من “عروس البحر إلى مدينة الرعب”.. ماذا لو ضرب محورُ المقاومة حيفا الاستراتيجية؟
المسيرة – إبراهيم العنسي
حيفا التي كانت توصَفُ بـ “عروس البحر” ما قبل قدومِ قُطعان الاستيطان إلى فلسطين، أصبحت اليومَ مدينةَ الرُّعب والخوف؛ فهي اليوم في واجهة الاستهداف المقاوِم، بما تُمَثِّلُ من قيمة عالية لدى محور المقاومة.
من أهمِّ المناطق الحيوية للكيان، ومن أهم المدن التي يمكن أن يستهدفها محور المقاومة، فإلى جانب أن فيها أكبر ميناء بحري، تضم هذه المدينة مرافقَ نفطيةً وعسكرية اقتصادية؛ “فحيفا” منطقة استراتيجية تضمُّ منشآتٍ عسكريةً، ومرافقَ صناعية، وتجارية ضخمة، أهمُّها قاعدة “حيفا” العسكرية، المسؤولة عن الساحة البحرية الشمالية، وهي القاعدة البحرية الأَسَاسية في جيش العدوّ الإسرائيلي، وميناء حيفا المدني هو الأكبر في “إسرائيل”.
هناجر صيانة السفن، رصيف ومرسى الغواصات، سفن ساعر 4 – 5، ومبنى وحدة مهمات الأعماق، وتتبع الغواصات، وغيرها من النقاط، والتي تجعل من استهدافها كارثةً خطيرةً على الأمن القومي الإسرائيلي، إضافة إلى الخسائر البشرية الهائلة.
فماذا لو استُهدفت حيفا بنيران محور المقاومة، حَيثُ بات الثأر متعدِّدَ الجبهات، حَيثُ مساعي النتن ياهو، لجرِّ المنطقة إلى حرب شاملة، مُنيَتُه للنجاة من الغرق السياسي والملاحقات الجنائية الدولية؟
بعد نشر فيديو هدهد حزب الله، طالب رئيس البلدية، يونا ياهف، حكومة الكيان المحتلّ، بوضع خطة للدفاع الشامل عن “حيفا” وإيجاد حَـلٍّ عسكري؛ مِن أجلِ إزالة التهديد من الشمال”، متسائلاً: “لماذا منذ بداية الحرب لم يكلف رئيس الأركان والقيادة العليا لجيش الدفاع الإسرائيلي نفسَيهما عناء زيارة “حيفا” والاستماع من إدارة البلدية حول احتياجاتنا، ونشاط جيش الدفاع الإسرائيلي لحماية مئات الآلاف من سكان حيفا إلى أقصى حد”، مضيفاً: “يثير الفيديو تهديدات إضافية ضد حيفا، والتي يجب معالجتها بأسرع وقت”.
صور الطائرة المسيّرة لحيفا، قدّمت تفاصيلَ كثيرة عن حظائر السفن، ومبنى في قاعدة بحرية، ومبانٍ تابعةٍ لوحدات النخبة، وأرصفة، وصواريخ هجومية، وسفينة مساعدات، إضافة إلى منشآت رافائيل، بما في ذلك القبة الحديدية، ومستودعات محركات الصواريخ، ومقلاع الغلايات والرادار، والمواقع المدنية مثل الأحياء السكنية والمراكز التجارية.
وتظهر بلدية “حيفا” خشيتَها المتزايدةَ حول استهداف خليج حيفا أكثر من أي شيء آخر، بحسب ما نقلت صحيفة يديعوت أحرنوت فَــإنَّ منطقة خليج حيفا والمصافي تسبب قدراً كَبيراً من القلق، حَيثُ تكافح البلدية ومسؤولو الجبهة الداخلية لكيان العدوّ لإيجاد حلول لهذه المسألة الحساسة، والتي تمثل أحد نقاط الضعف الكثيرة في الداخل الإسرائيلي المهترئ.
لقد أظهرت رئيسة جمعية المدن لحماية البيئة في خليج حيفا، ساريت جولان شتاينبرغ، حالة الخوف كوضع يعم مدن الكيان بما فيها الخوف الذي يسيطر على سكان وبلدية الاحتلال الإسرائيلي في حيفا، حَيثُ الخشية من توسع الحرب.
قالت بأنها “تقلق من أن قيادة الجبهة الداخلية ليست مستعدة حقاً للتعامل مع إطلاق الصواريخ، والأضرار التي قد تلحق بمصانع البتروكيماويات”، مضيفة: “أذكركم أنه حتى الآن، على الرغم من المطالب المتكرّرة، لم تُجْرِ الدولة مسح المخاطر لخليج حيفا لحالات الطوارئ، وبالتالي فَــإنَّ أي تقييم للوضع يتم إجراؤه لسيناريوهات المواد الخطرة لا يسمح حقاً بالاستنتاجات المثلى فيما يتعلق بالمراكز السكانية القريبة من المصانع”.
مخاطرُ كبيرةٌ على المدينة:
وتصور صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، حال حيفا والخليج فيما لو نشبت حربٌ مع حزب الله ومحور المقاومة من اليمن إلى العراق وانضمام إيران بتوجيهها ضربةً غير مسبوقة، حَيثُ ترى الصحيفة الإسرائيلية، أن تلك المواجهة بادئ الأمر ستخلِّفُ مئات القتلى وآلاف الجرحى، وانقطاع التيار الكهربائي لفتراتٍ طويلة.
ومن المتوقع أن تكون هناك مشاكلُ في الاتصالات ونقص في الوقود، إلى جانب أن 60-70٪ من العمال لن يحضروا إلى العمل، بما في ذلك سائقو الشاحنات للإمدَادات الأَسَاسية والمواد الغذائية، وعمال البناء لترميم المباني، وأعضاء هيئة التدريس والموظفين الطبيين”.
متوقعة أضرارًا لمخزونات المواد الخطرة، وحرائقَ في مرافق البتروكيماويات، مثل خزانات الغاز، فيما ستركز أنظمة الدفاع على حماية المنشآت العسكرية، ولن تنجح في منع الأضرار التي لحقت بجميع الصواريخ.
وتشير العديد من التقارير إلى أنه إذَا أصاب صاروخٌ، أَو طائرةٌ بدون طيار برميلًا وأطلق الموادَّ الموجودة فيه، فَــإنَّ الخطرَ سيصلُ إلى ربع مليون شخص على الأقل في المنطقة المجاورة، والمعروفة باسم حيفا والكريوت.
وفي هذا الإطار، حثَّت رئيسة بلدية حيفا، يونا ياهاف، جميع السلطات على اتِّخاذ خطوات عاجلة لحماية حيفا، معتبرة أن المصانع في حيفا، يمكن أن تسبِّبَ أضرارًا جسيمةً في حالة نشوب حرب، وفقًا لما ذكرته إندبندنت أرابيا.
في اجتماعٍ عُقد بين رؤساء بلديات مدينة حيفا، ورؤساء بلديات المقاطعات، نوقشت الاستعداداتِ للأخطار التي تواجه المدينة ومحيطها والمنطقة، وكان الشاغل الرئيسي الذي نوقش في الاجتماع هو المواد الخطرة الموجودة في المصانع الضخمة في خليج حيفا، وكان المطلب الأبرز في الاجتماع، الذي دعا إلى إخلاءِ جميع المواد الخطرة، هو إخلاء مصافي النفط.
تقدَّم العديدُ من المسؤولين إلى الوزارات المعنية، وطلبوا نقلَ المصافي، ولكن لم يتم الحصول على نتائج. ويقول الخبراء والمسؤولون: إن “إسرائيل” لن تتمكّنَ من إخلاء المصانع الخطرة وإنه حتى لو بدأت في نقلها اليوم، فَــإنَّ الإخلاء سيستغرق أشهرًا.
براميلُ بارود:
ويعتبر ميناء حيفا موقعًا استراتيجيًّا خطيرًا؛ بسَببِ الحاويات التي تنتظرُ الشحنَ والصهاريج التي تحتوي على كمياتٍ كبيرة من المواد الخطرة.. هناك أَيْـضاً العديدُ من القواعد العسكرية، ومستودعات الأسلحة في المنطقة الواقعة بين خليج حيفا ومينائها، وكلها براميل بارود. لذلك، فَــإنَّ أدنى شرارة يمكن أن تسبب كارثة.
