عن السقوط الصهيوأمريكي الجديد
عبدالرحمن مراد
أمريكا اليوم في منحدر السقوط المدوي الذي سيترك أثراً مدمّـراً على الكثير من الدول التي كانت ترتبط بها ارتباطاً عضوياً ووجودياً كدول الخليج و”إسرائيل”، وحتى تتمكّن السعوديّة -ومن كان على شاكلتها- من السيطرة على الواقع لا بدّ لها -أَو لهم- من الوعي بخطورة المستقبل الذي تدل عليه مؤشرات الحاضر، ولذلك ليس من مصلحة السعوديّة الاستمرار في العدوان علي اليمن، ولا في ممارسة الضغوط والحصار عليه، فمثل ذلك يجعل خياراتها أقل تفاعلاً في المستقبل، فقد وضعت نفسها بين فكي كماشة من العداوات من شمالها ومن جنوبها ومن اتّجاهات متعددة في الإقليم وفي المنطقة العربية، وربما في بعض دول العالم، وعند الغالب من عامة المسلمين الذين إن غضوا الطرف عن عدوانها بحجج واهية ذات بعد طائفي أَو ثقافي، فقد غضبوا كَثيراً من تطبيعها مع عدو الإسرائيلي الذي يحتل المقدسات وينتهك الحرمات ويقتل ويدمّـر ويبيد الحرث والنسل في غفلة من الضمير الجمعي العالمي.
ومهما حاول النظام السعوديّ التنصل عن تعهداته ففي مجمل الأحوال يحاول أن يحاور الريح وينفخ في الفضاء الرحب دون فائدة تذكر من جهوده، فاللعبة السياسية تفقد عناصر قوتها في اليمن لصالح القوى الوطنية التي تدافع عن اليمن وعن وحدته وعن حريته واستقلاله، لذلك فأي خطاب يأتي بعد سلسلة التحولات فقد عرف نهايته التي رسمتها المقدمات المنطقية في الواقع.
اليوم السعوديّة تكسر صمت الهدنة من خلال الضغط في الجانب الاقتصادي وبما يمس حياة المجتمع اليمني على وجه العموم دون استثناء، وهي بفعلها هذا تمارس الانتحار من حَيثُ تدري أَو لا تدري، فاليمن الذي دمّـرته الطائرات وانهكه الحصار لم يعد لديه ما يخاف عليه، لذلك فهو أمام خيارين لا ثالث لهما أما مصارع الكرام في جبهات العزة والكرامة، وإما الموت جوعاً على فرش الذلة والهوان وبالقياس إلى حركته التفاعلية مع التاريخ نجده يهوى الأولى ويرفض الثانية، وقد كان قائداً أكثر شفافية وأكثر وضوحاً -في مجمل خطاباته- في بيان الموقف، ولذلك فمعركته مع النظام السعوديّ معركة وجودية وهو لا محالة منتصر فيها، فالمال يصبح عاجزاً كُـلّ العجز أمام الطاقات المتفجرة في النفوس الباحثة عن الوجود في خارطة الحياة، وبالتالي فالسعوديّة لن تشعر بالأمان ولن يستقر لها حال، وقد تصبح كُـلّ منشآتها تحت التهديد وبذلك يتضرر اقتصادها وقد تفقد كُـلّ مقومات وجودها من خلال يقظة الهُــوِيَّات الثقافية المتعددة التي تشعر بالاستبداد والطغيان ومصادرة الحريات في ربوع المملكة، مستغلة بذلك الظرف الدولي التي تومئ مؤشراته ورموزه إلى حالة تشكل جديدة للنظام الدولي.
استمرار السعوديّة في ممارسة الاستبداد والطغيان ضد اليمن وأهله لن يجديها نفعاً، بل سيكون وبالاً عليها في قابل أيامها، ولذلك فالحصار والاستمرار في المناوشات لن يحقّق لها ما عجزت عنه الترسانة العسكرية على مدى أعوام العدوان التي مضت ومن الأفضل الجنوح إلى السلم والجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى توافقات، ولها تجارب في ذلك من القرن الماضي لو كان في حكام المملكة قوم راشدون.
لقد غاب عن السعوديّة أن الحركة في الواقع اليمني لم تعد في صالحها، وغاب عنها أن أمريكا لم تعد يعنيها من أمرها سوى ما تراه من توازن في المنطقة، أما نفطها فقد أصبحت في غنى عنه بعد أن اكتشفت النفط الصخري، وتمكّنت من خفض تكاليف إنتاجه، فضلاً عن التوجّـه إلى الطاقة البديلة، فالدراسات تؤكّـد أن العالم سوف يستغني عن 50 % من النفط بحلول عام 2030م، ولذلك فمصالح أمريكا مع السعوديّة لم تعد بذات المعدل المرتفع كما كانت في السابق، فهي الآن أقرب إلى قطر منها إلى السعوديّة؛ بسَببِ حاجتها إلى الغاز، وثمة مؤشرات دالة على ذلك أعلنت عن نفسها بصورة مباشرة وغير مباشرة إثر تداعيات حرب أوكرانيا، ويبدو أن الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي ترسلها السعوديّة إلى أمريكا لن تشفع لها، فالمعادلة لم تعد كما كانت وعلى السعوديّة أن تفهم حجم التغير والتبدل في العلاقات والمصالح الدولية.
اليوم كشفت “إسرائيل” عن تواجدها في الإمارات وفي جغرافيا الجزيرة العربية، وأصبح الأمر ظاهراً للناس بعد أن مارس الإعلام التضليل، ومثل ذلك عزز من الموقف اليمني المقاوم للمشاريع الاستخبارية الذي تقوم به أمريكا و”إسرائيل” في منطقة الشرق الأوسط وفي الخليج، كما أفصح الواقع عن نفسه بدون مراء أَو جدل، فالسعوديّة لم تكن إلا بريطانيا وأمريكا، والإمارات لم تكن إلا “إسرائيل”، فالقتال الذي يخوضه أهل اليمن كما هو في شعارهم ضد أمريكا و”إسرائيل” وليس ضد أحد سواهم، فالعقال النجدي يستر في تجاعيده أمريكا وبريطانيا، والدشداشة الإماراتية تستر في تجاعيدها “إسرائيل” فهما يقاتلان من خلف جدر العباءة العربية لعرب الصحراء.
ومن المؤسف حقاً أن يصبح العرب أدوات في يد الصهيوني والأمريكي في تنفيذ أجنداته واستراتيجياته في الصراع الدولي الجديد، الذي يسعى إلى إعادة التموضع ورسم خارطة المصالح الجديدة في عالم متغير ومتحَرّك قد يفرض واقعاً جديداً ويفرز قوى جديدة ناشئة تنافس النظام العالمي القديم على مصالحه التي ألفها خلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمان.