ابنُ سلمان وابنُ زايد.. تقمُّـــصُ دور الناتو
د/ عبد الرحمن المختار
مؤكَّـدٌ أنَّ الأعداءَ -سَوَاء في المحيطِ العربي أَو خارجه- لم يكونوا يرغبون أبدًا بالدُّخولِ في مواجَهةٍ مباشرةٍ مع شعبِنا اليمني؛ ولأجل ذلك خططوا طويلًا، ووضعوا سيناريوهاتٍ متعددةً؛ لإيصال البلد إلى مرحلة التدمير الذاتي، التي يتولَّى فيها أبناءُ الشعب تدميرَ بلدهم بأيديهم، من خلال اقتتالٍ بيني شاملٍ غيرِ محدَّدِ المدى زمنيًّا وجغرافيًّا؛ ليقتصرَ دور القوى الإجرامية على تمويل أدواتها، وإمدَادها بالعتاد الحربي، وضبط تحَرّكاتها؛ بما يخدُمُ توجُّـهات هذه القوى، ولتتفرَّغَ لتنفيذ أجنداتها الخَاصَّة، في غفلة من أبناء الشعب المنشغلين بصراعهم البَيني غير المحدود، وَفْــقًا للسيناريوهات المعدة سلفًا من جانب هذه القوى الإجرامية، ولقد أسست المبادرة الخليجية لسيناريوهات التدمير الذاتي، التي جرى ترتيبها بشكل تسلسلي ليحل الثاني محل الأول في حال الفشل، وهكذا.
وكان أول سيناريو للتدمير الذاتي عوَّلت عليه القوى الإجرامية، هو التالي لمرحلة الاستفتاء على الدستور خلال النصف الأول من عام 2015/؛ فلم يكن هناك من شك لديَّ تلك القوى بأن الاقتتال سيبدأ مباشرة في اليوم التالي لعملية الاستفتاء على الدستور، ليس على مستوى الأقاليم فحسب، بل على مستوى المحافظات أَو الولايات والمديريات؛ إذ سيتم بشكل تلقائي تفعيل بذور الصراع التي زُرِعت بعناية فائقة في مشروع الدستور خلال عام كامل، جابت خلاله لجنة الصياغة عواصم ومدن بلدان متعددة في المنطقة وخارجها، جرى خلالها التأكّـد من قدرة وفاعلية ما تم زراعته من بذور الصراع في إحداث تدمير ذاتي كلي شامل، دون تدخل مباشر من جانب قوى العدوان الإجرامية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية.
ورغم حرص وحيطة الأعداء على نجاح هذا السيناريو في تلك المرحلة المبكرة، إلا أنهم خسروا؛ بسَببِ يقظة وانتباه شعبنا اليمني لمخطّطاتهم الشيطانية، وبطبيعة الحال فالأعداء لم يستبعدوا احتمالات الفشل؛ فكان السيناريو البديل جاهِزًا للعمل وبشكل أشدَّ قوةً وفَتْكًا بالشعب وكل مقومات حياته، وتمثل هذا السيناريو في إيعاز القوى الخارجية إلى الحكومة بالاستقالة، وكذلك رئيس الدولة، وعلى يلتزم الجميع منازلهم منذ لحظة إعلان الاستقالة المتزامنة مباشرة.
ويقتضي هذا السيناريو خلوَّ مناصب الحكومة ورئاسة الدولة بشكل مفاجئ؛ وهو ما سيترتب عليه انقسام المؤسّسة العسكرية والأمنية الهشة أَسَاساً، وانهيار الخدمات -شبه المنهارة- بشكل كامل، وبهول المفاجأة والصدمة والانقسام العميق، سيحدث الانفجار الكبير والسقوط المدوي الانهيار الحتمي لمؤسّسات الدولة، وتحل الفوضى الشاملة، نهبًا وقتلًا ودمارًا، ويتحقّق بذلك مخطّط القوى الإجرامية في إحداث حالة التدمير الذاتي للبلد، وتحميل الثورة وقيادتها مسؤولية كُـلّ ذلك، غير أن السحر انقلب على الساحر فخسر هنالك المجرمون وانقلبوا صاغرين، وخرجوا جميعاً أذلة منكسرين من عاصمة شعب الإيمَـان والحكمة.
