السابع من أُكتوبر أحيا أُمَّـة وأهلك أُخرى
محمد المتوكل
إن قليلي الوعي والبصيرة لا يرون في السابع من أُكتوبر إلَّا منجزات ضئيلة أهمها كم قتل وكم أسر المقاومون من جنود الاحتلال، ولو خضنا في السياسات ومكاسبها لرأينا أن للمجاهدين في غزة حظاً كبيراً منها؛ فبينما رسم الغرب وأمريكا أن “إسرائيل” عملاقة وقوية بل وأقوى جيوش المنطقة ورسخته في عقول الناس لعشرات السنين، أتى المجاهدون كما أتى موسى -عليه السلام- فلقفوا ببنادقهم ما كانت تأفك به “إسرائيل” من قبل عشرات السنين من تهويل وتخويف في ليلة وضحاها.
وما كان يرى مستحيلًا أصبح في المقدور، وما كان يرى كَبيراً تقزم.
وما كان يرى ذكيًا رآه الناس كيف يُخترق، وما كان يرى أنه أقوى جهاز استخبارات في العالم تم الاستخبار عليه وفضح أمام الناس، فتضاءلت “إسرائيل” في عيون الناس كما هي أصلاً ضئيلة، وفضحت كما هي مفضوحة، وهرب جنودها الجبناء هروبُ الحُمُر من الأسد، وبذلك أعاد السابع من أُكتوبر معنويات أُمَّـة بأكملها، أعاد لنا جيلاً كنا نخشى ضياعه، وعزة قد كنا فقدناها.
لقد هزم الأعداء وإن لم يخرجوا، لقد هزمت نفوسهم وتحطمت آمالهم، فلا يقتلون إلَّا للانتقام ولا يجرمون إلَّا ليشفوا الغليل من هزيمة آتية لا مفر لهم منها، لقد رأينا الرعب والهشاشة في أوساطهم في المطارات يتزاحمون للخروج من أرض قالوا أنها لهم.
من منجزات السابع من أُكتوبر أنه أنهى ثقة شعب “إسرائيل” بقيادته فظهر قادة “إسرائيل” فاشلين مهزومين أمام المجاهدين ومنكسين أمام المستوطنين، هاربين من مظاهراتهم الغاضبة.
لقد فضح السابع من أُكتوبر الغرب وإنسانيته الكاذبة بل وعرَّى قوانينهم الزائفة، والمرأة التي كانوا يدعون لحقوقها اليوم يسفكون دمها ويقتلون أبناءَها، والقنابل التي يحرّمها مجلس الأمن رأيناها تمطر أبناء غزة وتقطعهم ولا يستنكر لذلك أحد، لقد رأينا بفضله أن أمريكا لا تحترمُ القوانين ولا تأبه للمحاكم الدولية ولا لقراراتها، لقد رأينا بفضل السابع من أُكتوبر كذب الغرب بحق الرأي ورأيناهم كيف يقمعون الأصوات التي تستنكر الإجرام والعنف، لقد كشفت أمريكا مدى كذبها بحق المتعلمين وحقوقهم، ورأيناها تلقي القبض عليهم كالمجرمين لمُجَـرّد الهتاف بوقف المذابح في غزة.
من أهم ثمرات السابع من أُكتوبر أنه عرّى الحكام والخونة وأظهر الزيف من الحقيقة وأسقط الأقنعة وبيّن العدوّ من الصديق والمحب من المبغض؛ فلم نر مواقف مشرفة من الدول العربية والإسلامية تدعم تلك الجماعة المجاهدة إلا من القليل، فغاب كُـلّ صوت كان يزمجر في المنابر يدعو الناس لقتال إخوتهم، بل رأينا منهم من اعتزل السياسة والحرب وراح خلف الملاهي وآداب الكلام، ورأينا من كان يتغنى بالقضية والقدس أنه بات في أحضان محتلّ القدس يتلطف له بل ويرضيه بإسكات شعبه حتى عن التظاهر مع أبناء غزة، ورأينا مليارات الدولارات تذهب للمحافل بينما يموت أهل غزة جوعاً، ورأينا من بنى الحواجز بينه وبينهم ورآهم يُقتلون ويُذبحون فلا يحرك ساكناً ولا يهتم لأمرهم.
وبنفس الوقت رأينا من لم يشف جرحه من عدوان أمريكا، يقف بجانب القدس وغزة ويحتمل أعباء هذا المسير المقدس ويكلله بالشهيد تلو الشهيد وبالمسير تلو المسير، فرأينا حزب الله يعصف بالأعداء شمالاً واليمنيين في البحر وأم الرشراش أذاقوا الأعداء الموت والخوف، رأينا في العراق من لم يخافوا التهديد ولم يكلوا أَو يملوا، يواصلون العملية تلو العملية والضربة تلو الضربة.
لم يكن السابع من أُكتوبر عادياً أبداً، هو نصرٌ للمجاهدين من أولى لحظاته وهزيمة “إسرائيل” ارتسمت منذ شروق يومه.