أما أهم المنشآت التي يخشى العدوّ الإسرائيلي استهدافَها من محور المقاومة، فيمكنُ ذكرُ جزءٍ مهمٍّ منها وهي:
موانئُ حيفا في وجه العاصف:
تسودُ كيانَ الاحتلال مخاوفُ كبيرةٌ من تبعات خروج ميناءَي حيفا عن العمل في حال شن هجوم كبير عبر محور المقاومة، وتتخوف دوائر صنع القرار في “تل أبيب” من أخطار مواجهة نقص حاد في إمدَادات المواد الغذائية في حال استهداف ميناء حيفا وميناء سفن “إسرائيل” المتاخم له، وهما أكبر موانئها.
ذكرت صحيفة “ذي ماركر” الاقتصادية أن الاحتلالَ يعتمدُ بشكل مطلقٍ في استيراد المواد الخام التي تُستخدم في صناعة المواد الغذائية على ثلاثة موانئ، وهي حيفا وسفن “إسرائيل” وأسدود. والمرجح أن يقع الميناءان في حيفا ضمن دائرة الأهداف التي سيضربها محور المقاومة؛ مما سيجعل دولة الاحتلال تعتمد بشكل مطلق على ميناء أسدود المملوك للدولة في استيراد المواد الغذائية والمواد الأَسَاسية التي تُستخدم في صناعة هذه المواد.
وقد أصدرت وزارة المواصلات الإسرائيلية مطلعَ الأسبوع الجاري بياناً أكّـدت فيه أن ميناء أسدود وميناء الجنوب، المقام بالقرب منه والمملوك لشركة “TIL” السويسرية قد أجريا استعداداتٍ ليكونا بديلاً عن ميناءَي حيفا وسفن “إسرائيل”؛ ومما يفاقم الأمور تعقيداً، كما ترى الصحيفة، أن كفاءة ميناء أسدود قد تراجعت إلى حَــدٍّ كبير، إلى درجة أن مستوردي المواد الغذائية، ووكلاءَ السفن التجارية التي تنقل المواد الخام التي تُستخدم في الصناعات الغذائية يحرصون على عدم التوجّـه إلى هذا الميناء، والتوجّـه بدلاً عن ذلك إلى ميناءَي حيفا وسفن “إسرائيل”؛ نظراً إلى تدهور مستوى الخدمات التي يقدمها للسفن.
والمشكلَةُ الرئيسةُ التي تواجهها السفن التي تتوجّـه إلى ميناء أسدود في حال تم استهدافه، تتمثل في أن الآليات والإمْكَانات المستخدَمة في تفريغ حمولة السفن المتجهة إليه غير متطورة بشكل يقلص من إمْكَانية الاعتماد عليه في استيراد المواد الأَسَاسية التي تستخدم في الصناعات الغذائية، مثل القمح الذي يستخدم في صناعة الخبز، والأعلاف التي تُستخدم في تغذية الأبقار والدجاج التي تعد مصدرَ اللحوم الرئيس الغذائية، فضلاً عن الصويا التي تُستخدم في كثير من الصناعات الغذائية.
بحسب المعطيات التي ذكرتها الصحيفة، فَــإنَّ 75 % من المواد الغذائية تم استيرادُها العام الماضي عبر ميناءي حيفا وسفن “إسرائيل”، في حين أن 25 % فقط تم استيرادُه عبر ميناء أسدود؛ مما يعني أن “إسرائيل” يمكن أن تواجه نقصاً في تأمين استيراد المواد الغذائية بنسبة 75 %.
مجمعُ حيفا البتروكيميائي:
ويعتبر واحداً من أهم المراكز الاقتصادية في “إسرائيل”، وأكثرها حساسيةً؛ لكونه يضم العديد من المنشآت التي تعالج وتخزن المواد البتروكيميائية، بالإضافة إلى الميناء التجاري على ساحل المتوسط.
ويتألَّف المجمعُ من عدة منشآت حيوية وهي:
– الخط الشمالي: ويقع إلى الشمال من منطقة كيشون على أرض أُعدت خصيصاً لهذا الغرض؛ بسَببِ بُعدها عن المناطق المأهولة بالسكان، وقُربها من مراكز الصناعات البتروكيميائية.
ويضم هذا الجزء من المجمع نظاماً من الأنابيب تحت الأرض لنقل الميثانول ومواد بتروكيميائية أُخرى، ومستودعات لتخزين الأمونيا والإيثيلين، بالإضافة إلى العديد من منشآت الخدمة المسانِدة لتوفير النتروجين (الأزوت) ومياه الشرب، والهواء المضغوط، وأنظمة مكافحة الحرائق وجسر الوزن.