وتمكّن شعبنا -بقيادته الحكيمة ورجاله المخلصين- من المحافظة على ما تبقى من مؤسّسات الدولة؛ لتقديم المتاح من خدماتها للمواطنين، وأدرك الأعداء المجرمون أنه لم يتبق بأيديهم سوى ما سبق لهم أن صنعوا من أدوات تكفيرية؛ فاعتقدوا مخطئين أن الوضع الداخلي هش للغاية؛ فلا خبرة لدى الثوار، ولا كوادر كافية لإدارة مؤسّسات الدولة، وأن قليلًا من الإرباك -تسببه الأدوات التكفيرية- يمكن أن يحقّق لهم ما سبق أن فشلوا في تحقيقه، وَفْــقًا لمخطّطات وسيناريوهات معدة بدقة وإحكام.
وبالفعل فقد فعّلوا تلك الأدوات القذرة، التي ارتكبت بشكل متزامن جرائمَ بشعة في المساجد والساحات والميادين العامة، ووسائل المواصلات وفي كُـلّ تجمعات المواطنين، غير أن تلك الأدوات الإجرامية ما لبثت أن تهاوت في معاقلها تحت وقع الضربات لقاصمة من جانب الجيش واللجان الشعبيّة في حينه، والمفاجأة أن حالة الإرباك التي أرادوا أن تحدثها الأدوات الإجرامية في الساحة الوطنية انقلبت عليهم؛ فإذا بهم هم المربَكون المحبَطون من فشل جميع مخطّطاتهم للتدمير الذاتي للبلد.
ولجأت قوى العدوان الإجرامية بعد فشل السيناريوهات السابقة إلى آخر ما في جعبتها وهو سيناريو العدوان المباشر؛ وحرصًا منهم على فعالية هذا السيناريو، وقدرته على تحقيق ما سبق لهم أن فشلوا في تحقيقه؛ فقد تم الإعلان عن بدءِ العمليات العسكرية، وَفْــقًا لهذا السيناريو من عاصمة الشيطان الأكبر واشنطن، وهذا الإعلان بحد ذاته كافٍ -وَفْــقًا لاعتقاد المجرمين- بإحداث حالة انهيار داخلي خلال أَيَّـام؛ وهو ما عبَّرَ عنه متحدِّثُ قوى الإجرام خلال الأيّام الأولى للعدوان، ناهيك أن تشترك الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية بشكل مباشر في الدعم اللوجستي والاستخباري والإعلامي والغطاء السياسي الدولي.
وبعدَ مضي عام تقريبًا على بدأ العمليات العسكرية جوًّا وبرًّا وبحرًا متزامنة مع حصار خانق على كافة المستويات، أدرك ابن سلمان حجم ورطة بلاده في الحرب، خُصُوصاً بعد أن طالت اليد الطولى لجيشنا الوطني عصب حياته وعمقه الجغرافي، حينها وزيرُ خارجيته، وهو الشخص ذاتُه الذي أعلن من واشنطن بدءَ العمليات العسكرية، أعلن خانعًا منكسرًا بتاريخ 16 مارس 2016 أن الحل في اليمن لا يمكن أن يكون عسكريًّا، وأن الحل لن يكون إلا سلميًّا سياسيًّا؛ فخرج في مساء ذات اليوم متحدث البيت الأبيض (جوش أيرنست) ليعلن بكل وقاحة وصلف أن (الحل السياسي في اليمن لا يزال بعيد المنال) ليمثل ذلك صفعة لابن سلمان، ورسالة واضحة له، مفادُها أن تقرير حالة الحرب أَو السلم ليس من شأنك، بل من شأن أسيادك.
وانتهى الأمر بانصراف ابن سلمان عن محاولات الخروج بماء الوجه، لتستمر حالة الحرب لعقد من الزمان، وفي المرحلة التي تمكّن فيها الشعب اليمني من إيلام الإدارة الأمريكية ذاتها، التي أدركت أن نُــــذُرَ أزمة داخلية يمكن أن تعصف بها؛ بسَببِ ما يمكن أن تؤدي إليه عمليات جيشنا اليمني من قطع لإمدَادات الطاقة التي تمثل (عصب الحياة) بالنسبة لأمريكا خُصُوصاً وللغرب عُمُـومًا؛ فأوعزت إلى أدواتها بالذهاب إلى هُدنة وإن طال أَمَدُها لحين إعادة ترتيب أوراقها.
