وسطَ غياب قسري لطلاب غزة.. إعلانُ نتائج الثانوية العامة في فلسطين

المسيرة | خاص

مع مرور عشرة أشهر من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، آلاف من الطلاب، لم يلتحقوا بامتحانات الثانوية العامة كآلاف الطلبة الذين قضت حرب الإبادة الإسرائيلية على حياتهم، والآلاف على مستقبلهم الدراسي، في إثر تدمير البنية التحتية للمدارس والجامعات في غزة.

منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني، توقفت العملية التعليمية في كُـلّ المستويات، في الجامعات والمدراس والمراكز التعليمية والتدريبة، وتحول عمل المدراس من أماكن تعليمية إلى مراكز إيواء يستخدمها السكان النازحين الذين هُجّروا من منازلهم قسراً، ومع ذلك لم تتوانَ قواتُ الاحتلال عن استهداف المدارس والمنشآت وهي مكتظة بالمهجرين النازحين.

 

غياب قسري لـ39 ألف طالب بين شهيد وجريح وأسير ونازح:

تحت غمامة من الحزن العميق تظلل سماء غزة، أعلنت، صباح الاثنين، نتائج الثانوية العامة في الضفة الغربية المحتلّة، دون تحديد نسبة عامة للنجاح.

وأعلنت النتائج وسط تغييب قسري لـ39 ألف طالباً وطالبة بين شهيد وجريح وأسير ونازح في قطاع غزة، الذي لطالما حضر في صدارة أوائل الطلبة بعزمية أبنائه وأحلامهم وطموحاتهم التي حطَّمت كُـلّ عجز حتى في أشد الأزمات التي عايشوها دون حرب الإبادة الطاحنة التي أتت على كُـلّ شيء.

في مؤتمر صحفي عقد صباح الاثنين، قال وزير التربية والعليم العالي “أمجد برهم” من “رام الله”: إن “الاحتلال حال دون تقدّم 39 ألف طالب ثانوية عامة من ممارسة حقهم في التعليم في غزة، بعد أن صادر حقّ عشرة آلاف من طلبة المدارس والجامعات في القطاع في الحياة”.

وبيَّن أن “450 طالبًا من طلبة الثانوية العامة، استشهدوا في الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 10 أشهر، علاوة على استشهاد 400 معلم و105 من أساتذة الجامعات، واعتقال 55 طالبًا”.

وأشَارَ برهم إلى أن “الاحتلال دمّـر 286 مبنى من أصل 307 أبنية مدرسية، و31 من المباني التابعة للجامعات في قطاع غزة بشكل كامل”.

وقال: إن “هذا العام، لا نسب عامّة للنجاح، فالأعداد لم تكتمل، علماً أن خمسين ألفاً ومئة طالب تقدَّموا للامتحان، منهم 1536 طالباً في 29 دولة خارج الوطن من بينهم 1320 ممن غادروا قطاع غزة، منهم 1090 في جمهورية مصر العربية”.

وأوضح، أنه “منذ 7 أُكتوبر الماضي، لم يتمكّن 630 ألفًا من طلبة المدارس و88 ألفًا من طلبة الجامعات في غزة من ممارسة حقهم الطبيعي في الدراسة”.

وشدّد برهم، على أن امتحان الثانوية العامة “كان وسيبقى رمزاً من رموز وحدتنا الوطنية، وحاضنةً لنظامنا التعليمي الذي نفاخر به الدنيا”.

وقال وزير التربية الفلسطيني: إن “رسالتنا دوماً أن التعليم وسيلة تحرّر وعنوان للوحدة وجسرٌ للعبور نحو المستقبل بثقة وثبات وسيبقى المعلم الفلسطيني نموذجاً، ملهماً، معطاءً، مبادراً”.

 

التعليم في غزة هدفٌ للترسانة الحربية الإجرامية الإسرائيلية:

بحسب تقاريرَ توثيقية مختلفة كشفت مراكز بحثية عن تعرض البنية التعليمية التحتية في قطاع غزة لتدمير ممنهج، حَيثُ دمّـر جيش الاحتلال 285 مدرسة بشكلٍ كامل و140 مدرسة بشكلٍ جزئي من أصل 442 مدرسة حكومية، فيما تعرض ثلثي مدارس “الأونروا” للقصف المباشر.

في السياق نفسه، قال “فريد أبو عاذرة”، مدير عام التعليم في وكالة غوث تشغيل اللاجئين “أونروا”: إن “ثلثَي مدارس الأونروا قصفها الاحتلال، فيما استشهد 197 من موظفي المنظمة الأممية”.

ويؤكّـد “أبو عاذرة”، في شهادته لمراكز بحثية، أن “حرب الإبادة المُستمرّ على غزة للشهر العاشر على التوالي تسببت في تدمير المنظومة التعليمية بأكملها، ووضع مئات آلاف الطلبة في الجميع المراحل التعليمية الأَسَاسية والعليا، أمام مستقبل مجهول”.

وأوضح أن الأمر “لا يقتصرُ على السنة الدراسية الحالية، فبسبب التدمير الممنهج للمنشآت التعليمية والبنية التحتية والمنازل، أصبح من الصعب وضع تصور وخطة لإلحاق الطلاب بمقاعدهم الدراسية ما بعد العدوان”.

