شبكةُ الجواسيس وتحذيراتُ المؤسِّس
سند الصيادي
كان الكثير يرى في تحذيرِ السيد الشهيد المؤسِّس من خطر دخول أمريكا اليمن بكونه تحذيرًا مبالَغًا فيه وسابقًا لأوانه، هكذا أوحت الآلة الإعلامية والسياسية للنظام السياسي في تلك المرحلة وأرادت تضليل الرأي العام وتشهير القائد ومنهجه.
كان العامة ينظرون إلى دخولها اليمن بأنه سيكون فقط من زاوية الدبابات والجنود والاحتلال العسكري المباشر وَحسب، وأبعد من ذلك كانوا يستبعدون أن تأتي أمريكا لاحتلالنا، أَو أن نكون فعلًا في ذهنيتها وضمن دوائر مخطّطاتها ومؤامراتها، لم يكونوا يعرفون أمريكا كما هي، كما لم يكونوا يعلمون أن تحذيرات السيد القائد كانت حقيقة واقعة في تلك المرحلة فعلاً.
انظروا إلى الفترة الزمنية التي اعترف الجواسيس – بعظمة لسانهم – بأنهم تجندوا فيها وأغلبها من منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات، اقرأوا جيِّدًا كيف كانت أمريكا تدير المعركة بخبث وذكاء وَما الدور والأثر الذي أحدثه جواسيسها من نكبات، أكبر بتأثيراتها من نكبة الاحتلال المباشر، ثم عودوا مجدّدًا لقراءة ملازم الشهيد المؤسّس حسين بدر الدين الحوثي، وستعرفون ما وراء الكثير من دروسه وخطبه وصرخته الأولى.
كانت أمريكا حقًّا قد دخلت إلى كُـلّ مفاصل الدولة بشكل حثيث وَناعم وكان حضورها كَبيراً وحراكها مُستمرًّا، وَالأرض والإنسان مهيَّأة في ظل السلطة العميلة للوصول إلى حالة الهيمنة الكاملة، شعبيًّا كان المسار لا يرى بالعين الجاهلة؛ إذ لم يكن عنوانًا أَو خبرًا على واجهات الصحف أَو حتى مُجَـرّد مقال في صفحاتها الداخلية، أَو تحليلًا تتداوله وسائل الإعلام، لا أحد يجرؤ أن يعلنه أَو يحذر منه.
بقدر ما كان السيد الشهيد نبيهاً بما لم نحط به علماً أَو بما لم يُحِطْنا به أحد، فقد كان مقداماً شجاعاً في المبادرة وَالحديث عنه والتوعية وَالتحذير منه ومناهضته بنظرة قرآنية إيمَـانية خالصة ونقية، رغم معرفته بحجم الكلفة مسبقًا والتي كلفته حياته.
اليوم وَنحن نراكم قيمة هذه الشخصية الاستثنائية في التاريخ اليمني وَنحصد ثمار هذا الوعي شواهدَ وانتصاراتٍ، وَمع توالي البراهين، نقر أننا كشعبٍ تأخَّرنا كَثيراً في الاستجابة، وهذا ضاعف الكلفة، وأنه كان بالإمْكَان أن نختزل مراحلَ وخسائرَ لو استجبنا له وقتَها، لكن خيرًا أن بتنا نعي اليوم بهذه الحقائق ونتسلح بهذه المنهجية فيما بقية الأُمَّــة لا تزال في سبات عميق تغرق تحت تأثير أنظمة العمالة والخيانة وَالارتهان.