التطوُّرُ من سنن الحياة
ق. حسين بن محمد المهدي
القافلة تسير والحياة متطورة أحوالها، خيراتها نعمة، وزينتها فتنة، وهي تمضي بسننها ونواميسها، وكأنها ظل الغمام، وحلم النيام، تعطي وتمنع، وتنقاد وترجع، وتوحش وتؤنس، والإنسان فيها حكيم نفسه.
فإن سعى نحو الكمال كمل، وحسن حاله.
وإن سعى نحو الرذيلة هوى إلى محل الذل والازدراء، وساءت أحواله.
الأمم كالأفراد تخضع لسنة التطور في هذه الحياة، فإن سعت نحو الكمال ترقت في سلم المجد وسمت وعزت، وَإذَا سعت نحو الرذيلة والاختلاف والانحلال انحلت وضعفت وتمزقت.
والأمة الإسلامية في سابق أمرها سارت في طريق التطور الطبيعي نحو الكمال، فقوت وامتصت الثقافات وحملت علم الحضارة وقدمت للعالم زاد العلم والإيمان والتقوى.
الأمة الإسلامية ابتليت في تطورها بعوائق عطّلت سيرها الطبيعي وحوّلتها إلى طريق الذل والضعف والتفكك؛ ففقدت كَثيراً من مقوماتها؛ لأَنَّها لم تبادر وهي قوية إلى صد أهواء من قاموا بتحطيم قوتها، وتفريق كلمتها بنزعاتهم التي تميل إلى تطبيق أغراض أعدائها، فكأن الأُمَّــة توقفت عن السير في طريق الكمال.
رغم أن الإسلام هو دين الكمال، وهو الدين الذي جاء ليأخذ بيد الإنسانية نحو الوحدة، والقوة، والخير للبشرية أجمعين، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جميعاً وَلا تَفَرَّقُوا)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئك لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)، (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
فالأمة الإسلامية تؤمن بالله وحده لا شريك له، وتؤمن أن نبيها واحد محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن القرآن كتاب الله واحد وأن قبلتها واحدة، وصلَواتها واحدة، وحجها واحد، يتساوى الكل في التكليف وفي الفروض والواجبات، وهذه فلسطين قضية المسلمين جميعاً.
فتفرق شعوب الأُمَّــة الإسلامية إلى دول وطوائف حرمهم من قوة أكثر من مليار مسلم، تناسوا أخوةَ الإيمان والإسلام التي أرشد إليها القرآن (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ).
وقد أرشدهم القرآن عند التنازع والاختلاف بالعودة إلى الله والرسول فقال سبحانه: (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
فأين المسلمون من ذلك اليوم وقد أعرضوا عما جاء به القرآن، وحينما ظهرت المسيرة القرآنية شنوا عليها حرباً كونية بعيدة عن منهج القرآن.
فقد حان الوقت لرجوع الساسة عن أخطائهم، ومع ذلك فَــإنَّ المسيرة تمضي في طريقها إلى الحق ولن يردها ذلك إلى الوراء أبداً؛ لأَنَّها تسير في تطورها إلى الحق ونحو الحق، مؤمنة بوحدة الأُمَّــة، ووجوب الجهاد لأعداء المسلمين.
فهي تعلن الحرب على من يحارب المسلمين في فلسطين، غير آبهة بما صنعه أهل الأهواء الذين فرقوا كلمة الأُمَّــة، وصاروا ينضوون تحت لواء أعدائها وكأنهم لا يشعرون، فتمسكوا بالمذهبية والطائفية.
وذلك لا يستفيد منه إلا أعداء الإسلام، وعلى وجه الخصوص الصهيونية اليهودية التي تحتل أرض العرب والمسلمين، وتحتل الأقصى الشريف.
إن الأُمَّــة فيْ أَمَسِّ الحاجة إلى أن تعود إلى فطرتها، وإلى تطورها نحو الكمال، فالمسلمون والمؤمنون جميعاً إخوة، لا فرق بين سُني وشيعي؛ لأَنَّهم كلهم يعتبرون سنة ويعتبرون شيعة، فيعتبرون سنة؛ لأَنَّهم جميعاً يتمسكون بما صح عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ويجمعون على أن الحديث إذَا صح عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وجب على الجميع الآخذ به، والقرآن يهدي إلى ذلك، (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).
والجميع يعتبرون شيعة فالكل يحب الإمام علي بن أبي طالب وأهل بيته -عليهم السلام- فهم جميعاً شيعتهم فقد آن الأوان لأن يتحد المسلمون تحت لواء القرآن، فمسيرة القرآن تجمعهم، ولا يستفيد من خلافهم إلا أعداؤُهم (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّـة واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).