تفاصيل المشهد في قطاع غزة في اليوم الـ284 للطوفان: بصاروخ من مخلفات العدوّ.. أبطالُ الجهاد والمقاومة يفجّرون دباباته
المسيرة | متابعة خَاصَّة
من يومٍ إلى آخر، يختلفُ تقديرُ الموقف وموازين القوى، مع تصاعُدِ مراحل الحرب والمواجهة في قطاع غزة؛ فمواقفُ الدول المعنية تختلف مع التطورات على الأرض، كما تتغير اتّجاهات الرأي العام العالمي؛ مما يجعل تقدير الموقف السياسي عملية متجددة تتطلب مراجعة مُستمرّة.
لكن هناك سمات لم تتغيَّرْ على مدار الحرب ولليوم الـ284 على القتال في معركة (طوفان الأقصى)؛ إذ يمكن القول إن المقاومة احتفظت بزمامِ المبادرة طوالَ الوقت، وبقيت يدُها هي العليا، متفوقةً في الحرب البرية والنفسية والأخلاقية؛ على كيان الاحتلال الصهيوني.
على الصعيد الإنساني.. مسار إبادة:
في هذا الإطار؛ ثمة سمةٌ أُخرى لم تتغير، وهي وجود مسارين منفصلين في هذه الحرب، أحدهما الحرب البرية بين فصائل الجهاد والمقاومة، والجيش الصهيوني من جهةٍ أُخرى، والثاني هو مسار حرب الإبادة الإنسانية التي يشنها جيش الاحتلال ضد المدنيين، وهاتان حربان تسيران في مسارين متوازيين، وحرب الإبادة هي جريمة قائمة بذاتها، ولا صلة لها بالحرب التي يخوضها كيان الاحتلال ضد المقاومة، ولم يحقّق أياً من أهدافه.
هذه الجريمة ضد الإنسانية، استفزت الضميرَ العالمي، فثار ضدها، كما أَدَّت لزيادة تعاطف الرأي العام مع المقاومة والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، واستمر هذا ثابتاً طوال الأشهر الماضية، منذ السابع من أُكتوبر 2023م.
كان سحبُ أمريكا مشروعَها يعني إعفاءَ “نتنياهو” من أية ضغوط أمريكية أَو أُورُوبية تثنيه –ولو جزئيًا- عن قراره الثابت باستمرار الحرب حتى النهاية، وتحميل المسؤولية لحماس عن استمرار تلك الحرب، وبهذا حظي “نتنياهو” بالحسنيين، وهما: وقف الضغوط عليه لإيقاف الحرب، وإعفاؤه في نفس الوقت من أية مسؤولية عن استمرارها، وهذا هدفه الأسمى.
وفيما كان “بايدن” منشغلاً بهزيمته في المناظرة أمام “ترامب”، مضى الجيش الصهيوني، بأوامرَ مباشرةٍ من “نتنياهو”، مطلق اليد في حرب الإبادة ضد الإنسان والبيوت المأهولة، مركَّزًا على توسيع المجاعة، ووقف دخول المساعدات في حدها الأدنى، واستمرار تفعيل المجازر بحق المدنيين للضغط على المقاومة.
لكن المفارقة اللافتة كانت قدرة المقاومة على تصعيد عملياتها، لتنزل خسائر فادحة بالجيش الصهيوني -ضباطًا وجنودًا ودبابات ومعدات- وكأنها عادت أقوى مما كانت عليه طوال ما يقارب العشرة أشهر.
مهارة المقاومة في إدارة الصراع السياسي:
بحسب المعطيات؛ فكل التطورات التي حدثت منذ بدأت معركة “الطوفان” كانت في غير مصلحة الكيان الصهيوني وجيشه؛ فهو يدفع فاتورة باهظة في الميدان العسكري سواء في غزة أَو في الميادين الأُخرى المساندة للمقاومة، ويخسر معركة الرأي العام داخليًّا وخارجيًّا، وتتآكل مصداقيته السياسية والأخلاقية على المستوى العالمي.
بضعة أشهر من هذه الخسائر كانت كافية لاتِّخاذ قرار وقف العدوان، والاعتراف ولو ضمنيًّا بالهزيمة، لكن ذلك لم يحدث؛ بسَببِ حسابات لا علاقة لها بالحرب، ولا بأصول إدارة الصراع، وإنما إرضاء للغرور وشهوة الانتقام، والخوف من نتائج إعلان الهزيمة.
قبل أن ينتهي الأسبوع الأول من يوليو 2024م، تقدّمت قيادة حماس، بتفاهم مع قيادة الفصائل المقاومة الأُخرى في غزة، بمقترحات جديدة للخروج بمفاوضات الهدنة من مأزقها؛ فغيرت هذه المبادرة على الفور معادلة الحراك السياسي التي كانت دخلت مرحلة الاختناق.
والأهم أنها شكّلتْ إرباكاً للأمريكيين الذين حاولوا إلقاء الكرة في ملعب حماس بتحميلها المسؤولية عن فشل المفاوضات ولنتنياهو الذي اطمأن إلى ذلك، فإذا بها تعيد الكرة إلى ملعبهم وتحملهم مسؤولية أفعالهم وقراراتهم.
