الجهادُ في معادلة الصراع العالمي.. من مربع الإسناد إلى فضاء المواجَهة المباشرة والتصعيد الشامل
إبراهيم محمد الهمداني
في خِطابِه المتلفز، على قناة “المسيرة” الفضائية – وعدد من القنوات الفضائية العالمية – الذي لم يتجاوز نصفَ ساعة من الزمن، بتاريخ الخميس 26 محرَّم 1446، الموافق لـ 1 أغسطُس 2024م، قدّم سماحةُ السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله تعالى- كعادته في إطلالته الأسبوعية – إحاطة شاملة ومقتضبة، لمجريات ومتغيرات وحصيلة الأحداث الميدانية والسياسية، وما تمخضت عنه تداعيات العدوان الإسرائيلي – المدعوم من الغرب وأُورُوبا – على أبناء قطاع غزة، مستعرضاً طبيعة المجازر الوحشية الإجرامية، وحرب الإبادة الشاملة، بحق المدنيين المستضعفين، التي عكست طبيعة العدوّ الإسرائيلي العنصري المتغطرس، ونزعته الإجرامية الوحشية المتأصلة، ونفسيته الحاقدة الخبيثة، وكشفت زيف الوجه الحضاري للغرب وأُورُوبا، وسقوطهم القيمي والأخلاقي والإنساني، وشراكتهم الفعلية في كُـلّ جرائم الكيان الوظيفي، بحق أبناء فلسطين خَاصَّة، والعرب والمسلمين عُمُـومًا، وأنهم لا يقلون عن الكيان الغاصب، إجراماً وحقداً وعنصريةً وانحطاطاً، كما فضحت حقيقة بعض الأنظمة العربية، التي اختارت العمالة والنفاق والتطبيع، ووقفت سراً وعلانية، إلى جانب الكيان الإسرائيلي المحتلّ، وقدّمت له كُـلَّ وسائل الحماية والمساعدة والإسناد، وحالت دون تعجيل سقوطه، وكسرت الحصار الاقتصادي، الذي فرضته عليه القوات المسلحة اليمنية، وقامت بتغطية وتلبية كُـلّ احتياجاته، الغذائية والتموينية والعسكرية، عبر جسور برية وبحرية وجوية، وفي المقابل نفذت حصاراً حديدياً مطبقاً، على أبناء قطاع غزة، وأقامت الجُدرانَ الفاصلة الشاهقة دونَهم، ونقاطَ الحراسة والمراقبة المشدّدة عليهم، لتمنعهم – بذلك – حتى من حقهم الإنساني، في اللجوء إلى دول الجوار؛ هرباً من جحيم الحروب والصراعات، وهو الحَقُّ المؤكَّـدُ والمكفول، في قوانين ومواثيق وأعراف واتّفاقيات الأمم المتحدة.
كان مفهومُ الجهاد، هو المرتكزَ الأَسَاسَ، في كلمة سماحة السيد القائد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله -، حَيثُ استطاع توظيفَه، في أبعاده الدينية والتاريخية والقيمية والإنسانية – بحكمة واقتدار – وتقديمَه بوصفه الحلَّ الوحيدَ والأخيرَ، وفعل الضرورة الذي لا بديل عنه، سواء في سياقه المرجعي، بوصفه أمراً إلهياً، وما يترتب عليه من الثواب والعقاب، أَو في سياقه الوظيفي، بوصفه نهجاً عمليًّا، أثبت التاريخ فاعليته ونجاحه المؤكّـد، أَو في سياقه الواقعي، بوصفه الخيار الوحيد، والطريقة الأمثل والأنسب، لردع وكسر جموح وتوحش وإجرام، العدوّ الإسرائيلي الأزلي، بعد سقوط كُـلّ الخيارات، وانسداد كُـلّ الآفاق، وفشل نظريات السلم والسلام، المخدوعة بوهم السلامة، والمخدرة بأحلام المفاوضات والمعاهدات والاتّفاقيات، مع عدو نكث عهوده مع الله تعالى، ولم يرع مقام أنبيائه، بل سارع إلى قتلهم ظلماً وعدواناً.
