دلالةُ الألفاظ والمصطلحات القرآنية وأهميتُها في ضبط مسار المعركة
القاضي/ علي يحيى عبدالمغني*
عمل اليهود منذ زمن بعيد على محاربة القرآن الكريم، وإخراجه من ميدان المواجهة ليتمكّنوا من السيطرة على أُمَّـة القرآن، وقد نجحوا في ذلك إلى حَــدّ بعيد، حتى أصبح القرآن الكريم في حياة العرب والمسلمين ظاهرة صوتية لا تتجاوز أحكام التجويد، فالأحزاب والحركات الإسلامية التي تسعى جاهدة إلى تحرير المنطقة من الهيمنة الأمريكية والصهيونية وتخوض حرباً مباشرة مع أعداء الأُمَّــة لم تعد تدرك أهميّة الألفاظ والمصطلحات القرآنية في ضبط مسار المعركة، وتركت ذلك للكتاب والإعلاميين، فهم من أطلقوا على إيران وسوريا وحزب الله والفصائل الفلسطينية والعراقية (محور المقاومة)، وعلى الرغم من اليمن أصبحت رسميًّا وشعبيًّا جزءًا من هذا المحور إلا أن قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- لم يوافق على هذه التسمية؛ كونها لا تعبر عن دافع الشعب اليمني في الانضمام إلى هذا المحور، ولم ترتبط بها الوعود الإلهية بالنصر، ولا تدل على خطورة العدوّ، ولا تحافظ على مسار المعركة معه، ولا تدل على ما يدل عليه اللفظ القرآني (الجهاد) الذي لا يطيق العدوّ سماعه، ولا تترك الأثر الذي يتركه هذا اللفظ في نفوس المجاهدين، وأن التسمية الدقيقة التي تنطبق على توجّـه هذا المحور ودوافعه وأهدافه هي (محور الجهاد)، فهذا اللفظ القرآني هو الذي يعبر عن حقيقة ما يقوم به هذا المحور، وعن دافع الشعب اليمني في الانضمام إليه، وعن خطورة العدوّ الأمريكي والصهيوني، وبه ارتبطت الوعود الإلهية بالنصر، وهو ضمانة هامة في استمرار سير المعركة في الاتّجاه الصحيح، أما لفظ (المقاومة) فهو من الألفاظ التي شاع استعمالها في القرن الماضي من قبل بعض الحركات التحرّرية في الوطن العربي التي قاتلت الاستعمار الغربي للحصول على الاستقلال ثم ما لبثت أن تقاتلت فيما بينها للوصول إلى السلطة، وبقي الاستعمار هو المسيطر على فكرها وشعورها وأهدافها وتوجّـهها حتى اليوم، وحتى لا يستغل العدوّ هذا الخلاف الشكلي بين أطراف المحور جمع السيد القائد بين اللفظين وأطلق على هذا المحور (محور الجهاد والمقاومة)، وهو المصطلح الذي ينبغي على الكتاب والإعلاميين اليمنيين خَاصَّة استعماله في كتاباتهم ومقالاتهم الصحفية والإعلامية وتعميمه في الأوساط الثقافية والأدبية، وهذا ينطبق أَيْـضاً على التسمية التي أطلقتها بعض الفصائل الفلسطينية على المعركة الدائرة اليوم مع العدوّ الصهيوأمريكي في فلسطين المحتلّة معركة (طوفان الأقصى)، فهذه التسمية وإن كانت تدل على خروج الفصائل الفلسطينية المجاهدة من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة القوة وأنها باتت تمتلك من القوة والقدرة ما يمكنها من تدمير الكيان الصهيوني وإخراجه من فلسطين المحتلّة، إلا أن هذه التسمية من وجهة نظرنا ليست دقيقة، وقد يستغلها العدوّ لتشويه الفصائل المجاهدة، ذلك أن لفظ (الطوفان) يتجاوز معنى الحرب أَو المعركة فهو يدل على الهلاك الشامل الذي يعم البشرية، ولا تقتصر آثاره على فئة من البشر أَو منطقة جغرافية معينة بل يعم الجميع، ولعل هذا ما جعل المجرم نتنياهو في خطابه الأخير أمام الكونجرس الأمريكي يصف هذه المعركة بأنها حرب بين الهمجية والتحضر، ولذلك رأى قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، منذ اللحظات الأولى لهذه المعركة أن التسمية الدقيقة لهذه المعركة هي (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس) وذلك إيمَـاناً بالوعود الإلهية بالفتح وانطلاقاً من توجيهاته بالجهاد، وهذا هو الدافع الحقيقي للشعب اليمني وجيشه وقيادته الحكيمة للانضمام