معاركُ الأُمَّــة.. بين الوعي وقصوره..!
عبدالقوي السباعي
من الواضحِ أن طبيعةَ الأحداثِ والمواقف، لمعركةِ (طوفان الأقصى)، بتبعاتِها المتراكِمةِ؛ قسمت الشعوبَ والحكوماتِ في العالَمِ كُلِّهِ إلى قِسمَينِ:- الأول يتمثَّلُ بالحَقِّ والخيرِ ومَن يمثلهُ في شعوب ودول وقوى الجِهاد والمقاومة وكل أحرار العالم، والقسم الثاني يتمثل بالباطل والشرِّ وكُلِّ من يمثلهُ من ثلاثي الصهيونية (الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني) ومَن لفَّ لفَّهم، وتحتَ مسوِّغٍ تراكمي هائل من الضخِّ الدعائي والتزوير والتحريف، والخلاف والاختلاف، والعداء وصل حَــدَّ الاقتتال؛ بات قاصرو الوعي أمام واقعٍ مرتبك ومتداخل، ويجدون صعوبةً في تحديد وِجهتهم.
وعليه صارت قضيةُ الوعي وتنميتُه تستحقُّ الاهتمام؛ ومن شأنها تشكيلُ فردٍ يستوعبُ واجباتِه ومسؤولياتِه، ويمتلك روحاً إيجابيةً تمكّنه من التفاعل مع المعركة بوعي وبصيرة؛ ينتج عنه موقفٌ غيرُ منقوص ولا يتجزأ، فقد تكون في صفوف القسم الأول إلا أنك تحمل العداء لأحد مكوناته، أَو قد تعادي القسم الثاني إلا أنك ما تزال ترتبط مع أحد مكوناته، وهكذا؛ لأَنَّهُ من الصعب حدوث ذلك في قلبٍ يمتلك إيمانًا حقيقيًّا وعقلٍ يمتلك وعياً رشيداً يقدِّرُ الواجبَ والمسؤولية تجاه قضايا وطنه ودِينِه وأمته؛ ويسهمُ بكل جهده في الدفاع عنها وتحقيقِ الانتصار لها.
وما يساعدُنا على فهم ما يتطلب منّا فعلَه ضمن الاتّجاه الصائب، في هذه المعركة؛ هو الوعي الجيد والإدراك الصحيح القائم على أُسُسٍ دينية ووطنية وأخلاقية وعلمية رصينة في تبني المواقف الإيجابية تجاه كافة المستجداتِ والنظر إليها بعُمقٍ وتجرُّدٍ لتحليلها؛ بغيةَ الوصول إلى رؤيةٍ واضحةٍ تمكِّنُ الفرد منّا أن يتمثَّلَ النهجَ القويمَ ويسلُكَ الطريقَ المستقيمَ والتعبير عن ذلك بكل الوسائل وبمختلف الأساليب.
كما يجبُ على كُـلّ فردٍ يحملُ هذه الروحية؛ أَلَّا يقفَ موقفَ المتفرِّجِ الصامت، بل يشاركُ في إعلاء الموقف الحق ومواجهة الباطل، واستبصار الواقع بوعي وإيمان، يجسّدُ روحيةً لا تتقبل أيًّا من صور التفسخ والانحلال، بل تقاومُ كُـلّ اتّجاهات التبعية وبرامج التعبئة المشبوهة والثقافات المغلوطة والأفكار الداعية للفُرقة والتي تشكِّلُ الفكرَ الهادمَ للسلوك وتنحرفُ به؛ خدمةً لأعداء الأُمَّــة.
على كُـلِّ حال، إنَّ (طوفان الأقصى) وجبهاتِ إسنادها قد شكَّلت وعياً عالميًّا عاليًا، على ضوء رصيدٍ تراكمي من المعاناة والمآسي، والظلم والإجرام والتوحش، يتوازنُ معه رصيدٌ من البطولة والتضحية والصمود والثبات، يحفرُ في خلجات الوجدان وينصهرُ في عوالم الذاكرة، أسهم في توجيهِ سلوكنا نحو التناوُل الصحيح للتحديات في شتى مجالات الحياة، وبات الجميعُ يدركُ الواقعَ إدراكاً مبنياً على فَهْمٍ عميقٍ يمثل انعكاساً لفكرِه الشاملِ المرتبط بذاته وهُــوِيَّته وقضايا وهموم أمته وتاريخها وانتصارِها القادم، بإذن الله تعالى.