جريمةُ غزة.. شراكةُ الإدارة وصهيونيةُ الكونجرس

د. عبد الرحمن المختار

رَوَّجَت الإدارةُ الأمريكيةُ لنفسِها خلالَ العشرةِ الأشهرِ الماضيةِ، التي اقتُرفت فيها أفعالُ جريمةِ الإبادة الجماعية، بحَقِّ أبناءِ الشعب الفلسطيني في قطاعِ غزةَ، بأنها وسيطٌ سعى ويسعى مع عددٍ من الأنظمة العربية التي يحلو لها أن تصفَها بالشركاء، إلى وقفِ ما تسمِّيها بالحرب في قطاع غزة.

وتأتي مزاعِمُ وساطةُ الإدارة الأمريكية، رغم أنها حرَّضَت بشكلٍ صريحٍ وواضح كيانَ الاحتلال الصهيوني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية؛ فحين وصل رئيسها بايدن إلى عاصمة دولة الاحتلال، وأعلن التزام بلاده بتزويد كيان الاحتلال بما يحتاجه من الأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة لحقيق الانتصار على من سمَّاها بـ (القوى الإرهابية في غزةَ)، ومؤكّـداً أَيْـضاً حقَّ الكيان الصهيوني في القضاء على (القوى الإرهابية) في غزةَ، مُبَرِّرًا ذلك بحق الدفاع عن النفس دونَ قيودٍ أَو حدود!

 

توفيرُ السلاح والغِطاء السياسي:

ولم تكتفِ الإدارةُ الأمريكيةُ بتوفيرِ كافة احتياجات دولة كيان الإجرام الصهيوني من مختلفِ أنواع العَتاد الحربي، رغم إدراكِها جيِّدًا أنه يُستخدَمُ في إبادة الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ في قطاع غزةَ، ومع ذلك التزمت الإدارةُ الأمريكيةُ بتوفيرِ الأموال اللازمة لتغطيةِ كافة تكاليف جريمة الإبادة الجماعية، التي يقترفُ أفعالَها المباشِرةَ جيشُ كيان الاحتلال الصهيوني منذ عشرة أشهر، ووفَّرت الإدارةُ الأمريكية فعلًا تلك الأموالَ، التي تُقَدَّرُ بعشرات المليارات من الدولارات؛ لدعم مالية الكيان الصهيوني.

ولم تكتفِ الإدارةُ الأمريكيةُ بتزويد كيان الإجرام الصهيوني بالسلاح ومليارات الدولارات، بل إنها وفَّرت الغطاءَ السياسيَّ لجرائم هذا الكيان المحتلّ، وذلك من خلال إحباطِها خمسةَ مشاريع قرارات لوقف العمليات العسكرية الصهيونية في قطاع غزةَ، والسماحِ بإدخَال المواد الغذائية والأدوية؛ لإغاثة سكان القطاع المحاصَر، وحشدت لذلك عددًا من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لتتبنَّى موقفَها المعارِضَ لوقف جريمة الإبادة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وكانت الإدارةُ الأمريكية قد أعلنت التزامَها بحِمايةِ الكيان الصهيوني؛ ليتمكَّنَ من تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية؛ ولتصبحَ -بتحريضِها وإسنادِها وتمويلِها وتغطيتِها السياسيةِ وحمايتِها العسكرية- شريكًا كاملًا للكيان الصهيوني في اقترافِ الجريمة، ولتجسيد تلك الحماية على أرض الواقع، تواجدت بقواتِها البحرية شرقيَّ البحر المتوسط؛ لتفرض حالة ردع عامة على المنطقة العربية والإسلامية، تحت عنوان الحيلولة دون تدخُّلِ قوىً إقليميةٍ في الصراع، أَو ما أسمتها بالحربِ في غزة!

