسها.

وفي السياق نفسه فَــإنَّ هذه الخطوة تأتي بعد تجربة تستطيع الدول والشركات الاستفادة من معطياتها لاتِّخاذ القرار السليم؛ فخلال الأشهر الماضية أثبتت القوات المسلحة اليمنية أنها ملتزمة بشكل كامل وفريد بمعاييرَ أخلاقية واضحة فيما يتعلق بالتصعيد البحري، حَيثُ لم يتم استهدافُ أية سفينة غير مرتبطة بالعدوّ الصهيوني وأمريكا وبريطانيا، ومرت سفنُ الشركات التي أوقفت الشحن إلى العدوّ بأمان، كما هو الحال بالنسبة للشركات الصينية، وحتى بيانات شركات تتبع الملاحة الغربية تشير إلى أن السفنَ التي حوَّلت مسارَها كانت في الغالب ذات علاقات أمريكية و”إسرائيلية” وَ”بريطانية”؛ الأمر الذي يعني أن الخطرَ كانَ محصورًا في منطقة يمكن تجاوزها، وهي منطقةُ الارتباط مع هذه الدول، وفي حالة التصعيد الجديد فَــإنَّ كُـلّ ما على الدول والشركات أن تفعله هو وقف نقل البضائع إلى كيان العدوّ فقط، وسيكون الموقف الأكثر صوابيةً هو الضغط على العدوّ ورعاته لوقف الإبادة الجماعية في غزة؛ باعتبَارها السببَ الرئيسيَّ والوحيد للتصعيد اليمني.

في المقابل، أثبتت الروايةُ التي حاول العدوُّ ورعاتُه الأمريكيون ترويجَها خلال الأشهر الماضية، والتي صورت العمليات اليمنية كهجوم على الشحن العالمي، أنها رواية مزيَّفة بالكامل، بل أثبتت أنها مُجَـرّدُ غطاء تسعى الولايات المتحدة من خلاله إلى الإضرار بمصالح العالم بأكمله من خلال إجبار جميع السفن على تحويل مسارها على سبيل الاصطفاف لإنقاذ نسبة صغير من السفن المستهدفة، وبالتالي فَــإنَّ دولَ العالم وشركات الشحن معنية بالحفاظ على مصلحتها من خلال قطع العلاقات مع العدوّ، وترك الصهاينة ورعاتهم الأمريكيين والبريطانيين وحيدِين في مواجهة العقوبات اليمنية؛ وهو أمرٌ لا يخفى أن روسيا والصين من أبرز المعنيين به؛ نظرًا لاعتبارات واضحة؛ فاصطفافُهما مع الموقف الأمريكي الإسرائيلي والتضحية بمصالحهما؛ مِن أجلِ الغرب، سيكونُ بمثابة نكسة كبيرة في مشروعهما السياسي والاقتصادي، فضلًا عن كونه عارًا إنسانيًّا ومشارَكةً في دعم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com