استراتيجيةُ المجازر الصهيونية ومسارُ المفاوضات.. إلى أين تتجه؟

المسيرة | متابعة خَاصَّة

تأتي مجزرتا كيانِ الاحتلال الإسرائيلي في “المواصي” و”مخيم الشاطئ” بخان يونس، السبت، بعد أَيَّـام من استئناف محادثات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى؛ لذا لا يمكن فصل أية مجزرة عن المسار السياسي الذي تشهده المفاوضات، فلطالما عمدت “إسرائيل” خلال عدوانها على قطاع غزة المتواصل منذ الـ7 من أُكتوبر الماضي، إلى الضغط على المقاومة من خلال استهداف المدنيين، وارتكاب مجازرَ بشعة بحقهم.

هذه المجازر ليست الأولى فقد سبقها بل وتلاها العديد من المجازر التي اعتبرتها كُـلّ المنظمات والمؤسّسات الحقوقية والإنسانية العالمية، وتأتي نتيجة الصمت الدولي واستمرار إرسال السلاح لـ “إسرائيل”، والتواطؤ مع الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني المظلوم.

 

فشل العدوّ في تحضير بديل عن المقاومة في غزة:

في هذا الإطار؛ ووفقاً للعديد من المحللين فَــإنَّ ما يقوم به الاحتلال من مجازر في القطاع يظهر أن اليد العليا في المفاوضات هي للمقاومة وليست للاحتلال، وأن أية موافقة على الصفقة تعني انتهاء الحرب.

لذا فقد عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بعد أَيَّـام من إعلانه عن خطوطه الحمراء إلى ارتكاب مجزرتَي “المواصي” و”مخيم الشاطئ”؛ لأَنَّهُ يسأل نفسه يوميًّا ماذا سأفعل اليوم لتخريب المسار التفاوضي”.

ويشير المحللون إلى أن نتنياهو يدرك أن موافقته على الصفقة تعني قطعاً أن اليوم التالي هو لحماس، وأن جيشه خرج مهزوماً؛ كونه لم ينجح في تحضير سيناريو بديل عن المقاومة، ولم يستطع إضعافها بالقدر الذي كان يأمله.

وهو ما يبدو قد تحقّق حَـاليًّا؛ إذ ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن المفاوضات بشأن صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ستتوقف بعد مجزرة “المواصي”، على الأقل في المدى القريب.

 

سيناريو مرعب لمستقبل الكيان:

وعلى الرغم مما يقال من أن “نتنياهو” يسعى للحفاظ على كرسي رئاسة الحكومة وإنقاذ نفسه من المصير الذي ينتظره بعد نهاية الحرب، فَــإنَّ هناك بعداً آخر يدركه “نتنياهو” والعديد من قادة الكيان، الذين يدركون أنهم بعد معركة (طوفان الأقصى) على مفترق طرق؛ إذ إن نتائج المعركة سترسم معالم الطريق للكيان الإسرائيلي مستقبلاً.

لذا فَــإنَّ أحد محدّدات موقف “نتنياهو”، وَفْـقًا للمحللين، الحرصُ على عدم دخول “إسرائيل” في نفق مظلم والحفاظ على “إسرائيل” من التفتت، وهذا الأمر الذي تنبأ به في عام 1999م، المؤرخ الإسرائيلي “رون بونداك”، الذي يعد أحد مهندسي اتّفاقيات “أوسلو”؛ إذ توقع أنه بعد 7 سنوات ابتداء من عام 2017م، سيشن جيش الاحتلال “حرباً صعبة ومعقدة على الفصائل الفلسطينية في الأراضي المحتلّة”، وضمن توقعاته أن “يتصاعد الصراع بين الطوائف الدينية والعلمانية داخل المجتمع الإسرائيلي ويتفاقم بشدة إلى حَــدّ العنف الذي قد يؤدي إلى ظهور جيوب لحرب أهلية”.

ووصفت صحيفة “هآرتس” العبرية توقعات “بونداك” بأنها كانت دقيقة إلى حَــدّ “مؤلم”، وبدا اليوم قريباً من التحقّق على أرض الواقع “بشكل مرعب”؛ كونهُ تنبأ بزوال الكيان في العام 2025م.