وحينَما لم يحقّقْ تواجُدُ قواتِها البحرية شرق البحر المتوسط حالةَ الردع، التي خطَّطت لتحقيقها، بتحَرُّك جبهة حزب الله جنوبيَّ لبنان، وجبهةِ بلادنا، وجبهةِ العراق؛ وَلِأَنَّ الفِعلَ المؤثِّرَ -بشكلٍ مباشرٍ وفوريٍّ على كيان الاحتلال- كان من جنوب البحر الأحمر، تحديدًا في الجانب الاقتصادي، حين تم الإعلانُ من جانبِ قواتِ بلادِنا البحرية عن إجراءاتٍ ضاغِطةٍ في مواجهةِ كيانِ الإجرام الصهيوني، تمثَّلت تلك الإجراءاتُ في مَنْعِ مُرُوْرِ سفن الكيان في مضيق باب المندب، ومنع إبحارِها في البحر الأحمر والبحر العربي وخليجِ عدن، ولاحقًا المحيط الهندي.

وكذلك منع السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة؛ وهو ما دفع الإدارةَ الأمريكيةَ إلى التواجُدِ المباشِرِ في البحر الأحمر؛ بهَدفٍ معلَنٍ، وهو فرضُ حالة ردع خَاصَّة على قيادة وشعب يمن الحكمة والإيمَـان، وتواجد الإدارة الأمريكية في البحر الأحمر، أتى نيابةً عن الكيان الصهيوني، وكان هذا التواجُدُ على رأس تحالف دولي بمسمَّى “حارس الازدهار”، الذي لم يحقّقْ أَيًّا من أهدافه المعلَنة، بل غادر البحرَ الأحمر مصابًا بحالة من الإحباط وخيبة الأمل؛ بسَببِ عدمِ تمكُّنِه من حِماية السفن التجارية لكيان الاحتلال الصهيوني، وَأَيْـضاً السفن التجارية التابعة للإدارة الأمريكية ولغيرها من الدول الداخِلة معها في تحالف “حارس الازدهار”، ولم تتمكّنْ أَيْـضاً من حماية سفنها وبوارجِها ومدمّـراتها الحربية، ودُرَّةِ تاجِ سلاحِها البحري، حاملة الطائرات (آيزنهاور) التي غادرت مياهَ البحر الأحمر مردوعةً موجوعةً!

 

مشارَكةٌ في الجريمة:

ويومَ الأربعاء الفائت، أثبتت الإدارةُ الأمريكية، ولوبي الكونجرس الصهيوني أن جريمةَ الإبادة بحق الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، هي جريمةُ الإدارة الأمريكية قبل أن تكونَ جريمةَ الكيان الصهيوني؛ فما حدث في اجتماع الكونجرس الصهيوني في العاصمة الأمريكية واشنطن أكّـدَ -بما لا يدعُ مجالًا للشك- أن إرادَةَ أفعال الإبادة المُستمرَّة والمتتابعة منذ عشرة أشهر في قطاع غزةَ، وفصولها المتنقلة من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب، هي إرادَةُ الإدارة الأمريكية والكونجرس، الذي بدت صهيونيتُه سافرةً، مكشِّرَةً عن أنيابِها.

ويُعَدُّ استقبالُ المجرم السفاح نتن ياهو في مبنى الكونجرس بحدِّ ذاته مشارَكةً لاحِقةً له في الجريمة، تُضافُ إلى المشاركة السابقة، المتمثلة في تبنِّي مشاريع تمويل الكيان الصهيوني بعشرات المليارات من الدولارات، وكذلك المواقف السابقة المساندة والداعمة والمحرِّضة للكيان الصهيوني على الاستمرار في اقترافِ جريمة الإبادة الجماعية، بحق أبناء قطاع غزة، ولم يكتفِ كونجرس الصهينة والإجرام بما سبق، بل إنه بعد استقبالِه المجرم نتن ياهو، ومنحِه حَقَّ الوقوفِ أمام أعضائه؛ للتحدث إليهم عن إنجازاته الإجرامية، التي ما كانَ له ولكيانه الإجرامي الإيغالُ في اقتراف أفعالها، لولا شراكةُ الإدارة والكونجرس.

