إمامُ الثائرين وملحمتُه الخالدة

أم المختار مهدي

لطالما كان أهل البيت -عليهم السلام- هم منقذو الأُمَّــة وهادوها والمضحون قبل غيرهم؛ مِن أجلِ هدايتها ورشادها.

بعد حادثة كربلاء وتفريط الأُمَّــة بالإمام الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- تسلَّط عليها أظلم الناس وأجرمهم وأشرهم وأفسدهم وأبعدهم عن الرحمة والإيمان؛ ليسعوا في الأرض فسادًا ويملؤوها ظلمًا وجورًا ويضلوا الناس ويبعدوهم عن الهدى والرشاد، فانتشر شرب الخمر في الحانات وفي قصور الولاة والأمراء، وانتشر سب الرسول وآله على منابر الجمعة، ونُهبت أموال المسلمين لتكون للسلاطين وخاصتهم، وعاد الناس إلى الجاهلية إثر التعصب الجاهلي والفئوي وتقسيم المجتمعات إلى طبقات، وإثارة النزاعات والتمييز بين العرب والعجم، ووصلت الأُمَّــة إلى أسوأ حالاتها، وعُرف عن ولاتها بأنهم أجرم ممن تولى الخلافة قبلهم؛ فكان لا بُـدَّ للأُمَّـة من منقذ، وللحق من ناصر، ولدين الله من معلٍ، ولكتاب الله من حامل، فنهض الإمام زيد -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بهذه المسؤولية مقتديًا بجده الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- على طريق جدهما رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان له من المؤهلات العظيمة ما لم تكن لغيره؛ من حيثُ إنه اختلى بالقرآن الكريم ١٣ عاماً حتى سُمي بحليف القرآن، وعُرف آنذاك بعلمه الغزير وفيه يقول محمد الباقر: “لقد أُعطِيَ أخي زيد من العلم، اسألوه فهو يعلم ما لا نعلم”، كما أنه كان أعلم أهل زمانه فصاحة وبلاغة وأدبًا حتى شُبه بالإمام علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-، فهذه المؤهلات وغيرها جعلته إمامًا في الجهاد والاستبسال والعمل على إعلاء كلمة الله تعالى ومجاهدة الظالمين وبذل الروح والدم في سبيل الله.

الإمام زيد -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بثورته العظيمة واجه ملك بني أمية هشام بن عبد الملك الذي عُرف بقساوته وظلمه حتى فاق بهذا الطاغية يزيد، ولكن الإمام زيداً -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بدافع المسؤولية جاهد، وبثقته الكبيرة بالله لم يخش ظلم هشام وجبروته، بل جسد موقفه القوي ضده بقوله: “والله لو لم يكن إلا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه”؛ لأَنَّ تكليفه الديني يأبى السكوت على ما يرى من الظلم والجور والعصيان لله تعالى، ولحرصه الشديد على الأُمَّــة وهدايتها وتحريرها من هيمنة الظالمين، وهذا ما دلَّ عليه قوله: “لوددت أن يدي ملصقة بالثريا وأقع، حَيثُ أقع ثم أتقطَّعُ قطعةً قطعةً ويصلح بي الله أمر أُمَّـة محمد صلى الله عليه وآله وسلم”، وفعلًا مضى في مواجهة الظالمين بكل بصيرة ووعي وشجاعة ولم يخف في الله لومة لائم، ولم يثنه عن مواصلة جهاده تخاذل الأُمَّــة عن نصرته والتفاتها حول الطاغية هشام، بل جاهد كما جاهد آباؤه من قبله حتى صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها؛ ليعبد لكل الأحرار طريق الحرية ويكن لهم ملهمًا في الطريق الحق، ومنارة لكل المؤمنين إلى يومنا هذا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com