أمرُ الولاية والبلاغُ المبين
بشائر عبد الرحمن
تأتي ذكرى يوم الولاية من كُـلّ عام المُسماة “بعيد الغدير” وهي في الثامن عشر من ذي الحجّـة، التي من خلالها يستطيع كُـلّ إنسان يحدّد موقفه أمام الله سبحانه وتعالى، من المنطلق القرآني في ما معنى الآية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) صدق الله العظيم.
فهذا اليوم ليس يوماً عادياً، أَو ذكرى بسيطة؛ بل هو يومٌ عظيمٌ ومصيريّ لكافة الأُمَّــة الإسلامية يتجدد من خلاله التذكير للأُمَّـة بمسؤوليتِها وموقفها الحقيقي في الحياة.
فالله سبحانه وتعالى معروف بالعدل، فهو لم يجعل هذه الأُمَّــة في حالة من التخبط والضياع وخَاصَّة بعد وفاة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، حَيثُ أتى الوحي الإلهي لرسوله الكريم بعد عودته من حجّـة الوداع في المنطقة المعروفة بوادي “خم”.
وهو مكان بين مكة والمدينة أنزل الله سبحانه وتعالى، فيه الأمر الإلهي بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) صدق الله العظيم.
إن هذا الأمر ربطه الله بحياة الأُمَّــة ومصيرها، وكلف رسوله بجمع الناس في ذلك المكان المُحدّد، حَيثُ أمر من قد ذهب عليه أن يعود ومن لم يصل ينتظرونه حتى الوصول، مما أدى إلى التساؤلات بين الناس مَـا هو هذا الأمر الطارئ الذي أوقفنا رسول الله؛ مِن أجلِه؟!.
وعند إكمال الجمع ، أمر رسول الله برصف أقتاب الأبل وصعد عليها؛ لكي يستطيع الجميع رؤيته، وأخذ الإمَام عَلِيًّا إلى جانبه وقال في خطبته الشهيرة (أيُّها الناس إن اللهَ مولاي وأنا مولى المسلمين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)، وأخذ بيد الإمَام عَلِيٍّ -عليه السلام- ورفعها عاليًا لدرجة أنه ظهر إبط الرسول من شدة الرفع؛ ليعلم الناس بأن لا حياد ولا ميلان في الأمر، وأن لا حياة لهم ولا دين ولا استقامة إلا بولاية علي -عليه السلام- الذي سيتولى أمر الأُمَّــة من بعد رسول الله، فهذا الأمر لم يأت من تلقاء رسول الله؛ بل إنما هو وحيٌ يُوحى؛ فأمر التولي للأُمَّـة هو من الله سبحانه وتعالى، مخاطباً رسوله بأنه إذَا لم يفعل فكأنه لم يبلغ رسالته منذُّ بداية الدعوة الإسلامية.
ولكن للأسف الشديد مرّ الناس مرور الكرام وكأنهم لم يسمعوا تلك الخطبة، وتنافى هذا الأمر مع أمر الله سبحانه وتعالى بأنه لا يجوز لأحد أن يتولى أمر الأُمَّــة إلا من هو من آل بيت رسول الله وذلك حين قال: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) صدق الله العظيم.
فالمقصود بالراكعين هو الإمَام عَلِيّ عندما دخل عليه المسكين يريد صدقة في مسجد رسول الله، حيثُ إن الإمَام عَلِيًّا كان يصلي ولم يستطع أن يقطع صلاته، ولا أن يجعل ذلك المسكين يخرج مكسور الخاطر من مسجد رسول الله ورفع بإصبعه الطاهرة إشارة لذلك المسكين لأخذ الخاتم من يده.
بدأ التخاذل يسيطر على الأُمَّــة وحدث النفاق والطغيان من ذلك اليوم وامتد إلى يومنا هذا المتمثل بحاكم دول الخليج الذين يوالون اليهود، ويمارسون التطبيع بشكل علني ومخز، ويواصلون الصمت والسكوت أمام المجازر المُرتكَبة في أرض الأنبياء.
فنحن كشعبٍ يمني نعلن التولي لله سبحانه وتعالى، ولرسوله الكريم، وأمير المؤمنين علي عليه السلام، وأعلام الهدى، وذلك بفضل الله، وعلى العكس تماماً من حكام العرب الذين يعلنون الولاء لأمريكا و”إسرائيل” وأذنابهم.
ويأتي هذا البلاغ في إطار تحمل المسؤولية لإكمال دين لله تعالى؛ لأَنَّ أمر التولي ليس اختيارياً؛ بل واجب على الناس جميعاً؛ لأَنَّه يحدّد مصير الأُمَّــة وموقفها الحقيقي أمام أعداء الله بعدم السكوت على الظلم ومساندة المظلومين، والوقوف بوجه الظالم، وهذا ما يحدث في يمن الإيمان والحكمة فأبناء الشعب اليمني هم من وقفوا ضد أمريكا و”إسرائيل” نيابةً عن العرب جميعاً.
ووقفوا بموقف الإمَام عَلِيٍّ ليصدعوا في وجه الظلم والاستكبار مهما كانت التحديات والأخطار، مهما كانت الهجمات والضربات، سنقف موقف حق وسنقاتل كُـلّ الطُغاة والمجرمين، وسنواصل بالمضي على نهج الإمَام عَلِيٍّ والسير بسيرته حتى محو المتغطرسين من الوجود، والله على ما نقول شهيد.