إلى هذه المعركة غير مبالين بالتهديدات الأمريكية والصهيونية والبريطانية، ولا شك أن إيمَـان الشعب اليمني وجيشه وقيادته الشجاعة بالفتح الإلهي الموعود وانطلاقهم الجاد من التوجيهات القرآنية بالجهاد في سبيل الله وقناعتهم الراسخة بعدالة القضية الفلسطينية وقدسية هذه المعركة هو من جعل منهم قوة كبرى فاجأت العدوّ والصديق في هذه المعركة، وجعلت العدوّ الأمريكي والصهيوني ينظر إليهم كخطر حقيقي يتهدّد وجودهم في المنطقة، ويجعل لضرباتهم وعملياتهم ذلك الأثر الكبير الذي لم يخطر على بال أحد منهم، سواء في البحار والمحيطات أَو في عمق الكيان الصهيوني، وهذا يدعو كافة الحركات والشعوب الإسلامية وغير الإسلامية التواقة للانعتاق والتحرّر من الهيمنة الأمريكية والصهيونية إلى الاستفادة من هذه التجربة اليمنية الفريدة، واهتمام المسيرة القرآنية وقيادتها الربانية بالألفاظ والمصطلحات القرآنية ظهر منذ نشأت هذه الحركة التي أسسها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-، فبعد احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان وتهديدها بضرب اليمن وسوريا، وانبطاح العرب والمسلمين -حكام ومحكومين، جيوش وأنظمة، أحزاب وتيارات- للهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، وما يعانيه الشعب الفلسطيني من مجازر وإبادات، وما تعانيه الأُمَّــة من خلافات وصراعات -حزبية وطائفية، مناطقية وعرقية- هو ما دفع الشهيد القائد إلى طرح هذا المشروع القرآني على الأُمَّــة العربية والإسلامية، فهو المشروع الوحيد القادر على توحيدها، وإخراجها من هذه الصراعات والهيمنة، والسلاح الحقيقي لمواجهة أعدائها، وحتى لا تقع هذه الحركة فيما وقعت فيه غيرها من الحركات والتيارات الإسلامية، أَو تحسب على جهة سياسية معينة جعل الشهيد القائد الباب مفتوحاً أمام كافة الأحزاب والمذاهب والتيارات العربية والإسلامية للانتماء إلى هذه الحركة التي أطلق عليها (المسيرة القرآنية)، ووصف كُـلّ من ينتمي إليها بأنه من (أنصار الله)؛ فهؤلاء وحدَهم هم القادرون على الدفاع عن أبناء الأُمَّــة كافة، ونصرة المستضعفين من عباد الله في مشارق الأرض ومغاربها، وحتى لا تنحرف بوصلة هذه الحركة جعل شعارها (الله أكبر-الموت لأمريكا -الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود -النصر للإسلام)، وهي ألفاظ قرآنية لا تمس نظاماً من الأنظمة العربية، أَو حزباً من الأحزاب السياسية، أَو طائفة من الطوائف الإسلامية، وهذا كافٍ لأن تجتمع الأُمَّــة على هذه الأهداف والغايات الإيمَـانية، وتلتف حول هذه الحركة التي جاءت لإنقاذها من الضلال والضياع التي هي فيه، وتسير في هذا المشروع القرآني القادر على مواجهة المشاريع الغربية التي تستهدفها، لا أن تقف هذه الأنظمة والأحزاب والطوائف في وجهها؛ خشيةً على مصالحها الفئوية الضيقة؛ ودفاعاً عن المصالح الغربية التي تستهدف المنطقة، ولولا أن هذه الحركة حظيت بتأييد إلهي منذ نشأتها لتم القضاء عليها في مهدها، وها هو الشعار الذي سخرت منه هذه الأنظمة والأحزاب والطوائف بات حقيقة لا يستطيعون إنكارها، وباتت هذه الحركة التي تآمروا عليها في مواجهة مباشرة مع الأمريكي والصهيوني، وباتت هي السند والمدد الحقيقي للمستضعفين في فلسطين، وباتت تلك الأحزاب والجماعات التي كانت تزايد بموقفها من فلسطين، وتتغنى بشعاراتها، وتجمع ملايين النقود باسم المجاهدين في غزة هي اليوم في صف من يقاتل غزة، ويتآمر عليها، ويسعى لإبادتها، والأكثر من ذلك أنها تعتبر في من يقف اليوم مع غزة تهديداً للأمن والسلام الإقليمي والدولي، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
* أمين عام مجلس الشورى