واليوم تلوحُ في الأُفق نُـــذُرُ تجدُّدِ الحرب العدوانية على شعبنا اليمني، والتي بدأت بحرب اقتصادية واضح تماماً أنها مقدمة لحرب عسكرية، لكنها مختلفة تماماً عن سابقتها خلال السنوات العشر الماضية، الصيغة الجديدة جرى التخطيط لها مبكرًا، وقبِل بها ثنائيُّ الإجرام ابن سمان وابن زايد، وقد اقتضت أولى خطواتها الإطاحة بـ (هادي) الذي ارتبط في الذهنية السياسية والإعلامية والشعبيّة، على الأقل بالنسبة لغير الداخل، أن سببَ الحرب العدوانية هو دعوتُه للتدخل لإنقاذ شرعيته المزعومة، واستعادة الدولة من أيدي الانقلابيين، وَفْــقًا لما تم الترويجُ له في حينه.
وبإزاحة هادي من المشهد اعتقد المجرمون أنه قد تم فَكُّ الارتباط بينه وبين دول تحالف العدوان بما فيها القوى الغربية، وأنه -وَفْــقًا للسيناريو الجديد- لن يكون هناك تدخُّلٌ عسكري مباشر عقب تشكيل ما سُمِّيَ بمجلس القيادة الرئاسي، وأن دور دول تحالف العدوان سيقتصر على التمويل والتسليح والإسناد والدعم اللوجستي والاستخباري، إضافة إلى الحصار الاقتصادي، ووَفْـــقًا لهذا السيناريو يعتقد ابن سلمان وابن زايد أن عمقهما الجغرافي سيكون في مأمن من أي استهداف من جانب جيشنا الوطني؛ باعتبَار أن الاقتتال سيكون بَينيًّا، ولا علاقة مباشرة بينهما وبين أطراف النزاع في الداخل، وأنه سيترتب على ذلك التزام الطرفَين المتقاتلين بتأمين طرق إمدَادات الطاقة، كما كان عليه الحال خلال الحرب العدوانية في سنواتها الماضية.
وبذلك ينعم ابن سلمان وابن زايد وبلداهما بالأمن والهدوء، وما يدور في الداخل اليمني شأنٌ يمني لا علاقة لهما مباشرة به، وهما -والحال هذه- يتقمصان دور حلف الناتو في أوكرانيا، الذي تقدم الدول المنضوية فيه الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي، دون أن تتعرض لأي رد مباشر من جانب موسكو، وهذان الغِـــرَّان يبدو أنهما إما مجبرون على ذلك، وإما أنهما استحسنا تقمص هذا الدور، وقبولهما لذلك في كلا الحالين خطأ جسيم في التقدير والقياس؛ فالخونة العملاء ليسوا أوكرانيا، والشعب اليمني ليس روسيا، والغِـــرَّان معًا ليسا الناتو، وعليهما أن يدركا جيِّدًا أن شعبنا -بقيادته الحكيمة- مدرِكٌ جيِّدًا لترتيبات ما بعد خَلع المخلوع (هادي) وأن الشعبَ قد استعدَّ وأعدَّ لمتطلباتها جيِّدًا، وأنه إلى جانب ذلك لم ينسَ ولن ينسى أبدًا ما ارتكباه من فظائعَ وجرائمَ على مدى سنوات العدوان الماضية، بدايةً بالحصار ونهاية بالقصف والقتل والدمار، وأيُّ عدوان يتجدد على شعبنا -وَفْــقًا لأية صيغة كانت- سيكون محوره الرياض وأبو ظبي، وإن تذرَّعَ غِــــرَّاهما بتقمص دور الناتو؛ فلسانُ حال شعبنا يقول (حَــــذَارِ حَــــذَارِ، وقد أُعذر مَن أنذر).