التغييراتُ الجذرية بين النظريات الفلسفية والمشروع القرآني

منصور البكالي

تتعدَّدُ النظرياتُ السياسية الفلسفية بتعدد فلاسفتها ومنظِّريها، المتأثرين بالعوامل البيئية والمرحلية التي وجدوا فيها وطبيعة أنظمة الحكم في عصورهم، والرسالات السماوية التي نزلت فيها.

وتقدم لنا المدرسة المحمدية نظرية فريدة في بناء الدولة الإسلامية التي أقامها -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، فور هجرته إلى المدينة المنورة، ونوعية النظام المحقّق للعدالة بكل مفرداتها وتفاصيلها، كما هي الفترة القصيرة لحكم الإمام علي “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ”.

وما إن عادت الدولة الإسلامية إلى أعداء الرسالة السماوية، حتى ظل نظام الحكم عن أسسه ومرتكزاته وبات يخضع للأهواء الغرائزية والانفعالات النفسية للحاكم، فعادت إلى الواجهة النظريات الفلسفية التي تتماشى مع أهواء وتوجّـهات الحكام، البعيدة عن النظريات القرآنية المختلفة مع ما يريده الطغاة، وما تحتاجه الأُمَّــة وشعوبها.

وكثيرة هي النظريات الفلسفية الغربية والشرقية القديمة والحديثة التي لا تخلو من الطبقية والمناطقية والعنصرية، كتنظيرات ابن خلدون، وأرسطو وأفلاطون وسقراط وابن راشد وغيرهم من فلاسفة اليونان والإغريق وَسلاطين بنو أمية والعباسيين، ومختلف الإمبراطوريات الهالكة، كما هي مراكز الدراسات والأبحاث، التي يعتمد عليها في الخطط والاستراتيجيات.

ويؤكّـد الواقع السياسي لجل أنظمة الحكم القائمة في عالم اليوم، أن كُـلّ الحكومات لا تزال تستقي من تلك النظريات، رغم أخطائها الكارثية التي لا تخلو من مظاهر الامتيَازات الممنوحة للجماعة أَو الحزب أَو المذهب أَو المقربين منهم، على حساب معياري العدالة في الثروة، والتعاون في المسؤولية، ما يخل بالعدل، ويسهم في تآكل مؤسّسات الحكم.

ومن هنا نقول لقادتنا وسادتنا المعنيين بتنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، قبل التغييرات الجذرية التي أعلنها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”، أن يتجنبوا بكل حرص أن يكون في تعييناتهم من هذه المظاهر، لماذا؟

لأنها سلاح خفي ينهش أرواح الأنظمة والحكومات، ويعمق الفشل الإداري على مستوى مؤسّسات الدولة ويجعلها بعيدة عن تحقيق أهدافها، كما يعمق الفشل السياسي على مستوى الحكومة والأحزاب والجماعات، بل ويولد بيئة قابلة للصراع والاشتعال، والاستقطاب للعملاء والخونة والناقمين، ويوفر بيئة خصبة يتربص بزراعتها واستثمارها الأعداء، بالكثير من الدسائس والمخطّطات والمؤامرات التي تهز أركان الحكومات والشعوب وتخضعها.

وبإمْكَانكم مراجعة سجلات الصراعات والحروب الداخلية والانقلابات، والثورات، في أكثر من دولة، وأسباب تأكلها وتمزق أواصرها، وتشظي كُـلّ عوامل القوة التي وصلت إليها، خَاصَّة في ظل الارتباطات السياسية المكشوفة للأحزاب بالأعداء الممولين.

إضافة إلى مراجعة أسباب قيام نجاح الحكومات ونهوض الدول، وقوة الإمبراطوريات، وتطورها ونهضتها وغياب الصراعات والحروب فيها، ستجدون العدالة الاجتماعية وتوزيع السلطة والثروة حجر زاوية فيها.

وقبل هذا وذاك شعبنا اليمني على ثقة كاملة وتسليم مطلق، بالسيد العلم ورجاله المخلصين، الممثلين لمشروعنا القرآني القائم على العدل والتولي وقيم الرحمة والمحبة والمساواة والتعاون، والقادر دون سواه على بناء أُمَّـة تقدم النموذج المشرق لكل الأمم.

سادتي الأكارم لم تعودوا تعبِّرون اليوم عن جماعة أَو حزب، أَو عن اليمن بحضارته وفكره وإيمانه وحكمته فقط، بل تعبرون عن أُمَّـة بمشروعها السماوي، ونظام حكمها وبناء دولتها، بكل مقتضياتها ومسؤولياتها ومهامها تجاه المجتمع البشري.

فشعبنا اليمني وكلّ شعوب الأُمَّــة وأحرار العالم يتطلعون إليكم في تقديم نموذج مغاير للواقع يجسد النظرية القرآنية لنظام الحكم تترجم إلى واقع معاش في أُمَّـة عادلة وقوية، تحمي المجتمع البشري وحقوقه ومقدراته، وقميه ومبادئه السامية، وتنقذه من هيمنة وإجرام ووحشية قوى الشيطان والاستكبار العالمي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com