الصمتُ على حوادثِ الحجِّ مُشَارَكَةٌ فيها
هاشم أحمد شرف الدين
في كُـلِّ عام، تُزهَقُ أرواحُ مسلمين أبرياء، وصلوا إلى بيتِ الله الحرام، مُحمَّلينَ بِأحلامهمْ وبطموحاتهم في أداء شعيرة الحج؛ لِتُسقطَهم قتلى يدُ التقصير والإهمال السعوديّ، بأساليبَ متنوعة.
ومع هذا، ورغم تكرارِ الحوادث المؤلمة وسقوط المئات قتلى كُـلَّ عام تقريبًا، ثمّةَ صمتٌ مُـــرٌّ ومُريبٌ يربطُ ألسنَ العالم الإسلامي؛ إذ ينكفئ المسلمون على آلامهم، ويخنقون صرخاتِ استيائهم، مُستكينين لسطوةِ وظلمِ النظامِ السعوديّ، مفضّلين العملَ بحِكَم السكوت!
أمّا حكوماتُ الدول الإسلامية، فكأنَّها بصمتها المُطبِق قد حوّلت دماءَ المسلمين إلى حبرٍ أسودَ، تُرسَمُ به لوحاتُ الخِذلان، وتُكتبُ به قِصَصُ التخاذُل، مُخزيةً في تاريخها، مُشينةً في وجوهِها.
وحدَه هذا العام أَيْـضاً، كان صوتُ السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله سبحانه وتعالى- مَن كسر صمتَ الأُمَّــة المُرِّ؛ للتعبير عن الضحايا الأبرياء وأرواحهم المزهوقة.
لقد كان صوته -في كلمته الخميسية الأسبوعية- ناضحاً بالحكمة مستشعراً للمسؤولية، واصفاً النظامَ السعوديّ بثلاث صفات هي:
١- غير الجدير بخدمة الحجاج؛ كونه يبتزُّهم ويجني أموالَهم دون تقديم الخدمة اللازمة.
٢- غير ذي الجَدارة في إدارة شعائر الحج؛ كونه يهملُها ويركِّزُ اهتمامه على حفلات المجون والخلاعة.
٣- غير الجدير على تحقيق مقاصد الحج القرآنية والإسلامية والإشراف عليه؛ لأَنَّه لا يقدِّرُ قيمتَه وتغيبُ عنه معانيه المقدّسة.
لقد فهمتُ من كلام السيد القائد أن الأمرَ الطبيعيَّ هو أنه لا يُمكِنُ أن تُغتفرَ أَو تُغيَّبَ هذه الجرائم، ولا يُمكن أن يُسكتَ صوتُ الضحايا؛ فلا بدّ أن ترتفع أصوات أبناء الأُمَّــة نيابةً عنهم، مطالِبةً بالعدالة، بالتحقيق، بالمساءلة. فَأيُّ عدالةٍ ستُحقّقها الحكومات، وأيُّ تحقيقٍ ستُجريه، وأيُّ مساءلةٍ ستُمارسها، وهي مُستمرّةٌ في صمتها، مُستمرّةٌ في تواطؤها، مُستمرّةٌ في إهمالها؟
إنّ صمتَ المسلمين، وصمتَ حكوماتِهم، هو مشارَكةٌ في الجريمة، هو مشارَكةٌ في إزهاق الأرواح، هو مشارَكةٌ في إهانة الإسلام، هوَ مُشارَكةٌ في الإساءة إلى اللهِ -سبحانه وتعالى-.
إن صوتَ السيد عبدالملك، هو دعوةٌ لنفضِ الغبار عن الألسن؛ لتُنشرَ الحقيقةَ وتنارَ شمعةُ العدالة. إنه دعوةٌ لمحاسبة المُقصِّرين، ومعاقبة المُهملين، واستردادِ كرامة الإسلام والمُسلمين.
لذا، يجبُ على كُـلّ مسلم في هذا العالم، المساهمةُ في إصلاحِ أوضاع الحج؛ لضمان سلامة الحجاج، وإحياءِ روح العبادة في الأماكن الإسلامية المقدّسة.
فليقمِ المسلمون بالضغط على حكوماتهم وعلى المنظمات الإسلامية؛ للمطالبة بتحقيقٍ إسلامي دولي مستقل في حوادث الحج، وذلك لضمان الشفافية والمساءلة.
فليتم الضغطُ للمطالبة بإصلاحاتٍ جذرية في إدارة الحج والعمرة، وتوفير ضماناتٍ لسلامة الحجاج، من خلال إرسال رسائلَ إلى المسؤولين الحكوميين في دولهم، وتنظيم الاحتجاجات المختلفة والمشاركة فيها، وتنظيم حملاتٍ إعلامية.
وليقم المسلمون بنشر الوعي بأهميّة الحج والعمرة، والتأكيد على ضرورة إدارتهما إدارة مسؤولةً وشفّافة. فلينشروا الوعيَ بخطورة الإهمال في إدارة الحج والعمرة، والتأثير السلبي الذي يترتب عليه. ولينشروا الوعيَ بحقوق الحجاج، والتأكيد على ضرورة احترامها من قبل النظام السعوديّ وحكومات الدول الإسلامية.
يمكن للمسلمين نشرُ الوعي والدعوة إلى إصلاح إدارة الحج والعمرة بأساليبَ مختلفة، كالخطابةِ في المساجد والتجمعات والمناسبات، والكتابة في الصحف والمجلات ومنصات التواصل الاجتماعي.
يجبُ أن يرتفعَ صوتُ كُـلِّ مسلم أمام تقصير وإهمال النظام السعوديّ وعدم أهليّته في الإشراف على الحج، ما لم فسيكون مشارِكًا في جرائم النظام السعوديّ بحق الحجاج، ومساهماً -بصمته- في استمرار إساءة النظام السعوديّ لركنٍ من أركان الإسلام.
فالحجُّ والعُمرةُ وبيت الله الحرام، رموزٌ لوَحدةِ المسلمين، ولِتوحيدِهم، ولتذكيرِهم بعظمة الله، ولتطهيرِهم من الذنوب، ومن اللازم في مَن يُشرِفُ عليها أن يكونَ مُخلِصاً لدينه، مُحبًّا لأُمته، مُتّقِيًّا لربّه، لا مُتلهِّيًّا بمُتَعِ الدنيا، غارقًا في شهواته.