ويضيف “أبو عاذرة” أن “ما فقده الطلاب لا يمكن تعويضه، وسيؤثر بشكل كبير على تحصيلهم الأكاديمي وتطورهم الشخصي، وعلى احتمالية زيادة نسبة التسرب من المدارس، والتأخر في التقدم الأكاديمي، والتعرض لمخاطر عمالة الأطفال، والزواج المبكر، وتدهور مفاهيم حقوق الإنسان لدى الطفل واهتزاز انتمائه لهُــوِيَّته”.

 

استشهادُ 10 آلاف طالب وإصابة 14 ألف آخرين:

في هذا الإطار؛ أفادت التقارير الصادرة عن مراكز بحثية مستقلة تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، أن جيش الاحتلال “قتل أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة، من المستوى المدرسي والجامعي، وأصاب أكثر من 14 ألف، من بينهم نحو 3 آلاف طالب وطالبة أصبحوا من ذوي الإعاقة، و400 معلم ومعلمة في المدارس، و105 من كوادر الجامعات التي دمّـر الاحتلال أكثر من 80 % من مبانيها”.

وفي تقرير تفصيلي نشرته مراكز بحثية فلسطينية تحت عنوان: “إبادة التعليم في قطاع غزة في سياق الإبادة الجماعية”، أشار إلى الأثر المباشرة للإبادة الجماعية على قطاع التعليم في غزة، وما له من “آثار نفسية وجسدية كارثية على الأطفال، وستضعف من مقدرتهم على التحصيل العلمي، خَاصَّة أُولئك الذين حُرِموا من أحد والديهم أَو كليهما، أَو فقدوا طرفاً أَو أكثر من أطرافهم، أَو نتج عن إصابتهم إعاقات دائمة”.

بدورها؛ تؤكّـد تقارير أممية أن قوات الاحتلال لم تتح أي فرصة أمام الطلاب في غزة لاستكمال مسيرتهم التعليمية، نتيجة الظروف غير الإنسانية والكارثية التي خلقتها من خلال استهدافها للطلاب والمدرسين على حَــدّ سواء واستهدافها المباشر للمدارس والجامعات وتدمير أرشيفها وسجلاتها، عوضاً عن قطع خدمات الكهرباء والإنترنت.

 

قصةُ ألم لطالبة من غزة الطفلة “ليان” أُنموذجاً:

تروي الطفلة “ليان علي أبو العطا”، كيف فقدت ساقها الأيمن إثر قصف مئذنة مسجد بينما كانت تقيم بمدرسة في “دير البلح” وسط قطاع غزة، كانت قد نزحت إليها برفقة أهلها من “حي الشجاعية”.

وتقول “ليان” (13 عاماً): “إن الكسور والجروح تحولت إلى غرغرينا، ما دفع بالأطباء لتحويلها إلى مصر في محاولة لإنقاذ ساقها إلا أن خطورة الوضع دفع بالأطباء لقرار بترها من أعلى الركبة”.

وتعاني “ليان” من شللٍ في النصف السفلي من الجسم، “ولا أعلم كيف سألتحق لاحقاً بمدرستي عند انتهاء الحرب، فأنا لا أستطيع التحَرّك، لقد تدمّـرت حياتي”.

 

الآثار النفسية العميقة لحرب الإبادة الصهيونية على الأطفال:

وفقاً لمعطيات نشرتها مراكز أممية، فالطفلة “ليان” ليست الوحيدة؛ إذ أن الآثار النفسية العميقة التي يعاني منها الطلاب والمعلمون في غزة جراء الأحداث المأساوية التي يشهدوها بشكلٍ يومي، لها من التأثيرات العواطف السلبية مثل الخوف والقلق والاكتئاب، والصدمة النفسية والضغط النفسي المُستمرّ والخسائر المادية والبشرية، كفقدان الأقارب أَو المنازل.

فيما تشير شخصيات حقوقية أممية إلى أن هناك تقارير تبحث حول أوضاع أطفال فلسطين، لا تزال حبيسة أدراج المكاتب، لهول وحجم المأساة والمعاناة التي يعيشونها، وكيف يمكن أن تؤثر حرب الإبادة الصهيونية على سلوكهم ونمط حياتهم اليومية مستقبلاً.

وصف تقرير أممي أن تعرض الأطفال لإصابات جسدية مؤلمة أَو فقدان الأحباء، يزيد من حاجتهم إلى الدعم النفسي والعاطفي للتعافي من تلك التجارب المؤلمة، مُشيراً إلى أن أكثر من 816 ألف طفل في القطاع بحاجة إلى مساعدة نفسية من آثار الحرب المتواصل على غزة.

وكانت تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” قد أشَارَت إلى أن أكثر من مليون طفل في قطاع غزة تظهر عليهم أعراض مثل: “مستويات عالية للغاية من القلق المُستمرّ، وفقدان الشهية، وعدم القدرة على النوم، ونوبات انفعالية أَو ذعر في كُـلّ مرة يسمعون فيها التفجيرات، وأنهم جميعاً بحاجة إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com