الإسلام يقيمُ سلطانَه نظامُ الفكر والعمل بالعدل
ق. حسين بن محمد المهدي
لقد جاء الإسلام ليقيم نظامًا للفكر والعمل على أَسَاس العدل الذي أمر الله بإقامته وفقًا لما جاء به القرآن (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحسان وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
الإسلام جاء بنظام للفكر والعمل تنصلح به أمور الدنيا والآخرة؛ فهو ليس مُجَـرّد مجموعة من الأفكار المبعثرة، والطرق المتفرقة حشدت للعمل، بل هو نظام جامع محكم، أسس على مبادئ وقواعد حكيمة متقنة، ومن هذه الأصول والمبادئ تكون الحياة الإسلامية معرفة صحيحة لا مناص للمسلمين أن أرادوا العزة من الرجوع إليها والأخذ بها.
الإسلام جاء بنظام يكفل للإنسانية مكانتها وعزتها وسعادتها (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (لَقَدْ أرسلنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ).
لقد حرص النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجّـة الوداع على بيان الكثير من قواعد نظام الحياة في الإسلام فأتى أولاً على إعلان تضمن بيان أمرين يقوم عليهما الأمن والسلام في كُـلّ زمان ومكان وهما: وحدة الربوبية ووحدة البشرية (أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
إن وحدة الربوبية يشي بوحدة البشرية وأن الإنسان أخو الإنسان من جهتين:
الأولى: أن الرب واحد.
الثانية: أن الأب واحد (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أكرمكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
لقد أشار الخطاب النبوي في حجّـة الوداع إلى وجوب المحافظة على الحقوق الإنسانية والمدنية على نحو يشعر بعظمة الخطاب النبوي، وأن مجتمع الحجيج يشكل أهميّة بالغة لبيان ما يجب المحافظة عليه إنسانياً وإسلامياً؛ فمن يؤمن بنظام الإسلام ومبادئه وقواعده وجب عليه التقيد بما ورد فيه والتأكيد على بيانه.
لقد بين الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجّـة الوداع حرمة الدماء والأموال والأعراض فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا..، ألا فليبلغ الشاهد الغائب).
فهذه الأصول لا يجوز أن يحيد عنها جماعة المسلمين؛ فالأُخوَّة في الله رباط إيماني يقوم على منهج رباني.
لعُمْرُك ما مالُ الفتى بذخيرة
ولكن إخوان الثقات الذخائر
وإنما الناس جماعة واحدة، خيرهم من جمعهم على البر والصدق والهدى..
يعرفك الإخوان كُـلّ بنفسه
وخيرُ أخ ما عرّفتك الشدائد
ومن أعجب الأمور أن تحاصر اليمن بغير حق مستند من الشرع والقانون ويقام عليها تحالف بالإثم والعدوان؛ لأَنَّها انضوت تحت لواء المسيرة القرآنية الظافرة، الذي يقودها السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله-.
وينتظر كُـلّ مؤمن يرى حُرمة دم الإنسان وماله وعرضه، ويحكم شرع الله، ويؤمن أن من لم يحكم بما أنزل الله فَــإنَّه قد خرج عن الإسلام كما بيّن ذلك القرآن (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئك هُمُ الْكافِرُونَ).
أن يصدر بيانٌ باسم الحجيج يأمر برفع الحصار الظالم الذي لا يتفق مع أحكام القرآن وهدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وقواعد العدل، وما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام في حجّـة الوداع، بل إن السكوت فيه مُداجاة للتعاون على الإثم والعدوان، وإساءة إلى من شهد لهم النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- (بالإيمان والحكمة) واستجابة لقول الحق سبحانه وتعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
إن المسلمين في هذا الوقت في أمسِّ الحاجة إلى الشعور بالأُخوَّة الإيمَـانية، وإلى التوحد؛ مِن أجلِ الجهاد في فلسطين وردع الصهيونية اليهودية وتحرير فلسطين والأقصى الشريف.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزيُ والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).