تحت مِظلة المصالح الأمريكية.. مسارَعةٌ سعوديّة نحو التطبيع على وقع استمرار الإبادة الجماعية في غزة
المسيرة | ضرار الطيب
على الرغمِ من استمرارِ الإبادةِ الجَماعيةِ للشعبِ الفلسطينيِّ في قطاعِ غزةَ وتصعيدِ العدوِّ الصهيونيِّ ضد النازحين في رفح، واصل النظامُ السعوديُّ تحَرُّكاتِه للاقتراب أكثرَ من صفقة التطبيع مع “إسرائيل” والتي يطمع للحصول في مقابلها على اتّفاقات دفاعية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويحاول تغطيتَها بعنوان الحرص على مصلحة الفلسطينيين، من خلال دعاية ما يسمى “حَلَّ الدولتَينِ” الذي يمثِّلُ في حقيقته تصفيةً للقضية الفلسطينية، كما أن السعوديّة لا تستطيع حتى أن تضمنَ التزامَ العدوِّ به.
وفي آخرِ تحَرُّكات هذا المسار، قالت وكالةُ الأنباء السعوديّة الرسمية: إن ولي عهد المملكة محمد بن سلمان استقبل، الأحد، مستشارَ الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، والذي تردّد على السعوديّة عدةَ مرات خلال السنوات الأخيرة في إطار العملِ على إبرام صفقة التطبيع بين الرياض والعدوّ الصهيوني.
وقالت الوكالة السعوديّة: إن ابن سلمان وسوليفان “بحثا الصيغةَ شبهَ النهائية لمشروعات الاتّفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية والتي قارب العمل على الانتهاء منها” وهي إشارة إلى الاتّفاقيات الدفاعية التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قبل أسابيع؛ باعتبَارها جُزْءًا من صفقة التطبيع، حَيثُ تطمح السعوديّة للحصول على امتيَازات دفاعية وأمنية من واشنطن مقابل الذهاب نحو العلاقة الرسمية مع العدوّ الصهيوني.
وكان بلينكن قد صرَّحَ قبل أسابيعَ من السعوديّة بأن التوصُّلَ إلى الاتّفاق مع السعوديّة ربما أصبح قريبًا؛ وهو ما يشير إليه حديثُ الوكالة السعوديّة عن “صيغة شبه نهائية” بوضوح.
وبرغم أن النظامَ السعوديَّ يحاول أن يُخفِيَ ما يتعلقُ بالتطبيع في هذا الصفقة، ويبرز الاتّفاقات الأمنية والدفاعية على الواجهة؛ ليجعل الأمرَين يبدوان وكأنهما منفصلان، فَــإنَّ سوليفان الذي يزور السعوديّة حَـاليًّا كان قد أكّـد مطلع مايو الجاري على أنه لن يكون بالإمْكَان إبرام أية اتّفاقات دفاعية مع السعوديّة بدون موافقتها على التطبيع مع العدوّ الصهيوني.
وقال سوليفان وقتها في تصريحات نقلتها صحيفة “فايننشال تايمز”: إن “الرؤية المتكاملة هي تفاهم ثنائي بين الولايات المتحدة والسعوديّة مصحوبًا بالتطبيع بين إسرائيل والسعوديّة” مُشيراً إلى أن “كل ذلك يجب أن يأتي معًا، ولا يمكن فصل جزء عن الآخر”.
وأضاف: “أتوقَّعُ أن تسمعوا في الأشهر المقبلة من الرئيس والآخرين منا المزيدَ عن الطريق الذي نعتقدُ أنه يمكن أن يؤدي إلى “إسرائيلَ” أكثر أمنًا ومنطقة أكثر سلمًا”.
وبدلًا عن الحديث عن التطبيع، لجأت الوكالة السعوديّة إلى رفع عنوان خادع، حَيثُ قالت: إن ولي العهد السعوديّ ناقش مع سوليفان “إيجاد مسار ذي مصداقية نحو حَـلّ الدولتين بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني” وهي محاولة مكشوفة لتقديم خدعة حَـلّ الدولتين كمطلب فلسطيني؛ مِن أجلِ إظهار صفقة التطبيع كإنجاز في سبيل مصلحة الفلسطينيين، حَيثُ تطلب السعوديّة من الولايات المتحدة أن تقنع العدوّ الصهيوني بالتجاوب مع مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية صغيرة؛ مِن أجلِ إتمام صفقة التطبيع والترويج لها كحل حقيقي، على الرغم من أن هذا “الاعتراف” لا يمثل في الحقيقة سوى شرعنة للاحتلال ولاغتصاب معظم الأرض الفلسطينية.