 

المجازر وسيلة لتجاوز عار الـ7 من أُكتوبر:

يشعر قادة الكيان بما فيهم “نتنياهو” بمهانة عميقة، لذلك هو يحاول من خلال إطالة أمد هذه الحرب وارتكاب العديد من المجازر؛ لتجاوز العار الذي ألصق به في 7 أُكتوبر، بيد أن هذا العار يتراكم على “نتنياهو”.

وفيما يواصل “نتنياهو” منذ أشهر، المماطلة في التوصل إلى أي اتّفاق، فكلما حدثت هناك انفراجة وضع العراقيل أمامها، والتي آخرها في مؤتمر الصحفي الذي عقده السبت، لتبرير مجزرة “المواصي”، وأكّـد فيه أن “الحرب ستنتهي فقط عندما نحقّق كافة أهدافها ولن نوقفها قبل ذلك بثانية واحدة”، معتبرًا في الوقت ذاته أن جيش الاحتلال “في مرحلة تقدم إيجابي في الحرب، وليس من الصائب وقفها الآن”.

ووفقاً لخبراء في الشأن “الإسرائيلي” فقد استخدم “نتنياهو” نفس الأدوات لإفشال مباحثات التوصل لاتّفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وحديثه بالمؤتمر الصحفي هو عودة للسابع من أُكتوبر لليوم الأول من الحرب عندما تحدث وقال: إن “استهداف قيادات حماس هو جزء من تحقيق أهداف الحرب”.

 

المجازر الإسرائيلية وفّرت خياراً وحيداً للفلسطينيين وهو دعم المقاومة:

يؤكّـد مراقبون أن المجازر الإسرائيلية في غزة وفرت خياراً وحيداً للفلسطينيين وهو دعم المقاومة؛ كونها بالنسبة لهم رمز وروح حق تقرير مصيرهم، وينسحب هذا الاعتقاد، لما جاء به تصريحُ وزير الحرب الإسرائيلي “يوآف غالانت” الذي أكّـد فيه فشل سياسة الضغط على المقاومة وعلى رأسها حركة حماس حين ذكر أن “من يعتقد أن ممارسة الضغط على سكان غزة سيؤدي إلى الضغط على حماس فهو مخطئ”.

وبالتالي؛ فَــإنَّ المقاومة تتكئ بموقفها هذا على عامل القوة على الأرض وأنه ما لم يحقّقه الاحتلال بالقوة لن يحقّقه بألاعيب السياسة، وهو ما يؤكّـده ما تسرب عن رسالة بعث بها رئيس حركة حماس في غزة “يحيى السنوار” لقيادات الحركة بالخارج والتي أكّـد فيها أن كتائب عز الدين القسام تخوض معركة شرسة وعنيفة وغير مسبوقة ضد قوات الاحتلال، وأن جيش الاحتلال تكبّد خسائر باهظة في الأرواح والمعدّات.

وأكّـد “السنوار” أن “كتائب القسام هشّمت جيش الاحتلال، وهي ماضية في مسار تهشيمه، وهي لن تخضع لشروط الاحتلال”؛ لذا فقد عمدت المقاومة، إلى رفع كلفة محاولات توغل جيش الاحتلال داخل القطاع وتكبيده خسائرَ بالأرواح والآليات واستنزاف قواته.

ويشير محللون إلى أن استراتيجية المقاومة منذ اليوم الأول في التفاوض، عمدت إلى عزل التطورات الميدانية ومحاولات الاحتلال التأثير على مجرى المفاوضات أَو حتى تفجيرها عبر تصعيد الأوضاع ميدانيًّا وزيادة الجرائم أَو تنفيذ عمليات اغتيال.

وعليه؛ يمكن القول إن سياسةَ المجازر واستهداف المدنيين لن تجديَ نفعاً مع المقاومة ولن تجعلها ترضخ لشروط “نتنياهو”؛ إذ يرى “تشاس فريمان” الدبلوماسي الأمريكي والسفير السابق أن “المجازر الإسرائيلية في غزة وفّرت خياراً وحيداً للفلسطينيين وهو دعمُ حماس”، ويعتبرها المقاومةَ الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين، وهي رمز وروح حق تقرير مصيرهم”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com