الإسلام.. والحكمةُ اليمانية
ق. حسين بن محمد المهدي
الإسلامُ قوةٌ عظمى، ونعمةٌ كُبرى ورحمته واسعة، وحكمته بالغة، وأنواره ساطعة، وشجرتُه الطيبة بثمار الإيمان والهدى للناس يانعة، من تمسك به مخلصًا لربه، تائبًا من ذنبه فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم، صراط الله العزيز الحكيم.
الإسلام منذ أن وُجدت قوته، وظهرت دعوته، وعَلَت كلماته، مثلُه مثلُ أية قوة تظهر على وجه الأرض يتجه إليها خصمان:
خصمٌ يجحد فضلَها وينكر مكانتها ويحاربها، وخصمٌ طامعٌ في استغلالها فيلبس ثيابَها يجعل منها سنداً وعونًا لسياسته.
والملاحظ أن أخطرَ خصوم الدين جاحد ينكره، أَو طامع يريد أن يستغله.
إن الدين الإسلامي رغم ما واجهه من عنت خصومه ومستغليه بقي قويَّ النفوذ، واسعَ السلطان، مسيطرًا على القلوب، منتشرًا في شتى أصقاع الأرض، ذائعًا صيته، بالغًا تأثيره، نافعًا للناس في منهاج حياتهم الدينية والدنيوية، بالقرآن هادياً ومقوماً، (إِنَّ هذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).
لقد جاء الإسلام بالعلم الذي شق طريقَه فانتفع به العلماء، ونفعوا به الناس، والتمسوا به الخير، وأناروا به البصائر، وهدوا به إلى عظمة الخالق؛ فكان ذلك من فيض رحمة الله على هذه الأُمَّــة، وصمام أمان لها، وبه قهروا جاحديه.
فلما دب عصر الاختلاف وانقسم العلماء حصل الضعف.
إن الضعف الذي دب في بعض أوصال الأُمَّــة جمح بمن يريد أن يستغل الدين فسخر قوته الهائلة لمصلحته بعد نقض عروة الإسلام الأولى وهي (الحكم) فجعلوا من المذاهب والأحزاب قواعدَ لهم تحقّق لهم مطامعَ الوصول إلى السلطة.
وقد جعلوا من العلماء مطيةً لهم يحتمون بها، وجعل الطامعون من أنفسهم سندًا لمذاهب الفقهاء؛ الأمر الذي وسَّع هُوةَ الخلاف بين المسلمين.
ولكن الإسلام بقي بجوهره محتفظاً بقوته الروحية الفعالة، ملهماً لأتباعه التمسك بالقرآن، وبما أرشد إليه نبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وأرسى قواعد تعصم من التجأ إليها وأخذ بها وأحاط العلم الذي هو نبع قوته الأولى بقداسة كبرى، حتى أنه أرشد إلى بدء واستفتاح أي أمر ذي بال لا بُـدَّ أن يكون بذكر الله واسمه، حتى أن الباحث لا يجد كتاباً فقهياً لا يبدأ باسم الله والاستعاذة بالله.
وبيّن أن كُـلّ اعتقاد أَو عمل لا يقوم على دلائل الحق مردود على صاحبه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).
وبيّن أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وأرشد إلى بقاء المتحلين به على هدايتهم ليرجع إليهم عند اشتداد الأمر، فقال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) وفي رواية (والفقه يمان) وجملة الإيمان يمان أسمية من لازمها الثبات والاستمرار.
والحكمة في اللغة العربية: تعني العلم، وتعني العدل، ومن معانيها أَيْـضاً كُـلّ كلام يوافق الحق، ومنها: وضع الشيء في موضعه، ومنها: صواب الأمر وسداده، وقد بعث بها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ).
فالتنويه بها في كتاب الله، ووصف النبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وآله- بها أهل اليمن ما يلفت النظر إلى ذلك، وأبلغ ما تستفيده الإنسانية منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنىّ يجدها) فقد شبه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الحكمة في ضرورتها للإنسان بالضالة، وهذا تشبيه بديع يؤذن بأن الحكمة من الضرورات التي ينبغي البحث عنها والعمل بها.
فأهل اليمن أهل إيمان وحكمة، (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)؛ فقد أمدهم الله بسمو الإدراك فتمسكوا بأهل بيت النبي -محمد صلى الله عليه وآله-.
وجاءت المسيرة القرآنية بقيادة السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- وتمسكهم به لتؤكّـد للعالم صحة توجّـههم، فها هم يضربون الصهيونية اليهودية الأمريكية في البحر في قلبها النابض حاملة الطائرات آيزنهاور، ويغلقون على الصهيونية اليهودية البحار (البحر الأحمر والعربي والمتوسط والهندي).
إنها حكمة الإيمان وأهله (الإيمان يمان)، وحسن اختيار القيادة من أهل بيت النبوة، وليس ذلك بمنأى عن سنة الحبيب المصطفى محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي قال: (إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي).
وقد لمح ابن حجر إلى ذلك عند شرحه لحديث (ما يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان) فأوضح بأنهم أئمة أهل البيت في اليمن.
وهكذا نجد أهل اليمن واليمنيين أنصار الإسلام، وبهم قامت دولة النبوة، ودولة الأئمة من أهل البيت، وبهم ينتصر الإسلام ويتحرّر الأقصى الشريف، وترتفع راية المسلمين عالية خفاقة ما بين مشرق الأرض ومغربها.
فصدق إيمان أهل اليمن، وظهرت حكمتهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
العزةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزيُ والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).