التقليدُ الأعمى وغباءُ المُحاكاة
د. تقية فضائل
من المفارقات الغريبة عند شبابنا العربي أنهم يحاكون شباب الغرب في ملابسهم وسهراتهم وخلاعاتهم، وفي أغانيهم ومجونهم، وفي عاداتهم وموضاتهم وفي أكلهم وشربهم حتى حركاتهم وكلماتهم وقصات الشعر الغربية، وهنا يحضر في بالي قول رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- “لتحذن حذوَ بني “إسرائيل” القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”.
وفي المقابل لا يحاكونهم مثلاً هذه الأيّام في التضامن مع غزة وصمودهم في الحر والبرد، وتماسكهم رغم فصل بعضهم من جامعاتهم وحرمانهم من الحصول على وظائف مستقبلاً في بعض الشركات الكبيرة، وَلم يقلدوهم في ثباتهم رغم سجن بعضهم وجرهم بعنف من ساحات الاعتصام، بل وسحل بعضهم، لقد تحَرّك شباب الجامعات الأمريكية والغربية؛ نصرة للمستضعفين في غزة تاركين دراستهم وحياتهم ومصالحهم، هجروا بيوتهم المريحة للبقاء في خيام بين البرد والمطر والحر والشمس والتوتر وهجمات الشرطة، وبالمقابل لم يتحَرّك شباب جامعاتنا وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأن غزة ليست أرضاً عربية وأهلها ليسوا أهلنا والمسجد الأقصى ليس مسرى نبينا.
كشفت أحداث غزة مدى تهاوي هذه الأُمَّــة، حتى التقليد والتبعية الثقافية للغرب لا يكون إلا في السخافات والترهات والمزيد من الضياع والانحدار والسقوط، وليس في العلم والوعي والإنسانية والشجاعة والثبات على الموقف.
ولَكَمْ هو مؤلم أن يكون شبابنا الذين تؤمل فيهم الأُمَّــة مخرجاً مما هي فيه -يكونون- على هذه الشاكلة، وندرك جيِّدًا أنه من الظلم أن نحمِّلَ الشباب كُـلّ المسؤولية؛ فالمجتمعات العربية متخاذلة صامتة، وإن خرجت أحياناً في مظاهرات تنقطع بعدها بدافع الخوف أَو الملل، وما الشباب إلا جزء من المجتمع، بل هو الجزء الحيوي الفعال، وضعف تحَرّكاتهم التي تصل إلى مستوى الصمت كليًّا في أغلب الأوقات، ينبئُ بأن أمتنا ما زالت بعيدةً كُـلَّ البُعد عن تصحيح مسارها، ومواجهة عدوها والحفاظ على استقلالها، وتحصينها من التبعية الثقافية والفكرية والاقتصادية وحفظ كرامتها واللحاق بركب الحضارة.
إن الحلَّ الأمثلَ لإخراج شبابنا العربي من الوهن والضعف والتقليد الأعمى وغباء المحاكاة هو تثقيفهم بثقافة القرآن، لتُبنى معارفُهم ويُصحَّحَ فكرُهم وتقوى نفوسهم، وتشحذ هممهم، ثقافة قرآنية سليمة تبعدُهم عن التطرف الفكري والانحراف العقائدي، وتجعلهم مجاهدين في سبيل الله، لا يخافون في الله لومة لائم، يبنون أوطانهم ويحمونها وينهضون بأمتهم وفق توجيهات إلهية.