لتكن غزةُ المنطلقَ واليمن القُدوة
دينا الرميمة
عددٌ يسيرٌ من سكان غزة ينتظرُهم الموتَ وينتظرونه ليرتفع عدد الشهداء فيها إلى أربعين ألف شهيد، وربما يكتمل العدد قبل أن أنهي كتابة مقالي هذا، فالموت فيها قد استوطن وغرست الحرب كمائنه في كُـلّ ركن وزاوية وبالثانية الواحدة تحصد اليد الصهيونية روحاً وجسداً دون خجل أَو خوف بعد أن أَمِنَت العقوبة ومنحت كُـلّ الأضواء الخضراء لتفعل ما تشاء دون حساب!!
غير أن ما يدمي الروح أننا نقف عاجزين عن مد يد الحياة لأُولئك الذين وضعتهم الحرب بين سندان الموت ومطرقة الخذلان، وما بينهما نقف بأعين لا تكف عن هذيان الروح بمأساتهم، التي جعلتنا ندرك أننا أُمَّـة جسدها متهالك ومفتت إلى قطع متناحرة تأكل بعضها بعضاً، على ذات غفلة من أن موت قطعة منه هو موت لكامل الجسد العربي، الذي صمت وغض الطرف عن وجود الصهاينة في جزء من أرض يعلمون ونعلم أنها عربية لا عبرية، بل وإن وجد منا من يقاوم وجودهم تتوجّـه أسهم العداء نحوه قربة للصهاينة الذين بلا شك لن يكتفوا بما احتلوه من الأرض إنما أملهم أن ينتشر وجودهم إلى حَيثُ أنا وحيثُ أنت وحيثُ البقية منا، فسيناء بعد رفح أملهم القريب ليحيطوا بقاهرة المعز ومكة ترقبها أعينهم بنظرة الطامع بمقدساتها والحاقد على مصاب يهود خيبر، وأما اليمن التي يتغنى ليلها ونهارها بالموت لهم فيتمنون كسر شوكتها لا سيَّما وقد بات غضبها يتساقط عليهم ويلاً وثبوراً إسناداً لغزة!!
وربما وبسبب الخوف من دائرتهم قد يتحقّق مرادهم فهم يعلمون أنه وإن وجد أي صوت هنا يندّد بهم ويرفض وجودهم فالملايين سيغضون الطرف بل ربما أن منهم من سيرحب بهم على أرضه ومعهم سيعمل على تهوديها ظناً أن ذلك سيرضيهم ويكف عنه أذاهم!!
ولعل ما يحدث في غزة كان فاضحاً للكثير من المواقف وكشف الواقع المأساوي الذي باتت عليه الأُمَّــة من الذل والهوان لأعدائها بعد أن تجند الكثير من أبنائها للدفاع عن “إسرائيل” وتحميل حماس ومن ساندها في معركتها المحقة ضد العدوّ الصهيوني مسؤولية ما يرتكبه الصهاينة من إجرام وقتل وتدمير، وأن القضاء على مقاومتها هو الحل الأمثل لإنهاء مأساتها، وهذه هي لغة ورغبة نتن ياهو والمتطرفين الصهاينة التي فشلوا في تحقيقها على الرغم مما منح لهم من القنابل والأسلحة الأمريكية أسقطوها على غزة ولا يزال نتن ياهو في خطابه الذي ألقاه على طاولة الكونجرس يطالب بالمزيد، في دلالة فاضحة لتلوث يد أمريكا في جريمة الإبادة التي يرتكبها في غزة، والتي جعلت أكثر الداعمين من الغرب لهم يغيرون قناعتهم بحق الصهاينة في دولة على أرض فلسطين، وهنا تكمن المفارقة بين الغرب وبعض العرب الذين لا يزالون ينحنون برقابهم ليصعد عليها نتن ياهو لتحقيق حلمه وتثبيت أركان دولته على الأرض العربية.
لذلك وأمام مأساة قلوبنا النازفة على حال أمتنا الذي أظهرته غزة، علينا النظر بوعي لما أصبحنا عليه من ذل وهوان لم يكن إلا نتاج البعد عن قيم ديننا وتعاليمه التي تحرم الولاء لأعدائنا وغياب استشعار المسؤولية التي ربى النبي الكريم أمته عليها وبها نظر الإمام الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- لحال أُمَّـة جده وجعلته يخرج ثائرًا لإصلاح أمرها، ولننظر للأحداث نظرة بصيرة كتلك التي نظر بها الإمام زيد -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- لحال الأُمَّــة بعد خِذلانها لثورة الإمام الحسين وثار في أوساطها وأوساط علمائها الذين الجمهم الجور الأموي عن قول الحق وعن الأفكار المغلوطة التي أحدثها بني أمية في دينهم ثورة وعي ومن ثم ثار على الظالمين ثورة دم وَسيف.
علينا أن ننتهج نهجهم ولنجعل من غزة البداية والمنطلق للعودة إلى سابق مجدنا الذي دمّـره علماء السلطة والحكام المطبعين وعلى أطلاله بنى الصهاينة مجدهم الهش، وبلا شك كما استطاعت غزة أن تجعل الغرب الكافر يلتف حول مأساتها التي أنقذت إنسانيتهم من موت محقّق فغزة إذَا ما ناصرناها وانتصرت ستعيد لنا مجدنا وتعيدنا لنكون خير أُمَّـة أخرجت للناس.
ولتكن القُدوة من اليمن التي انتهج شعبها نهج آل البيت فانتصروا وصنعوا لأنفسهم قوة باتت اليوم تشارك غزة في معركة الفتح الموعود إيذاناً بتحرير القدس من القيد الصهيوني لتعود عربية إسلامية خالصة.