الإخلاصُ سِــرُّ النجاح
ق. حسين بن محمد المهدي
مما لا ريب فيه أن المسلم لم يتعلم في حياته شيئاً أفضل من التوحيد لله والإخلاص له؛ لأَنَّ التوحيد لله هو نهاية العلم، والتقوى نهاية العمل، وبهما ينال المؤمن شرف الدنيا ونعيم الآخرة، ونحن في أشهر الحج وقد أمر الله المسلم به (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً).
المؤمن يستجيب لأمر الله في كُـلّ شؤونه، ويكفي الحاج شرفاً أنه استجاب لله مخلصاً، فالنفس البشرية حينما تستجيب لأمر الله تذعن لأحكامه لتحيا حياة طيبة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ).
إنما يظهر عليه الحجاج اليوم في لباسهم الموحد غنيهم وفقيرهم، وقويهم وضعيفهم، موحَدين وموحِدين لله يحمل معنى المساواة والأخوة الشاملة التي يحرص الإسلام على غرسها، فيشعر أن هذا الدين دين محبة وإخاء مما يدفع بهم إلى التآلف، فسبيلهم ومنهجهم واحد في عبادة خالصة لله الواحد، ملبين بالوصف الجميل للملك الجليل.
إذا تجرد الحاج من ثيابه وأحرم وامتنع عن إتيان محظورات الإحرام، وعظم شعائر الحج فَــإنَّ نفسه تكون أقرب إلى بارئها الذي دعاها إلى الحج فأجابت، وإلى الإحرام فأجابت، وإلى ذكر الله والعمل الصالح فاستجابت (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الأرض جميعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئك لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ).
فالإخلاص في العمل شرط في قبوله (وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ).
الإخلاص هو الذي يجعل من المرء إنساناً سوياً يخاف الله ويراقبه؛ فالإسلام وهو بغية الأرواح، ومهبط السكينة، ومستقر الطمأنينة، وأمنية القلوب، لا يتم دون إخلاص.
إذا كان خير خطاب ما زاد في قوة البصيرة، وعاد في صحة السريرة، وطرق طرائق العدل، وبيّن حقائق الفضل، فصار تذكرة للأخيار، ومزجرة للأشرار، وقوة لأولي الألباب فَــإنَّ ذلك يتحقّق فيما تحدث به قائد المسيرة القرآنية عن حكم الإمام علي -عليه السلام- وما نوّه به عمن يبدأ العمل بإخلاص فيتأثر بالمناصب فيتحول إلى عشق للمناصب… إلخ.
ومما لا ريب فيه أن الشقاء الذي أصاب كَثيراً من الناس مرده عدم الطاعة لله والإخلاص في العمل الذي لا يتم إلا بالاستمرار عليه والتعهد له (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
فالاستقامة والإخلاص في العبادة والمعاملات رأس الفضائل.
فقد أخلص قائد المسيرة القرآنية بالنصح ومن أخلص في الود نصح؛ فالقوانين والنظم التي يضعها البشر وإن كان باستطاعتها أن تفرض على الإنسان رقابة إنسانية على سلوكه، ولكن ليس في استطاعتها مراقبة ضمائر الناس لتحملهم على أن يسيروا في أعمالهم وفق منهج الله، فربما يجد الغاش في عمله من خلت نفسه من الإخلاص والخوف من الله؛ فيفسد.
أما مع الإخلاص لله فَــإنَّك ستجد العدل والأمن والأمانة والصدق والوفاء والاستقامة، فعلى المسلم أن يلتزم في كُـلّ عمله الإخلاص، ألَّا ترى أن الحاج إذَا أخلص لله في حجه كان حجه مبروراً.
أما إذَا فرطنا في عبادة ربنا والإخلاص في أعمالنا عدنا إلى أرذل الأمم، يطمع فينا كُـلّ طامع، ويهزأ بنا كُـلّ قوي، فإذا رأيت العمل خالياً عن الإخلاص فذلك دليل فساد في المعتقد والأخلاق.
إن السير على منهج الله والإخلاص له في العبادة والعمل تتحقّق به المراقبة، فتنجبر الطبيعة، ويعم الخير، وقد أحسن من قال:
ما دام رائدنا الإخلاص في العمل
لا بدّ نبلغ يوماً غاية الأمل
أمران من يعتصم يوماً بحبلهما
فالنجاح رائده في أيما عمل
هما الثبات وتوحيد القلوب لذا
إليهما قد دعانا خاتم الرسل
إننا في هذه الأيّام الطيبة بحاجة إلى أن نعتصم بالله ونكثر من ذكره في هذه العشر المباركة التي أخبرنا القرآن بأن الحجيج يشهدون فيها منافع لهم ويذكر اسم الله (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسم اللَّـهِ فِي أَيَّـام مَعْلُوماتٍ).
والأيّام المعلومة هي عشر ذي الحجّـة، فما أحرى الجميع في هذه الأيّام أن يتجه إلى تعظيم حرمات الله والسعي إلى نصرة الأقصى الشريف والشعب الفلسطيني المظلوم فذلك خير الدنيا والآخرة.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).