الحربُ كخيار إنساني وحيد
سند الصيادي
حينما تُفشِل النوايا السيئة مساعي النوايا الحسنة، وَتصد بأفعالها وأقوالها كُـلّ سُبل الصُلح، وَحينما تتصعب طرق التفاوض والحوار وإن حدثت فعاجزة عن إيجاد حلول، وَحينما تتوه وأنت تتمنى في معمعة الخصوم الذين يسلون سيوفهم عليك أن تجد طرفاً -قائداً مؤثراً يمكن أن يملك القرار والحكمة والشجاعة، ليعاديك بشجاعة، يقاتلك بشجاعة، يهادنك بشجاعة، ويسالمك بشجاعة، ولا تجده.
حينما في رحى هذه الحروب المتشعبة والمتفرعة تجد أن الأزمات ازدادت تأزماً وَالهدن أصبحت ليس ذات جدوى، بل وَصارت طعنات غادرة توجّـه إلى ظهرك كُـلّ حين، وَما يسمى مرحلة “خفض التصعيد” باتت قاتلاً ينسل إلى أوصالك ليفتك بك بصمت بالقدر الذي كما لو كنت في ذروة الحرب.
حينما يطول الشتات والتقسيم، وتزداد المسافات الفاصلة بين أوصال وطنك بعداً وطولاً، والأخ الذي ينتظر قدومك لنجدته قد بدأ يتسلل إلى نفسه الإحباط واليأس، فيما الأرض التي يقف عليها مصادرة للأطماع والنزوات تضيق بحاضره ومستقبله، والواقع الذي كنت أنت تحسبه استثنائيًّا ومرحلياً تجد أعداءك يسعون إلى تكريسه وضعاً دائماً ومفخخاً.
حينما يدفعك الخصم دفعاً إلى اللجوء إلى بقية الخيارات، وأنت الذي كنت تلوح له بالسلام، وتحاول جاهداً أن تخبره أن بالإمْكَان أن نوفر الدم والجهد وَنختلق الحلول، ومع ذلك تراه يمعن في أن يغلق أمامك كُـلّ آفاق السلام، ولا يزال مُستمرًّا في محاولاته لخنقك وتقطيع آخر ما تبقى لك من شريان حياة.
وَأنت تحاول أن تشير إلى العدوّ الحقيقي بغيةَ طمأنة الجار أن هناك عدواً مشتركاً يفتك بالحرث والنسل، يستبيح كُـلّ ناطق بالضاد معتقداً بالإسلام، وأن سلاحك اليوم بات مصوباً تجاهه، وَكُـلّ خططك باتت موجهة نحو سفنه وبوارجه وحاملات طائراته، ثم يفاجئك هذا الجار بحمقه وفجور خصومته وشدة كفره ونفاقه، وبكل ما هو مرتهن لأحقاده ولسادته في ذات الوقت، ويقدم نفسه عدواً بالنيابة والوكالة.
بعد ذلك كله، لك أن تقرأ ارتداد خطاب القائد الأخير على مشاعر الشعب المستهدف من كُـلّ ما سبق، وعبارته النارية التي قال فيها: “لن نسمح بالقضاء على شعبنا وإيصاله إلى مستوى الانهيار التام كي لا تحصل مشكلة، فلتحصل ألف ألف مشكلة”، وأنا أرى فيها وفي المعادلة التي رسمها بشارة خير قبل أن تكون خطاب حرب باتت ملحة وَلا خيار سواها اليوم.