بعدَ كُـلِّ ذلك، تفاعَلَ صهاينة الكونجرس بشكلٍ كبيرٍ مع حديثِ المجرم نتن ياهو إليهم، وتلقَّفوا كلماتِه بكل حماسة، وبتصفيقٍ ووقوفٍ متكرّرٍ ومنقطعِ النظير، تجاوز الخمسينَ مرة، وهو رقمٌ قياسيٌّ لم يُسَجَّلْ مثلُه من قِبْلُ، وكان كُـلُّ ذلك التفاعُلِ والحماس من صهاينة الكونجرس تعبيرًا عن تأييدِهم للمجرم السفاح نتن ياهو، وكأنَّه بطلٌ قومي حقّق لأمريكا إنجازًا غيرَ مسبوق من قبلُ، ورغم أن ذلك المجرمَ كان يتحدَّثُ بشكلٍ وَقِحٍ عن إصراره على الاستمرار في أفعال جريمة الإبادة الجماعية، حتى إسدالِ آخرِ فصولها.

ومع كُـلِّ ذلك كان التصفيقُ والتفاعُلُ بالوقوف يتصاعدُ، وبكل حماسة من جانبِ أعضاء الكونجرس الصهيوني في واشنطن عاصمة الإجرام العالمي، وحين تحدث عن فرص وقف إطلاق النار في غزة، ربط ذلك بالقضاء على حماس، أَو استسلام مقاتليها وإلقاء السلاح، ما لم فَــإنَّه مُستمرٌّ في أفعال جريمة إبادة الأبرياء من الأطفال والنساء والمُسِنِّين، وبدونِ تحقُّقِ ذلك الربط، فَــإنَّه لا وقفَ لإطلاق النار، ومع أن صهاينةَ الكونجرس يدركون تماماً أن أفعال جريمة الإبادة، تستهدفُ مباشَرةً الأطفالَ والنساءَ وكبارَ السن وليس مقاتلي حماس، كما زعم ويزعُمُ المجرمُ السفاح نتن ياهو، وأكابرُ مجرمي الإدارة الأمريكية، وتأييدُ ذلك يوم الأربعاء الفائت بتصفيق ووقوف أعضاء كونجرس الصهينة، الذين أقرُّوا بذلك الموقفِ المخزي، أنهم لا يحملون ذرةً من القيم الإنسانية، وأنه لا فرقَ بينهم وبين من يُباشِرُ أفعالَ جريمة الإبادة الجماعية على أرض غزة بحق أبنائها أطفالًا ونساءً وشيوخًا.

وإذا كان ما سبق يجسِّدُ واقعَ شراكة الإدارة الأمريكية في جريمة الإبادة الجماعية بقطاع غزةَ، وشراكة الكونجرس في تلك الجريمة بموقفِه يوم الأربعاء الفائت، وسابِقِ مواقفه المؤيِّدة والمسانِدةِ للمجرم المباشِر لأفعالها؛ فَــإنَّ السؤالَ المطروح بإلحاح ومرارة، هو: إلى متى سيستمرُّ خِذلانُ أنظمة الحُكم العربية والإسلاميةِ، لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزةَ، خُصُوصاً أنظمة الجوار؟ وإلى متى سيستمرُّ سُبَاتُ شُعُوبِ الأُمَّــة الإسلامية، خُصُوصاً بعدَ متابعة الجميع لمواقف الإدارةِ الأمريكية على مدى عشرة أشهر، من التحريضِ والتمويلِ والتزويدِ بالعتاد الحربي والمعدات العسكرية، والتغطية السياسيَّة والحمايةِ من خلال التواجُدِ الكثيفِ لقواتها في محيطِ غزةَ، والمنطقةِ بشكلٍ عامٍّ؟!

وإذا لم تستيقِظْ هذه الشعوبُ بفعل حرارةِ تصفيقِ أعضاءش الكونجرس الصهيوني للمجرم نتن ياهو، وصُراخِ أطفالِ غزةَ، واستغاثاتِ نسائها وشيوخِها؛ فما الذي يُمكِنُ أن يوقظَها من سُباتِها؟!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com