هيئةُ الزكاة.. التنميةُ والرعايةُ الاجتماعية
عبدالرحمن مراد
دشّـنت هيئة الزكاة خلال سالف الأيّام العرس الجماعي الرابع ونشاطها يأتي ضمن صميم المهام الأَسَاسية لها وفق محدّدات المصارف الشرعية، وللهيئة مناشط أُخرى كبيرة تسعى من خلالها إلى تنمية القدرات والى تمكين الفقراء من إدارة مشاريع اقتصادية تخرجهم من حالة العوز إلى حالة الإنتاج، ولها مناشط في تنمية القدرات بما يتسق وحاجات المجتمع في ظل الحصار الاقتصادي الذي فرضه العدوان الغاشم على اليمن.
قد يكون للعدوان وجه أسود بشع وفظيع لكن لكل حدث وجهان، وجه أبيض، ووجه أسود، الوجه ألأسود للعدوان شهدنا تفاصيله في لحظات الألم والمعاناة التي شهدنا تفاصيلها على مدى عشرة أعوام من القتل والتدمير والجوع والحصار، لكن الوجه الأبيض تجلى فيما تركه في حياتنا من سؤال حيوي وفاعل تجلى في خلق الفرص والبدائل التي تجعلنا نقاوم صلف العدوان والحصار الذي فرضه علينا فقد خرجنا من رق الحاجة إلى الآخر إلى دائرة الاعتماد على الذات فكنا من مبتكري الصناعات، واتجهنا إلى الزراعة لتوفير احتياجات مجتمعنا من الضرورات بعد أن كنا أكثر ميلا إلى ما يأتي من الغرب، وتلك من الفضائل التي جعلتنا أكثر قدرة على الانتصار لقضية غزة وخوض معركتنا الوجودية مع أمريكا والصهيونية العالمية؛ إذ فقدت أمريكا خاصيتين مهمتين للضغط..، وتلك الخاصيتان هما: السيطرة على مصادر الطاقة، وقدرتنا على توفير حاجتنا من الغذاء، ففقد العدوّ مفردات التحكم في مصادر الطاقة وبالتالي استطاع القرار السياسي أن يتحرّر، وفقد مفردة التحكم على مصادر الغذاء فشعر المجتمع بقدرته على المواجهة دون أن يترك ذلك أثرا على خيار المواجهة وتأييدها الأسبوعي المُستمرّ على مدى الأيّام والأشهر، وقد كان لهيئة الزكاة مناشط بالغة الأهميّة في سد الثغرات في الجانب الاقتصادي والاجتماعي بعد أن عادت إلى وظائفها الشرعية التي حدّدها النص القرآني بما لا يدع مجالا للشك أَو التأويل وتلك من محاسن ثورة 21 سبتمبر.
وظائف هيئة الزكاة التي حدّدها القرآن الكريم ومصارفها قادرة على صناعة مجتمع قوي ومثالي مع التفاعل مع ضرورات التطور الزمني أي تحويل المجتمع من دائرة الغنيمة إلى دائرة الإنتاج وهذه في حَــدّ ذاتها مهمة ليست سهلة في ظل ما نمر به من ظروف قاهرة في اليمن لكنها مهمة لا تثقل كاهل الهمم الكبيرة التي تمتاز بها قيادتنا الثورية التي تخلص النوايا كي تبدع واقعا جديدًا يثبت للأمم أهميّة الإسلام كمشروع منقذ للبشرية من الرذائل ومن دوائر الاستغلال ومن الغبن الذي تمارسه النظم الرأسمالية في حياة الناس والمجتمعات، حَيثُ تتحول الطاقات والجهود إلى أرقام في حسابات بنكية تتوزع على الشركات دون أن تترك أثرا محمودا على وجدان الناس وعلى سعادتهم.
التشريع الإسلامي كان تشريعا متوازنا بحيث يتشارك الناس في السعادة الدنيوية وحتى لا تطغى فئة على أُخرى وحتى لا يصبح المال بيد طبقة دون غيرها بل حاول أن يحدث التوازن الاجتماعي والاقتصادي من خلال تحديد نسب الزكاة في الأموال وحدّد الفئات الاجتماعية التي تستحق تلك النسب من أموال الاغنياء، ولذلك فشعور الفقراء والمساكين بحقوقهم التي فرضها الله في أموال الاغنياء تجعلهم يعيشون في حالة رضى وسعادة، ومثل هذا الشعور لا تكاد تجده في المجتمعات التي لا تدين بالإسلام أَو المجتمعات التي لم تطبق مقاصد الشرع من الزكاة، ونحن في اليمن عشنا التجربتين، بين ماضٍ تعامل مع الزكاة كمورد إلى خزينة الدولة وحاضر تعامل مع الزكاة وفق منهج الله، وربما تصبح الفوارق واضحة للعيان، فالمجتمع الذي يشعر بالعدل والتوازن غير المجتمع الذي يشعر بالغبن والاستغلال حتى دافعي الزكاة أصبحوا أكثر اطمئنانا من ذي قبل بعد أن عرفوا أن زكاتهم تذهب إلى مصارفها التي حدّدها الله في كتابه الكريم.
ولعله من المناسب أن أهمس في أذن هيئة الزكاة بالعناية بأبناء السبيل وأقصد بهم أُولئك المشردين في الشوارع بدون مأوى من ذوي الاحتياجات الخَاصَّة الذين تقطعت بهم السبل فلم يجدوا سوى الأرصفة كي تأويهم، وهم يحتاجون إلى الرعاية الصحية والى المكان والمأوى فلو تعمل الهيئة على مبادرة تحفظ لهم كرامتهم الإنسانية وتحفظ فيهم شريعة الله لكان ذلك من محاسن الأعمال وفضائلها وتحث المجتمع على الأعمال الخيرية وبما يحقّق مقاصد الشرع، فالمجتمع يحتاج إلى من يرشده؛ إذ إن بذرة الخير موجودة فيه.
جهود هيئة الزكاة مشهودة ومحمودة وهي تعمل برؤى عصرية تواكب الزمن وتطوراته وبرامجها شاهدة على ذلك، وهي قادرة على تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للإنسان، نسأل من الله لهم التوفيق والسداد.