الحُسَين إمامُ المتقين وسيدُ الشهداء المجاهدين
ق. حسين بن محمد المهدي
إن الإمَـام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- سبط رسول الله من أهل الفضل في اللب، والوفاء في الود، والكرم في الخلق، والصدق في الإيمان، والعلم بالأحكام، الذي جعل لهم الله لسان صدق يشيد بفضلهم، ويخبر بصحة صدقهم، وينبئ عن خشيتهم لربهم.
لقد كان الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- عَلَماً من أعلام الأُمَّــة، وعالماً من العلماء الذين رفع الله مكانتهم (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)، (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).
لقد كان الإمَـام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- من العلماء العاملين، والفضلاء الصادقين كما وصفه رسول رب العالمين (حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحب حسيناً) (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما) والحديث صحيح.
لما ادلهمت الخطوب، واعتسفت الأُمَّــة، واغتصبت السلطة من قبل الجلف الجافي يزيد المتسكع في ظلام الفتنة ومهاوي الهلكة مع رعاع عاثوا في الأرض فساداً، وانتهكوا حرم الله ورسوله استخفافاً، وبدلوا نعمة الله كفراً، واستحلوا دماء فضلاء هذه الأُمَّــة.
راسل أهل العراق إلى الإمَـام الحُسَين؛ مِن أجلِ إنقاذ الخلق ونصرة الحق وإعلاء كلمة الرب، ووعدوه النصر فاخلفوه فذاقوا بعد ذلك وبال أمرهم.
لقد نهض الإمَـام الحُسَين مؤدياً حق الله عليه فأحيا بجده وجهاده فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصبر وَتقوى وعزيمة وثبات؛ فكتب الله له ولأهله ولصحبه وقرابته الشهادة (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
لقد تلقى الإمَـام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- الموت فرحاً مستبشراً بلقاء ربه، رافعاً هامته، مؤدياً واجبه، سابقًا إلى جنة ربه.
وما الموت إلا رحلة غير أنها
من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
إن الموت في سبيل الله حياة وفوز وفلاح ونجاح (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالقرآن وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
فثورة الإمَـام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- خالدة في وجدان المسلمين إلى يوم الدين ويرحم الله شوقي، حَيثُ يقول:
فليس الخلد مرتبة تلقى
وتؤخذ من شفاه الجاهلينا
ولكن منتهى همم كبار
إذا ذهبت مصادرها بقينا
وسر العبقرية حين يسري
فينتظم الصنائع والفنونا
وأثار الرجال إذَا تناهت
إلى التاريخ خير الحاكمينا
وأخذك من فم الدنيا ثناء
وتركك في مسامعها طنينا
لقد بقيت ثورة الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- وروحه تحلق في سماء المجد خالدة، تتهيبها الأجيال، وتقتبس منها العزيمة على مقارعة الظالمين، وتتعلم الثبات والنصر مهما كان العدوّ متغطرساً فضاً جهولاً كما كان يزيد وابن زياد وأتباعهم من الرعاع المتهالكين المفسدين.
إن الأُمَّــة بكل أطيافها وعلمائها ومذاهبها ومدارسها الشيعية والسنية تتفق على فسق يزيد بن معاوية وأتباعه من الرعاع الذين اشتركوا في قتل الإمَـام الحُسَين وظلمهم وجهلهم ولا اعتداد بمن شذ؛ فهؤلاء شيوخ السنة يصرحون بلعنهم فيقول ابن تيمية: أما من قتل الحسين أَو رضي به فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وهذا شيخ السنة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني حينما غمزه بعض الناس بموالاة معاوية ونجله يزيد يقول:
لقد نسب الأنام إليّ قولاً
عليهم ربنا فيه شهيد
وقالوا قد تولينا ابن هند
وقلنا إنه رجل رشيد
كذبتم إنه والله عندي
لفسيق وشيطان مريد
وملعون بما كسبت يداه
كذلك نجله الطاغي يزيد
إن إحياء ذكرى استشهاد الإمَـام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- سيد الشهداء فيه إحياء لمسيرته الجهادية، وفيه عظة واعتبار، وتحفيز على مقارعة الظلم وعدم الاستسلام للمجرمين.
وهَـا هي اليمن تستلهم ثباتها من ثورة الحسين وثباته، وهَـا هو شعب فلسطين يقتدي بالحسين في تضحيته وجهاده؛ فالتاريخ يتشابه إلى حَــدّ كبير.
إن من أخلص في جده واجتهاده وجهاده وإن تمالأ على خذلانه الكثير فَــإنَّ الله سبحانه وتعالى سيكتب له الخلود، ويكتب له النصر.
ولعل سر خلود ثورة الإمَـام الحُسَين تباطؤ الكثير عن نصرته في حينه، وإن كانت قلوبهم معه، فلذلك شاءت إرادَة الله أن يبقى خالداً، وأن يهب الملايين من المسلمين لزيارته والدعاء له، وأن يكون قُدوة وأسوة لكل المصلحين في كُـلّ زمان ومكان.
إن تكريم الله للإمَـام الحُسَين في هذه الحياة واضح للعيان لا يحتاج إلى برهان، غير أنه لا يكفي لنصرة الإمَـام الحُسَين الخروج في مسيرات أَو شتم قاتليه دون الخروج للانتصار على مثل ما قاتل عليه الحسين؛ فالتاريخ وأن لم يعد نفسه ولكنه يتشابه، لقد ظلمت اليمن وحوصرت وقوتلت واستشهد الكثير؛ لأَنَّها رفعت راية الجهاد ضد الصهيونية.
لقد حوصرت اليمن وقتل قائد المسيرة القرآنية السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- كما قتل الإمَـام الحُسَين،
أحسين أنت أخو الشهيد بكربلاء
ورفيق زيد في نعيم ترفع
لقد تم محاربة اليمن ومحاصرتها على مرأى ومسمع من المسلمين، في أوضاع شبيهة بالأوضاع التي حدثت فيها ثورة الإمَـام الحُسَين، إلا دعم الثورة الإسلامية في إيران للمسيرة القرآنية وقائدها المجاهد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- بعد استشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- يرفع المعنويات فجزاهم الله خيراً.
ونحن نشاهد أحداثا في فلسطين شبيهة بالأحداث في كربلاء، والكثير من المسلمين يتفرجون على قتل النساء والشيوخ والأطفال وكأن أيديهم مكتوفة وتلك فاجعة كبرى.
إن المسلمين اليوم مدعوون لأداء الواجب الإسلامي والإنساني والأخلاقي تجاه شعب فلسطين وفاء ببعض حقهم، وخوفاً من عذاب ربهم الذي يقول في محكم كتابه: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شيئاً وَاللَّهُ عَلى كُـلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
إن الحق سبحانه وتعالى توعد المتثاقلين المتخاذلين عن نصرة إخوانهم ودينهم بالعذاب فقال سبحانه: (إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شيئاً وَاللَّهُ عَلى كُـلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
الشكر والتقدير والثناء الكبير لقائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وأنصار الله وحزبه الذين استجابوا لله ولرسوله، ورفعوا راية الجهاد وتضامنوا مع الشعب الفلسطيني فنالوا بذلك شرف الدنيا والآخرة، وأن الله سبحانه وتعالى على نصرهم لقدير.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.