ومن خلال الربط المنطقي والتسلسلي المنهجي البديع، في الطرح والتناول، خلص السيد القائد عبدالملك الحوثي – يحفظه الله – إلى نتيجة مطلقة، تؤكّـدُ حتمية الجهادِ؛ كونه الخيارَ الأولَ والأخير، في مواجهة عدوٍّ أزلي، والاستراتيجية الوحيدة الكفيلة بحسم الصراع الأزلي، حسب الوعود الإلهية الضامنة لذلك، ومصاديق الأحداث التاريخية الشاهدة بذلك، مؤكّـداً بنا لا يدع مجالًا للشك، أن النهج الجهادي القرآني، هو المصداقُ الرئيسُ لحقيقة وتحقّق الحتميات الثلاث.
إن إعادة ربط الأُمَّــة بربها ودينها ونبيها، وربط ماضيها بحاضرها، بذلك الأُسلُـوب الراقي، ينعكس إيجاباً على عملية تهيئتها النفسية، ويكسبها الطمأنينة والثقة والقوة، في مواجهة عدوها، والسعي إلى قطع شره وخطره ومكره؛ انطلاقاً من الإيمان الراسخ واليقين المطلق، بوعد الله تعالى لعباده وجنوده، بالنصر والغلبة، على عدوه وعدوهم.
يمكن القول إن الخطاب السياسي، يعد بمثابة البيان التمهيدي، المؤسّس لصورة المرحلة القادمة، من المعركة الكبرى، بما يعكس طبيعة التصعيد القادم، الذي سينتقل من مربع الإسناد والدعم، لفصائل الجهاد والمقاومة في فلسطين، إلى إعلان تبني المواجهة المباشرة، الفعلية الجمعية الشاملة، ودعوة كافة الشعوب العربية والإسلامية، إلى النفير العام، والجهاد في سبيل الله؛ كونه فرض عين، واجب على كُـلّ مسلم؛ استجابة لأمر الله تعالى، القائل:- “وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل”، والقائل سبحانه وتعالى:- “انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”، والقائل جل وعلا:- “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”، خَاصَّة أنه سبحانه وتعالى، قد وعد جنده بالنصر، وضمن فوز وفلاح المجاهدين في سبيله، وعلى أَسَاس الدعوة العامة إلى الجهاد، سيكون فرز الناس في مواقفهم، بوصفه سُنَّةً إلهية لا بد منها، ليميز الله الخبيث من الطيب، ويمتاز طرفا معادلة الصراع، بين حَدَّي الحق والباطل، وتصبح المواجهة حتمية ومصيرية، لا مجال لأية هدنة أَو حلول وسطية فيها، ولا يمكن إيقافها إلّا بالحسم المطلق؛ أي أن المرحلة القادمة ستشهد تصعيداً مفتوحاً، ومعركة واسعة النطاق، شاملة لكل فضاءات العمران والحياة، بين معسكري الحق والباطل، حَيثُ تُغلق فيها أبواب المفاوضات الترقيعية، والهُدَن الزائفة، والاتّفاقيات الكاذبة، ليشهد العالم – في أَيَّـام معدودة وميادين متعددة – أعنفَ وأقسى الضربات ضد الباطل؛ لأَنَّ إعلان الجهاد، معناه انتهاءُ وقت إقامة الحُجّـة، وانقضاء زمن الفرصة الأخيرة، وكذلك ستكون نهاية بني “إسرائيل”، لكنها لن تكونَ نهاية التاريخ، كما روَّج لذلك فكرُهم المريض، ونفسيتهم المصابة بعقدة النقص المركبة، وإنما ستكون فاتحة لسيادة الحق والعدل والسعادة، والخير والصلاح والفلاح، وفي نفس الوقت، لن تغلق أبواب عودة المواجهة المتوقعة، وستبقى معادلة الصراع الحتمي، مرهونة بمدى عودة بني “إسرائيل”، إلى صدارة المشهد، بإجرامهم وعلوهم مرة أُخرى، عندها سيكون الله تعالى لهم بالمرصاد، خَاصَّة بعد رفضهم عرض الفرصة الأخيرة من رحمته، لتكون نهايتهم الحتمية، متحقّقة في قوله تعالى: “وإن عُدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً”. صدق الله العلي العظيم.