محورُ المقاومة.. استراتيجياتٌ رادعة وتوازناتٌ مرعبة
عبدالجبار الغراب
كانت لانطلاقتها السريعة والمشروعة رسمها للوقائع والمعطيات والمتغيرات الجديدة على الخارطة الدولية، عصفت بالصهاينة والأمريكان وأسقطت معها هبيتهم ومكانتهم العالمية، وأظهرت بوضوح الأوضاع المأساوية الحقيقية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وحصولها على نتائج واقعية عبرت عنها أغلب الشعوب العالمية بالاصطفاف والتضامن مع الحق الفلسطيني، وأوضحت المواقف المخزية والسكوت والصمت المريب للملوك والحكام الأعراب من مجازر الكيان الصهيوني بحق سكان قطاع غزة، وجاءت بحقيقة الأقوال الصادقة بالأفعال والإسناد لمواقف ما يطلق عليها وحدة الساحات لمحور المقاومة للدفاع عسكريًّا عن القضية الفلسطينية، وعرّت وكشفت العنصرية المقيتة وألاعيب الغرب والأمريكان بالحقوق الإنسانية وازدواجية معاييرهم وكيلهم بعدة مكاييل لصالح الصهيونية العالمية، وأخذت اعترافات من دول جديدة بالدولة الفلسطينية، وجردت الكيان من كُـلّ مبادئه الإنسانية ليصبح ولأول مرة منذ تاريخ نشأته في عزلة ومطاردة من قبل المحاكم الدولية ومدان بارتكابه للإبادة الجماعية، وأربكت حسابات الكيان السياسية والعسكرية وخلقت بينهم الخلافات والانقسامات بين المكونات والأحزاب.
هذه هي معركة (طوفان الأقصى) والتي استطاعت وبغصون ساعات تحقيقها للانتصار والذي عجزت عن تحقيقه جيوش دول عربية مجتمعة طيلة 75 عاماً، والتي وضعت من خلالها المقاومة في جعبتها مختلف الأوراق الخالقة للنصر قبل تنفيذها للعملية بامتلاكها لاستراتيجيات عديدة وموضوعة، جاعلة لاحتمالات المواجهة مع الكيان دراسة واستعداداً وقدرة تمكّنهم على التصدي والصمود، ولتسعة شهور وهم يسطرون أروع الملاحم الجهادية في مواجهة كُـلّ أشكال وأنواع الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي العاجز عن تحقيق كُـلّ أهدافه المعلنة أَو المخفية.
استراتيجيات رادعة قوية أحدثتها قوى محور المقاومة الإسلامية وفرضت معها توازنات عسكرية مرعبة للأمريكان والصهاينة الذين سارعوا في إنقاذهم للكيان من خلال الدعم والإسناد المباشر عسكريًّا ومالياً ولوجستياً وسياسيًّا، ليغوصوا في معضلات عميقة من خلال بروز أحداث ووقائع جديدة سطرتها قوى محور المقاومة؛ فمن عملية “الوعد الصادق” ونفاد الصبر الاستراتيجي الإيراني بقيامه برد تاريخي على الكيان الصهيوني والتي أسقطت معها كُـلّ قواعد الاشتباك السابقة، وما فرضتها المقاومة اللبنانية من نجاحات عسكرية منذ اليوم الثاني لمعركة (طوفان الأقصى) لتلحق بالكيان الخسائر الفادحة مستنزفة قوات الكيان بسحبه لأكثر من ثلث قواته للشمال مما أَدَّى لتخفيف الضغط العسكري على القطاع، إلى تصاعد عملياته من خلال الردود المباشرة والسريعة على عمليات الاغتيالات بتوجيهه لعشرات المسيّرات ومئات الصواريخ وإلى أبعد من 35 كيلومتراً من الحدود الفلسطينية، واضعة بذلك توازنات أرعبت كيان الاحتلال من خلال مسيّرة “الهدهد” وما رجعت بها من منظومة تصويرية لمعلومات استخباراتية استراتيجية كبيرة لمواقع حساسة وهامة بالأراضي المحتلّة أذهلت كيان الاحتلال في امتلاكها للقدرة والتكنولوجيا العظيمة؛ مما شكّل عاملَ ردع استراتيجي له تأثيره القوي وحساباته العسكرية المستقبلية، إلى فيديو “لمن يهمه الأمر” الصامت وبثه لمواقع حساسة وإيصاله للرسالة التي لا يعلمها إلَّا صناع القرار الإسرائيلي، واضعاً بذلك حزب الله عديد استراتيجياته الرادعة والتي جعلت من الصهاينة يعيدون تفكيرهم ويواصلون في تخبطاتهم، لا يقوون على اتِّخاذ أية قرارات؛ فالتحذير الذي أكّـد عليه سماحة السيد حسن نصر الله، بأنه لا ضوابط وقواعد ولا سقوف إذَا شن الكيان الإسرائيلي حرباً واسعة؛ هو ما أرعبهم وبيّن أن محور المقاومة خلق استراتيجيات رادعة متنوعة وأوجد توازنات مرعبة للأمريكان والغرب والصهاينة.
الموقف اليمني الإنساني والذي لم يسبق لدولة أن أعلنت في مساندتها لفلسطين رغم العدوان والحصار الذي ما زال مفروضاً عليها منذ تسعة أعوام، ليتدرج الموقف اليمني في الصعود فارضاً توازنات مرعبة بامتلاكه لاستراتيجيات ردع قوية، فمن التحذيرات التي وجهها السيد القائد للأمريكان من مغبة اشتراكهم المباشر مع الكيان سيكون لليمنيين إسنادهم القوي، فصدقت صحة الأقوال بترجمتها فعلياً بالوقائع العسكرية بإسنادهم للمقاومة الفلسطينية وبضربهم للأراضي المحتلّة بالصواريخ والمسيّرات وفرضهم للحصار الكامل بحرياً على الكيان في البحار والمحيطات ومنعهم لسفنه من المرور أو العبور أَو التابعة لشركات عالمية كانت وجهتها الموانئ الفلسطينية، ولأربع جولات عسكرية تصاعدية منذ 19 نوفمبر الماضي وإلى الآن، أخرجت القوات اليمنية مفاجآتها المدوية والتي شكلت توازنات مرعبة للأمريكان والصهاينة ونجحت في إفشالها لتحالف الازدهار البحري، ومن إسقاطهم لأحدث طائرات الأمريكان المسيّرة MQ9 وبعدد (6) إلى استهداف حاملات الطائرات آيزنهاور ولأربع مرات لتغادر البحر الأحمر، إلى كشفهم لصاروخ فلسطين البالستي بمداه لأكثرَ من 2000 كم إلى إظهارهم لزوارق مسيّرة بحرية من نوع طوفان (1)، إلى التنسيق العسكري اليمني مع المقاومة العراقية في تنفيذهم لعمليات عسكرية مشتركة، إلى إفصاحهم الأخير ولأول مرة عن صاروخ حاطم 2 البالستي الفرط صوتي يعمل بنظام تحكم ذكي وقادر على المناورة والوصول إلى مديات بعيدة.