ومع ذلك، فَــإنَّ موقف العدوّ الصهيوني واضح في رفض أي اعتراف بأية دولة فلسطينية؛ ولذلك تتحدث العديد من التقارير أن النظام السعوديّ سيكتفي فقط بتعهد من الصهاينة بالتجاوب مع مسألة حَـلّ الدولتين؛ مِن أجلِ الترويج الدعائي لصفقة التطبيع، ومحاولة تقديمها للرأي العام كإنجاز سياسي.
المصالح الأمريكية الخَاصَّة هي الأكثر حضورًا في مشهد الاتّفاق:
وبقدر ما يكشفُه الإصرارُ على التطبيع من حرص سعوديّ فاضح على تصفية القضية الفلسطينية وكأنها تشكل تهديدًا له، فَــإنَّه يكشف أَيْـضاً عن عجز واضح لدى نظام الرياض عن التعلم من التجارب والاستفادة من المتغيرات، حَيثُ ترى السعوديّة أن الحصول على اتّفاقيات دفاعية مع الولايات المتحدة يمثل مصلحة كبرى تستحق التفريط لأجلها بأي شيء آخر، لكن الحقيقة هي أن هذه الاتّفاقات لن تمثل حماية حقيقية للسعوديّة التي سبق لها أن لمست فشل الدعم الأمريكي في حمايتها من الضربات اليمنية طيلة سنوات العدوان، كما لمست الانتهازية الأمريكية المهينة في التعامل مع موضوع الحماية بالذات، حَيثُ تحول الأمر في عهد إدارة ترامب إلى ابتزاز علني فاضح للنظام السعوديّ.
هذا أَيْـضاً ما ألمح إليه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي إلى ذلك، في خطابه قبل عشرة أَيَّـام، حَيثُ أكّـد أن “مساعي البعض لعقد اتّفاقيات حماية مع الأمريكي لن تنفع، بل ستفتح الباب للابتزاز الدائم”.
وفي الوقت الذي ترى فيه السعوديّة أن الاتّفاقات الأمنية ستحمي المملكة من أية تهديدات، فَــإنَّها تتجاهل حقيقة أن التهديدات التي تواجهها المملكة تأتي نتيجةَ إصرارها على تنفيذ المشاريع والتوجّـهات الأمريكية في المقام الأول، وبالتالي فَــإنَّ استمرارَ هذه العلاقة مع الولايات المتحدة هي مصدر التهديد، كما أن أية اتّفاقيات دفاعية مع واشنطن قد تزيد الضغط على السعوديّة للتورط أكثر في حروب وصراعات الولايات المتحدة في المنطقة؛ بذريعةِ “الدفاع المشترك”.
وفي هذا السياق أَيْـضاً يرى تحليل نشرته وكالة “رويترز”، تزامنًا مع زيارة سوليفان إلى المنطقة (السعوديّة وإسرائيل) أن الاتّفاقيات التي سيتم إبرامها مع السعوديّة لها فوائد استراتيجية عديدة للولايات المتحدة أبرزها “دعم أمن إسرائيل، وبناء تحالف أوسع ضد إيران” وهو ما يعني أن المصالح الأمريكية الخَاصَّة هي الأكثر حضورًا في مشهد السياسة والدفاع والأمن، بل وحتى فيما يتعلقُ بالمشاريع التجارية التي يُفترَضُ أن يتضمنها الاتّفاق، حَيثُ ترى الولايات المتحدة -بحسب تحليل رويترز- أنَّ من المهم “تعزيز العلاقات الأمريكية مع واحدة من أغنى الدول العربية في وقت تسعى فيه الصين إلى توسيع نفوذها في الخليج”؛ أي أن مسار المشاريع التجارية سيكون محكومًا؛ باعتبَارات المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.
وبحسب تحليل “رويترز” أَيْـضاً فَــإنَّ الولايات المتحدة ستستفيد من الاتّفاق مع السعوديّة من خلال “وضع قطاع الصناعة الأمريكي في موقع رئيسي” للفوز بعقود المشاريع في السعوديّة؛ وذلكَ لأَنَّ الشركات الأمريكية “تتنافس مع نظيراتها في روسيا والصين ودول أُخرى على الأعمال التجارية العالمية” بحسب الوكالة؛ الأمر الذي يؤكّـد أَيْـضاً على أن المصالح الأمريكية ستكون مهيمنة على كُـلّ مفاعيل الاتّفاق الذي تسعى السعوديّة جاهِدَةً لإبرامِه وخيانةِ القضية الفلسطينية لأجله.