الإنسانيةُ تحتضِرُ في العالم “المتحضِّر”
د. شعفل علي عمير
في كلمته الأخيرة لخّص السيدُ القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي، عندما قال نتنياهو: إن “الشرق الأوسط يغلي والصراع ليس بين حضارات، وإنما بين البربرية والتحضر”، موضحًا بأن الصراعَ فعلاً بين بربرية “إسرائيل” وتحضُّر الشعب الفلسطيني”.
صحيحٌ أن هناك من لا يزالُ يتعشَّمُ في ما تسمى إنسانيةَ العالم “المتحضِّر” بالرغم مما تعكسُه الأحداثُ ويكذِّبُه واقعُ هذا العالم المسمى متحضراً، هنا يجب على من لا يزال مخدوعاً ومنبهراً بهذا العالم أن يعرفَ بأن ما يسمى التحضر في مفهوم هذه الدول لا يعد كونه تصديراً للوهم القاتل للعالم الثالث كما يسمونه، ونحن في وطننا العربي والإسلامي جزءٌ من هذا المسمى.
إن استقبالَ نتنياهو في البيت الأبيض يعد تناقضاً مباشراً مع كُـلّ ما يروَّجُ له من قيم الحرية والعدالة والإنسانية؛ فقد انكشف قناع مسلسل الكذب والنفاق الذي دأبت تلك الدول “المتحضرة” تلقينه لغيرها من شعوب العالم، ولعل الحاصل راهنًا عنوان لمرحلة جديدة تبشر بزوال إمبراطورية الاستكبار العالمي، وصحوة للبشرية من سُبات الإنسانية وتخدير العدالة المزعومة، التي عمدت تلك الدول أن تجعل لها عنواناً ومنظمات في هيئة الأمم المتحدة لتوهم العالم بإنسانيتها المزعومة.
إن الاستقبال الحارَّ في واشنطن لَأكثر الناس إجراماً في العالم نتنياهو، في الساعة التي يباد فيها الشعبُ الفلسطيني في غَزّة، لا نجد تفسيراً لهذا التناقض، غير أن أمريكا هي أم الإرهاب وهي منبعُ الشَّرِّ في المجتمع البشري، ولعل غزة قد قدّمت للعالم وللإنسانية خدمةً عظيمةً من خلال ما قدمته من تجلياتٍ واضحةٍ لحالة الغرب وأمريكا الّلا إنساني، وأن الواجب الذي يفرضه واقعُ الصراع يحتم على الأُمَّــة معرفةَ عدوها الحقيقي، لا سيَّما وقد تجلت حقيقة مدى كراهيته للأُمَّـة الإسلامية والعربية على وجه الخصوص؛ فعندما أكّـد السيد القائد -يحفظه الله- في كلمته أن العدوّ الصهيوني يعتبر الأُمَّــة العربية مُجَـرّدَ حيوانات وأن هذه النظرة للعرب تعد من تجليات عقيدة اليهود التي يؤمنون بها، فهل من المعقول والمنطق أن لا نعرفَ العدوّ الحقيقي للأُمَّـة؟، وهل هناك لبس في من هو العدوّ ومن هو الصديق؟!
وفي معرض كلمته تساءل السيد القائد قائلاً: “كيف يشتبه على الإنسان من هو العدوّ الحقيقي للأُمَّـة؟ ومن هو الصديق، الأمور جلية وواضحة”، وفعلاً لم يعد هناك ضبابية أَو منطقة رمادية بين معرفة من هو العدوّ الذي يستهدف الأُمَّــة في حياتها ومقدراتها ومقدساتها، غير أن هناك من لا يزال يتقرب إلى هذا الكيان المتوحش ليساعدَه على ضربِ الأُمَّــة دون استثناء، ليس لكونه لا يعرفُ من هو هذا الكيان وطبيعة مخطّطاته وإنما لأَنَّه ممَّن قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَو أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أنفسهِمْ نَادِمِينَ}.