ثورة الإمام زيد في وجوه الظالمين.. جهادٌ وتضحية
ق. حسين بن محمد المهدي
الناس رجلان: رجل يجل العمل بفضله ومروءته وعلمه ودرايته، ورجل يجل عنه لنقصه ودناءته.
فمن جل عمله بفضله ومروءته وعلمه وحسن سيرته ازداد فضلاً وخُلُقاً واستقامة وخلد ذكره.
ومن جل عنه عمله لنقصه ودناءته لبس به تجبراً وكبراً وساء في العالمين ذكرى.
لقد كان الإمام الولي التقي الفذ الألمعي زيد بن علي بن الحسين -عليهم السلام- إماماً مجتهداً، إليه تعزى المكرمات وعمل الصالحات في سره وجهره، عالمًا بأحكام القرآن مقتدياً بهدي النبي عليه وآله الصلاة والسلام، ومقتدياً بهدي جده، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، عاملاً بالدليل، محباً للمؤمنين.
لقد كان هشام بن عبدالملك الأموي غروراً بسلطانه، متجبراً في أحكامه، مستكبراً بغلمانه وخدامه، مستخفاً بأهل العلم والإيمان، مضيعاً لكثير من السنن والأحكام، معرضاً عن هدي القرآن، مستخفاً بعترة النبي عليه وآله الصلاة والسلام، فلم يجد الإمام زيد بُداً من رفع راية القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد واجه الإمام زيد -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- جيوش البغي والظلام غير مكترث بأهل البغي والعناد -الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأذلوا العباد- بعزيمة الأقوياء الأتقياء الصالحين الذين وهبوا حياتهم لله؛ مِن أجلِ إحياء هذه الأُمَّــة وإصلاح شؤونها، ورفع الظلم عنها، وإحياء سنن الله وأحكامه.
لقد كان الإمام زيد -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- عالماً عابداً شجاعاً فصيحاً صريحاً حكيماً سياسيًّا فطناً، لا يجامل ولا يداجي، ولهذا قال حينما أراد من لا يعرف الحقائق أن يحمله على أمر لا يوافق منهجه، “اذهبوا فأنتم الرافضة”؛ فالرافضة هم من رفضوا بيعة زيد وولايته وخرجوا عن طاعته، وهم من يفترون على زيد والزيدية إلى يومنا هذا.
ومما لاريب فيه أن الإمامَ زيد بن علي -عليهما السلام- التزم نهج الإمام الحسين واقتفى أثره، متبعاً نهج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان خلقه القرآن فهو لا يواد من حاد الله (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الآخر يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَو أبناءهُمْ أَو إِخْوانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئك حِزْبُ اللَّـهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
إن الإمام زيداً -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كان يتحلى بالأخلاق الإسلامية الجامعة وكان يجسد معاني القرآن في الواقع العملي، وأبرز مثال على ذلك تبنيه للثورة ضد الظالمين، ورفع راية الجهاد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
لقد كان الإمامَ زيدًا رائدٌ في تأسيس إصلاح شؤون الأُمَّــة، واقتفى أثرَه أئمةُ العترة النبوية من أئمة الزيدية، فضربت الأمثال في مقارعة الظالمين وأحيا الزيدية مدرسة الإمام الولي ابن الولي زيد بن علي مدرسة العدل والتوحيد.
وكم متجرِّعٍ في السير مُرًّا
مشوبًا آجِنًا بلَغَ القِراحا
ورُبَّ كريهةٍ ساءت فسرَّت
مساءتها فأعقبت انشراحا
لقد سار المتبعون نهج الإمام زيد على هدى القرآن ونهج محمد عليه وآله الصلاة والسلام.
وكان للسيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- في عصرنا هذا قصب السبق في تجديد منهج الإمام زيد وجده الإمام الحسين -عليهم السلام- ففاز بالشهادة ونال الحسنى وزيادة، وسار على نفس المنهج السيد العلم القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله.
ولو أن هشاماً أصغى إلى الإمام زيد واستصلح ما أفسده من أمر الأُمَّــة به لاستقامت الشريعة وبقت الصنيعة وكان ذلك أصلح له في دينه ودنياه، ولكن أبى الظالمون إلا الاستمرار في عتوهم ونفاقهم فضلوا وأضلوا كَثيراً.
لقد فاز الإمام زيد بالشهادة وعانق الموت مستبشراً به.
وما الموت إلا راحة من متاعب
وأهوال دهر زعزعت كُـلّ فاضل
لقد فاز باتباع نهج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
ومن تبع النبي قولاً وفعلاً
فقد لاقى سروراً وانشراحا
ومن يملك زمام النفس ينجو
من الأهواء ويمنحها ارتياحا
وكم ضاق الفتى بالخطب ذرعاً
وطي مضيقه لقي الفساحا
ومن سلم الهوى في الناس أضحى
فريد العصر أوفرهم رباحا
وكم من حكمة خفيت علينا
وأُخرى وجهها الوضاح لاحا
إن ثورة الإمام زيد أحيت في الناس معالم الحق لمن يريد أن يتبعه، ولم يمر على الدولة الأموية بعد استشهاده ١٥عاماً حتى صارت في عداد الهالكين.
وثورة الشهيد القائد المجاهد الحسين بن بدر الدين الحوثي، في هذا العصر أحيت معالم الطريق وفتحت باب الجهاد وضاق البعض بها ذرعاً، وهَـا هي اليوم تتوج انتصاراتها انتصاراً للمسلمين في فلسطين.
إن ثورة الفلسطينيين في السابع من أُكتوبر في وجه الصهيونية اليهودية كان فيها إحياء لمعالم الجهاد الذي دعا إليه القرآن (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وإحياء لما سار عليه أئمة أهل البيت -عليهم السلام- ولا يتخلف عن نصرتهم إلا ظلوم.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).