– الخط الجنوبي: يقع في نهاية رصيف الشحن العام في منطقة كيشون، ويضم سبعين خزاناً موُصُـولاً بأنابيبَ إلى مِنصة لتخديم سفينة واحدة.
– الميناء: الجزء الشرقي مخصص للتعامل مع المواد المشتقة من البترول، يتوزع على مساحة تكفي لرسو سفينتين في وقت واحد بقدرة تفريغ تصل إلى ألف طن في الساعة الواحدة.
أما المرساة الخارجية فهي عبارة عن منشأة طافية في خليج حيفا شمال الميناء بطاقة تفريغ ألفين وخمسمِئة طن في الساعة، ويتم فيها تفريغ شحنات النفط الخام الواردة على متن الناقلات الضخمة قبل نقله عبر أنابيب تحت الماء إلى مستودعات التخزين، ومن هناك ينقل إلى مصفاة حيفا.
– الخزانات: تقع في منطقة كيريات حاييم بواقع 41 خزاناً، تبلغ سعتها الإجمالية 937 ألف متر مكعب من النفط الخام، بالإضافة إلى 17 خزاناً بسعة 157 ألف متر مكعب موجودة في الميناء الرئيسي، مخصصة لتخزين النفط الخام الثقيل والخفيف والديزل والكيروسين والغازولين.
– المصافي: تؤمن كافة احتياجات الكيان المؤقت من المواد البترولية ومنها الغاز الصناعي والمنزلي، والبارافين، والكيروسين، ووقود الديزل البحري، والنفط الخام بنوعيه الثقيل والخفيف، وتتمتع بطاقة تكرير تصل إلى 13 مليون طن من النفط الخام سنوياً، وتتصل مصفاة حيفا بواسطة الأنابيب بمصفاة أسدود، التي تعتبر من أكبر مصافي النفط في العالم، وتقع جنوباً على ساحل المتوسط.
مجمعُ المصافي في حيفا:
يعتبر واحداً من أهم المراكز الاقتصادية في الكيان، وأكثرها حساسيةً؛ لكونه يضم العديد من المنشآت التي تعالج وتخزن المواد البتروكيميائية، بالإضافة إلى الميناء التجاري على ساحل المتوسط، وتبلغ الطاقة التكريرية للمجمع حوالي 25 ألف طن من النفط يوميًّا.
مجمعُ الصناعات العسكرية – رفائيل:
“مجمّع الصناعات العسكرية – شركة رفائيل، منطقة صناعية عسكرية تتبع لشركة رفائيل، تضم عدداً كَبيراً من المصانع والمخازن وحقول التجارب، ويجري فيها تصنيعُ وتجميع مكونات أنظمة الدفاع الجوي الفعّال، خُصُوصاً القبة الحديدية ومقلاع داوود”.
وهي المنطقة التي أكّـد حزب الله أنها منطقةٌ بالغة الحساسية والسرية، وتبلغ مساحتها الإجمالية 6.5 كلم مربع وتبعد عن الحدود اللبنانية 24 كلم”.
وأظهرت اللقطات مِنصّات القبة الحديدية، ونفق اختبار محركات صاروخية، ومخازن محركات صاروخية. كذلك، أظهرت المشاهد منصة مقلاع داوود، مصانع أنظمة التحكم والتوجيه، راداراً للتجارب الصاروخية، المباني الإدارية الخَاصَّة بالشركة، وغير ذلك من النقاط الاستراتيجية المفصَّلة.
الكريوت:
والتقط الاستطلاع الجوي كذلك ما يُسمّى “الكريوت”، وهو بحسب حزب الله تكتلاً عمرانياً عالي الكثافة، يحاذي ساحل خليج حيفا، ويقع شمالي المدينة المحتلّة، يبلغ عدد سكانه نحو 260 ألف مستوطن، ويضم 6 مدن وأحياءً كبرى، هي كريات يام، كريات موتسكين، كريات أتا، كريات بياليك، كريات حاييم، كريات شموئيل، وتبلغ مساحته نحو 20 كلم مربعاً، ويبعد عن الحدود اللبنانية 28 كلم”.
محطة حيفا (32.81175°، 35.021778°)
وهي المحطةُ البخارية الأولى لتوليد الكهرباء في فلسطينَ المحتلّة، بحيث تم بناؤها في العام 1925م، وتنتج الكهرباء لما يصل إلى 828 ميغاوات.