أين تكمُنُ خطورةُ شبكة التجسس الأمريكية في صنعاء؟
د. عبدالملك محمد عيسى
عندَما شاهد الجميعُ اعترافاتِ شبكة التجسس الأمريكية شعروا بالصدمة والذهول، الصدمة؛ كون هؤلاء مواطنين يمنيين يعرفُهم الناسُ الذي من حولهم، والذهول؛ باعتبَار أنهم قاموا بتعرية المجتمع اليمني من ثيابه أمام الأجنبي؛ فما من جانب إلا وقاموا بكشفه أمام الأمريكي (السياسي، الاقتصادي الاجتماعي، الزراعي، الأمني، والعسكري) نعرف جميعاً بأن النظام السابق إبَّان حكم عفاش جعل اليمن مكشوفًا أمام الآخر وأن رئيس الدولة كان جاسوسًا للجنة الخَاصَّة السعوديّة ويستلم أموالًا منها رغم أن القانون اليمني يجرِّمُ استلامَ مبالغَ ماليةٍ من أية دولة أجنبية ولكنه قدَّم مصالحَه الخَاصَّة على مصلحة الوطن، وهؤلاء الجواسيس طبقوا قول الشاعر:
إذا كان ربُّ البيت بالدُّفِّ ضاربًا.. فشيمةُ أهل البيت كُلِّهِمُ الرقصُ
كل هذا كان صحيحًا ومعروفًا لدينا كمجتمع يمني، لكن الفيلم الذي بثته قناة “المسيرة” والذي أعده جهازُ الأمن والمخابرات كجزءٍ مكثّـف للفضائح كشف مدى التعرية التي يعاني منها المجتمعُ أمام الأمريكي؛ لذلك شعر الكثير بالصدمة والذهول.
الأسوأ من ذلك هو استمرارُ هؤلاء الجواسيس في عملهم رغم انسحابِ السفارة الأمريكية من صنعاء؛ باعتقاد أن جهاز الأمن والمخابرات لن يصل إليهم، من هنا نقول: إن إلقاء القبض عليهم ضربةٌ استراتيجيةٌ للأجهزة الأمنية اليمنية؛ لاعتبارات كثيرة:
1 – رسالة هامة من اليمن إلى أمريكا بأنها تحت أنظار الأجهزة الأمنية مهما حاولت التسترَ تحت جواسيسَ يمنيين، وهي بنفس الوقت رسالة ردع هامة.
2 – إنجاز أمني كبير جِـدًّا؛ كون أجهزة الاستخبارات الأمريكية معروفة عالميًّا بأنها الأقوى والأكثرُ قدرة؛ فأثبتت الأجهزة اليمنية علوَّ كَعْبِها في هذا المجال.
3 – عززت المشاعرَ الوطنية لدى المواطنين ومشاعرَ الفخر والعزة وأن مقدرات الشعب اليمني محمية بأجهزته الأمنية المقتدرة.
4 – إنجاز استراتيجي؛ كونه تسبب في عَمَىً استخباراتي أمريكي على الوضعِ الأمني والعسكري والاجتماعي والاقتصادي في اليمن بعد اعتقال الكثير من الجواسيس.
5 – استطاعت الأجهزةُ الأمنية حمايةَ المجتمع من الاستهداف السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والزراعي.
6 – استطاعت الأجهزة اليمنية كشفَ أساليب التجنيد وأساليب عمل الأجهزة الأمريكية في مختلف البلدان، وهذا بحد ذاته إنجازٌ نوعي فريد.
أخطرُ ما يمكنُ قولُه في هذه الشبكة أنها من مواطنين موظَّفين في سفارة أجنبية كانوا يختلطون مع المواطنين بشكل طبيعي ويفتحون بيوتهم أمام الآخرين، ولم يدرك أحدٌ مدى التغلغل الأمريكي في عمق المجتمع، وَأَيْـضاً أنها كانت تغطِّي أغلبَ النشاطات في المجتمع وعلى كُـلّ المستويات؛ وكُلُّهُ بسَببِ تقديم المصالح الشخصية على المصالح العامة، إما مقابل الإغواء الجنسي أَو مقابل المال.
والله المستعان.