مولد عام هجري جديد فاستقبِلْه بعمل مفيد
ق. حسين بن محمد المهدي
عام نودعه ونطوي صفحات أيامه، والأعمار تمر كالسنين، والسعيد من اعتبر بأمسه واستظهر لنفسه، والشقي من جمع لغيره وظن على نفسه بخيره.
فكُــلٌّ يحصد ما زرع ويُجزى بما صنع، فللعاقل عظة من كُـلّ ميت بحاله وعبرة بمآله، فالدنيا كثيرة التغير، سريعة التنقل.
فالعاقل من أخذ من دنياه ما ينفعه على عمارة آخرته؛ فمن نكد الدنيا أنها لا تبقى على حالة، فخيرها يسير، وشرها كثير، ولذاتها قليلة، وحسرتها طويلة.
وقد رأينا في العام المنصرم عجائب جَمَّة، فهل من مدكر؟
وها نحن نستقبل عاماً جديدًا يذكرنا برسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ وَسَلَّمَ” الذي هاجر من مكة إلى المدينة بدينه.
لقد هاجر رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ وَسَلَّمَ” من مكة إلى المدينة؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله، وإعزاز دينه، وتبليغ رسالة الله إلى خلقه، وتبليغ عقيدة التوحيد والوحدة والرحمة، (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ).
لقد كانت الهجرة النبوية فتحاً ونصراً وعزاً للإسلام والمسلمين، وكان للأنصار الشرف والفضل الكبير في استقبال نبي الرحمة ونصرته وموالاته والاقتدَاء بهديه.
لقد أفاضت الهجرة النبوية على الإنسانية مسحة جديدة من الحياة والنشاط، وكانت سبباً مباشراً في هطول أمطار رحمة النبوة في أرض الأنصار، وانتشارها في مختلف الأمصار.
لقد كانت الهجرة النبوية محطة يحيطها اليُمْن والسعادة والخير والفلاح، الذي انطلقت منه الرحمة الربانية، التي نال بها الإنسان نفعاً وراحة وَعِزّاً؛ فأنقذ الله بها النوع البشري من الشقاء والهلاك (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
الحقيقة التي لا مراء فيها أن الدور الذي غمر المسلمين عزة وشرفاً كان للهجرة النبوية الفضل في ذلك.
لقد استهل الرسول “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ وَسَلَّمَ” والمسلمون بالهجرة عهدًا جديدًا من السمو الإنساني، والثقافة المدنية والربانية، وإنشاء سلوك الإنسان المسلم وتكوينه الاجتماعي والسياسي والعسكري ما يجعل المسلم يعتز به.
لقد غرس رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ وَسَلَّمَ” عقيدة التوحيد الصافية في نفوس أتباعه من الأنصار والمهاجرين، وهي عقيدة متدفقة بالقوة، قالبة للأوضاع، مدمّـرة للإلهة الباطلة، محرّرة للإنسان من العبودية لغير الله، لم تنل الإنسانية مثلها وستبقى بإذن الله إلى يوم القيامة.
لقد كان من مآثر النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ” الأولى في المدينة هو بناء المسجد لغرس عقيدة التوحيد، ومبدأ الوحدة الإنسانية، والوحدة البشرية، حيثُ آخى بين المهاجرين والأنصار فتغير العالم بهذه المعرفة الجديدة، وصار مصوناً عن كُـلّ أنواع الرق والعبادة لغير الله، وعن كُـلّ رجاء وخوف إلا من الله.
إن النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ وَسَلَّمَ” لم يبلغ بالمسلمين ما بلغوه من محبة وتضامن وتناصر إلا بتسليط الضوء على فضائل توحيد المسلمين واتّحادهم، وكان يقول (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وكان يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
لقد كان رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ وَسَلَّمَ” يرتب الفضائل درجات ويجعل فضل أخوة المسلمين في الذروة.
فإذا أرد المسلمون أن يبلغوا من التعاون والقوة ما بلغه رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَـهُ وَسَلَّمَ” والمهاجرون والأنصار فعلى المسلمين الاقتدَاء بهديه (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).
إن تباغض المسلمين وتفرقهم وتنازعهم أَدَّى إلى مفاسد كبرى، يريد الدين منهم أن يدرؤونها عن أنفسهم؛ فليس يضعف المسلمين ويفت في عضدهم مثل التباغض والتناحر والتفرق بينهم، وتركهم لفريضة الجهاد التي جاء بها الإسلام.
وبمناسبة حلول العام الهجري الجديد نرفع أسمى آيات التهاني للمجاهد القدير قائد المسيرة القرآنية، السيد القائد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- ولقادة محور المقاومة، ولكل المجاهدين في الجو والبحر؛ مِن أجلِ تحرير أرض فلسطين، نصر الله بهم الإسلام والمسلمين، وحرّر بهم فلسطين والأقصى الشريف، وجعلهم قُدوة للمسلمين.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).