الإمام الحسين.. جِدٌّ واجتهاد وعزيمةٌ وجهاد
ق. حسين بن محمد المهدي
إن من الشريعة تبجيل أهل الشريعة، ومن الصنيعة التأسي بأهل الصنيعة، فمن صفت سريرته وصلحت نيته سمت أخلاقه، وزكت أعماله، وكَرُمت شيمته، وكان له قدم صدق في الأصل، وسابقة كرم في الفضل ونصرة الحق كالإمام الحسين بن علي عليهما السلام.
لقد كان الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- سبط رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إماماً للمتقين، وقُدوة للمحسنين، وسيداً لشباب أهل الجنة أجمعين، كما أخبر بذلك المصطفى الأمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد كان الإمام الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- سيد الشهداء كما كان الحمزة -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-، فجاهد؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة ربه، وإصلاح أُمَّـة جده.
فهو حجّـة الإسلام، وآية الله الكريم المنان، بعث الله فيه هدى جده المصطفى -محمد صلى الله عليه وآله وسلم- ليكون قُدوة في محاربة الظالمين والفاسقين.
لقد كان الإمام الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- فخراً للعلماء الأتقياء، وقُدوة للمجاهدين الأصفياء الممتلئة قلوبهم وعقولهم غيرة على الإسلام والمسلمين، فنصر شريعة الله في عصر طغى فيه الطغام على ولاية أمور المسلمين، فرفض أن يحكم أُمَّـة الإسلام من جهل شريعة الله وساءت سمعته وسيرته.
لقد خرج الإمام الحسين ثائراً؛ مِن أجلِ إصلاح شؤون الأُمَّــة ولكي لا تتحول ولاية أمر الأُمَّــة وخلافة رسول الله -صلى الله عليه وآله- إلى وسيلة لإضعاف شوكة المسلمين والاستبداد بمصالحهم والإهدار لطاقتهم والإذلال لأهل التقوى والإيمان فيهم، فعلت مكانته وخلد ذكره، وصار قُدوة للمصلحين وإماماً للمتقين.
أما يزيد بن معاوية الذي لطخ وجه التاريخ بسيرته السيئة فَــإنَّه لم يلبث حكمه بعد مقتل الإمام الحسين بضع سنين، ولم تلبث دولة بني مروان الأموية أكثر من ستين عاماً حتى سلط الله عليها الدولة العباسية وكان من مآثر دولة يزيد وأتباعه استباحة حرم رسول الله -صلى الله عليه وآله- واغتصاب النساء في مدينته.
إن الاستبداد في الحكم، والاستمراء للظلم وهتك الأعراض وسفك الدماء هو ما انتهجه يزيد ومن على شاكلته ممن كانوا ولا يزالون في مختلف العصور سبباً في شقاء الأُمَّــة وتمزيقها وإذلالها والاستيلاء على خيراتها والمقت الشديد لقرابة رسول الله ومحاولة إيذائهم وإذلالهم.
إن شعار من يتبع يزيد ويسير على نهجه هو محاربة قرابة رسول الله؛ إمعاناً منهم في إيذاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكأنهم لم يقرؤوا في كتاب الله (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنيا وَالآخرة وَأَعَدَّ لَهُم عذاباً مُهِيناً).
لقد أخرج ابن مردويه عن ابن عمر وعمار بن ياسر وأبي هريرة قالوا: (قدمت درة بنت أبي لهب مهاجرة، فقال لها نسوة أنت بنت أبي لهب الذي قال الله فيه (تبت يدا أبي لهب) تصغيراً واحتقاراً لها فذكرت ذلك للنبي فخطب فقال: أيها الناس مالي أوذَى في أهلي فو الله إن شفاعتي لتُنَال بقرابتي) وهذا الحديث نص في عدم جواز إيذاء النبي في قرابته.
إن التماس رضا من يتبع يزيد بسب قرابة رسول الله من أهل البيت خطير (فمن طلب محامد الناس بغضب الله عاد حامده له ذاماً).
وكم نسمع في عصرنا هذا من غمز ولمز لرموز في حزب الله وأنصاره ليرضوا أعدائهم ويؤذون رسول الله في قرابته.
لقد جاء في الحديث عن النبي -محمد صلى الله عليه وآله وسلم- (من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس).
إن من السعادة أن يقتدي الإنسان بالحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- ويسعى إلى إصلاح شؤون الأُمَّــة ورفع راية الجهاد ومقارعة الظالمين ففي الحديث النبوي (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق).
إن الجهاد يعتبر ذروة سنام الدين، ولا يمكن أن ينصلح شؤون الأُمَّــة وتحفظ بيضة الإسلام بدونه، فما وصلت إليه الأُمَّــة الإسلامية من هوان ليس إلا أثراً من آثار ترك هذه الفريضة، وليسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله (ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب).
وأي عذاب فوق ما الأُمَّــة فيه، لقد عم الله أكثر المسلمين بالفرقة والاختلاف (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَو مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، إن الخلاص والنجاح والفلاح هو في الاستجابة لله وللرسول محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ولسبطه الحسين بن علي -عليهما السلام- وإحياء فريضة الجهاد وترك الغمز واللمز لأنصار الله وحزبه ولقرابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ففلسطين الجريحة تناديكم، وفي الجهاد والشهادة فلاحكم وعزكم وحياتكم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
الشكر والتقدير لقائد المسيرة القرآنية السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- وللمجاهدين من أبناء اليمن وفلسطين ولبنان وإيران والعراق وكل المجاهدين في سبيل الله من مختلف أصقاع الأرض.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).