ويرى مراقبون، أن قيادة المقاومة في قطاع غزة، أثبتت مهارة فائقة في إدارة الصراع السياسي، بقدر مهارتها في ميدان الحرب البرية، الذي حوَّلته إلى شبكة من الفخاخ القاتلة التي تحيط بالجيش الصهيوني، حَيثُ ذهب، ولعله من غيرِ المبالغة أن نقولَ إن ذكاءَهم وتكتيكَهم القتالي الدفاعي والهجومي، أضافا فصولاً جديدةً إلى عِلم الحروب غير المتكافئة وقتال المدن.
مسارُ العمليات في الميدان:
في هذا المسار؛ فجّرت كتائبُ الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، الثلاثاء، صاروخاً من مخلّفات قوات الاحتلال في دبابتَينِ إسرائيليتين من نوع “ميركافا”، في حي تل الهوى، جنوبي غربي مدينة غزة.
بدورها، استهدفت سرايا القدس، الجناحُ العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تمركُزاً لجنود الاحتلال وآلياته على خط الإمدَاد في محور “نتساريم”، جنوبي غربي مدينة غزة، وذلك بقذائف “الهاون”.
وتُضاف هاتان العمليتان إلى أُخرى نفّذتها المقاومة في قطاع غزة ضدّ القوات الإسرائيلية ضمن التصدي المتواصل لـ”جيش” الاحتلال في ملحمة (طوفان الأقصى).
أما جنوبي القطاع، فشهد مخيمُ “يبنا” في “رفح” اشتباكاتٍ محتدمةً ومعاركَ ضارية، وصلت أصواتها إلى مدينة خان يونس، كما نقلت مصادرُ ومواقعُ إخبارية فلسطينية، عن إطلاق رشقاتٍ صاروخية من قطاع غزة نحو مستوطنات الغلاف، بينما أوردت وسائلُ إعلام إسرائيلية أنّ صفارات الإنذار دوّت في موقع “كرم أبو سالم”.
وبينما تتفاقم المشكلات التي يعانيها “جيش” الاحتلال، بعد نحو 10 أشهر من الحرب التي لم تحقِّق أياً من أهدافها المعلَنة، قال إعلامٌ إسرائيلي: إنّ “كَثيراً من القادة والجنود في الوحدة الـ8200 الاستخبارية يتحدّثون عن وجود أجواء شلل مع شكوك بمسؤولين وتبادل للاتّهامات”، مضيفةً أنّ ثمة “إحباطاً في الجيش؛ بسَببِ التحقيق في إخفاقات الحرب”.
هذا الإحباط -كما يفسِّرهُ خبراء- “دلّ عليه تخوّف الاحتلال الإسرائيلي من إعلان بدء المرحلة الثالثة من الحرب (رسمياً)، وأن هذا التخوّف الإسرائيلي دليل أَيْـضاً على عدم ثقة الاحتلال بإمْكَان تحقيق الأهداف التي يتوخّاها من الحرب، وذلك بعد فشله في تحقيق أهداف المرحلتين الأولى والثانية”.
بالتوازي مع مواصَلة المقاومة تكبيد جيش الاحتلال الخسائر الفادحة، حَيثُ أقرّ بأنّه “يعاني نقصاً كَبيراً في الدبابات بعد استهدافها في قطاعِ غزة”، يستمرُّ الإعلام الحربي في توثيق العمليات النوعية، ويبثّ مشاهدُ تثبتُ أنّ الخسائرَ الإسرائيلية أكبرُ كَثيراً مما هو معلَنٌ، وأنّ المقاومة لا تزالُ تحتفظُ بقدراتها.
والتي بحسب الخبراء تثبت أنّ المرحلتَينِ الأولى والثانية فشلتا بشكل كبير جِـدًّا؛ لأَنَّ الأنفاقَ، وهي أهم الأدوات التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية، وأهم وسائل الدعم القتالي للاستمرار في المعركة، لا تزال سليمة.
14 ألفَ جريح من جيش الكيان سيدخلون قسمَ إعادة التأهيل:
وكشفت وزارة “أمن” الاحتلال الصهيوني، أن 9400 جندي جريح تلقَّوا العلاجَ بقسم إعادة التأهيل، منذ بداية الحرب على غزة في 7 أُكتوبر الماضي، وقالت، في بيان: إنه “بحسب التوقعات سيدخلُ قسم إعادة التأهيل 14 ألف جريح بحلول نهاية عام 2024م، وسيحصلون على العلاج، وسيواجه حوالي 5600 منهم اضطرابات نفسية”.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية، قد كشفت أنّ قادة الفرق الأربعة التابعة لـ “جيش” الاحتلال العاملة في قطاع غزّة قالوا، في نقاش مع نتنياهو، إنّ الجنودَ الإسرائيليين باتوا منهكين لدرجة “الاحتراق”؛ بسَببِ الخدمة المتواصلة منذ 9 أشهر.
وتحدث قادةُ الفِرَقِ الإسرائيلية عن ازدياد حالة الضجر والانتقادات، في صفوف مقاتلي وقادة قوات الاحتياط الإسرائيلية العاملة في غزّة؛ بسَببِ ما يعتبرونه “عدمَ مساواة في تحمل أعباء الخدمة العسكرية مع الحريديم وعدم كفاية بالأجور”، محذّرين من أن ذلك له “تأثيرٌ سلبي” على أداء “الجيش” في ميدان القتال.