سنُعِيدُهم سيرتَهم الأولى
دينا الرميمة
تمر الشهور بأيامها ولحظاتها وَغزة لا تزال تفيضُ وجعاً وموتاً وَجراحًا، تسيل دماؤها إلى كُـلّ بقاع القطاع وأزقتها، وَحزنًا يلوكها بين ثناياه دون رحمة.
قرابة العشرة أشهر وغزة لا يصلها إلا كُـلّ أسباب الموت والدمار، وحقد الغرب الذين دعموا أعدائها عسكريًّا وسياسيًّا وصمتوا وغضوا الطرف عن جرائمهم وجرمهم، تسوقهم أحلامهم بسحق غزة ومقاومتها، ورد الصفعة التي تلقوها منها في السابع من أُكتوبر، متخذين من الأسرى الصهاينة ذريعة تبيح لهم ما ترتكبه أياديهم من آثام بغزة بداية من القتل بالرصاص إلى القنابل الذكية والصواريخ إلى الجوع والكلاب المسعورة، متفاخرين بما يقترفونه من بشاعة وجرائمَ ورقص على دماء الأبرياء!
بيد أن غزة التي ظنوّها خلال أَيَّـام ستخلع ثوبها العربي وتصبح مستوطنة صهيونية بدت أكثر ثباتًا وصمودًا وتمسكًا بهُــوِيَّتها العربية، لا سيَّما بعد أن توشح سكانها بوشاح الصبر الذي حطَّم آمال الصهاينة ودمّـر سُمعة جيشهم، الذي لطالما تفاخروا بأنه الجيش الأكثر قوة وأخلاقًا وبات يُعرف بالجيش الأكثر إجرامًا بالعالم!!
واستطاعت غزة أن تنهض من بين الركام لتواجه الصلف الصهيوني متكئة على سواعد أبنائها الذين امتشقوا سيف الدفاع عنها وتفننوا حَــدّ الإبداع والتميز في عملياتهم البطولية، التي حولت الدمار الذي صنعه الصهاينة بأيديهم إلى كمائن للموت، اختبئ لهم فيها تحت كُـلّ حجر وزاوية وأذاقتهم غزة الموت الزعاف الذي أذاقوه لسكانها!! وعلى مرافئ النصر تقف غزة ترسل رسائل للعالم عن أسمى معاني الولاء والانتماء للدين والعروبة، التي فقدتها معظم الأرض العربية!!
وبمساعدة أشقائها في محور المقاومة ألحقت الهزيمة النكراء بالصهاينة بداية من جنوب لبنان التي جعلت الشمال المحتلّ خاوياً على عروشه من المستوطنين، وأفقدت “إسرائيل” سيادتها عليه باعتراف بلينكن واعتراف الصهاينة الذين باتوا يتخوفون من نشوب حرب بينهم وبين حزب الله، الذي بات هدهده يترصدهم في مواقعهم العسكرية والصناعية دون أن يشعروا!!
ومن ثم إلى اليمن التي أحكمت الحصار على الكيان الصهيوني وخنقته اقتصاديًّا في عملياتها، التي لم تستطع أمريكا ودول أوروبا إيقافها، وأصبحت مياه البحر الأحمر إلى العربي إلى المحيط الهندي والأبيض المتوسط محرمة على أية سفينة تربطها علاقة بالكيان الصهيوني!! ما جعل ميناء أُمِّ الرشراش خارجًا عن الخدمة وباتت الصواريخ والمسيّرات اليمنية تلاحق السفن التي تخترق قرار الحظر إلى ميناء حيفا بالشراكة مع المقاومة الإسلامية في العراق.
في دلالة قوية على أن استمرار أمريكا في حرب البحار التي أشعلتها دعماً للصهاينة ما زادت اليمن إلا قوة إلى قوتها ومكنتها من تطوير قدراتها العسكرية؛ حتى وصلت إلى صواريخ فرط صوتية “حاطم 2” والزوارق البحرية “طوفان المدمّـر” التي جعلت أمريكا تقر بأنها تخوض حرباً لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، قد يكون من الأفضل لها أن تنسحب منها بماء وجهها أمام اليمن، التي بات الجميع يشهد لها أنها لن تترك عملًا دون أن تنهيه كما يجب، ومعركتها في البحر لن تنتهي إلَّا بعد وقف العدوان على غزة، وكانت عملياتها المساندة لها إلى جانب عمليات فصائل المقاومة بغزة وعمليات حزب الله في لبنان والعراق سبباً كَبيراً في جعل أعضاء حكومة نتن ياهو يتبادلون الاتّهامات بالفشل في تحقيق أهداف الحرب وبات الاختلاف والشقاق ينخر أركان حكومتهم.
وآمنوا حَــدّ اليقين أن المقاومة فكرة مزروعة بقلوب الناس وأن الحديث عن القضاء عليها ليس إلَّا كذر الرماد في العيون، وتحول حديثهم حول تدمير قدراتها البسيطة فقط مقابل ما يملكونه من ترسانة عسكرية ضخمة بهتت أمام قوة صاحب الأرض الحقيقي، الذي يسوقه الشعور بالانتماء إلى مواجهة الميركافا حافيًا غيرَ مبالٍ بما تحملُه من أطنان البارود مقابل القذيفة الصغيرة التي يحملُها على كتفه صانعًا نصرًا لغزة وفلسطين، قد يعيد الصهاينة إلى سيرتهم الأولى من التيه في أصقاع الأرض التي باتت جميعها تأنفهم وتتبرَّأ من أفعالهم.