الإمامُ الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين في يمن الإيمان والحكمة
ق. حسين بن محمد المهدي
مما لا ريب فيه أن الخير أَجَلُّ بَضاعة، وأن العدل والإحسان أفضل زراعة، ولهذا أمر الله به في كتابه، وجعله زينة لعباده (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحسان وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
مواعظ في القرآن يجب أن يتحلى بها ولاة الأمر والحكام أدركها أهلُ الحكمة والإيمان في يمن الإيمان، فكانت على إيمانهم برهان، ولأخلاقهم في اختيار ولاة الأمر عنوان (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإلى اللَّـهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).
لقد كان أهل اليمن سابقين إلى الإحسان إلى عترة محمد -عليه وآله الصلاة السلام- كما كانوا سابقين إلى الإسلام ونصرة نبي الإسلام.
فوضع الشيء في موضعه وسداد الأمر وصوابه والبحث عن الحق والأخذ به حكمة، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أهل اليمن بالحكمة، ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خيراً كَثيراً.
فبينما كان غيرهم قد تسابقوا إلى وضع ولاية الأمر في غير موضعها من ملوك الجور في الدولة الأموية والعباسية التي ظهرت ذنوبها، وكثرت عيوبها، وصار مادحهم من الناس ذاماً وهاجياً، ووليهم معادياً، وتلك سنة الله في عباده، فَــإنَّ من تغلب في الوصول إلى رتبة رفيعة بغير عقل ولا علم فَــإنَّ الجهل يزله منها ويزيله عنها.
لقد كان لأهل اليمن أهل العلم والحكمة فضل اختيار إمام اليمن الميمون الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الحسن بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب -عليهم السلام- الذي انتشر فضله في الآفاق والذي بلغ مرتبة الاجتهاد في نحو خمسة عشر سنة كما ذكر ذلك العلامة المحقّق أحمد بن عبدالله الجنداري وغيره من العلماء.
وقد كاتبه أهل اليمن وبايعوه وبايعه أبو العتاهية ملك صنعاء وجاهد معه واستشهد في بعض حروبه.
وكان وصوله إلى اليمن في ٦/صفر/٢٨٠هجرية.
ودخل صنعاء لسبع بقين من محرم سنة ٢٨٨هجرية، ثم تنقل في جهات اليمن لإصلاحها، واستقام له أكثر أهل اليمن وهدى أهلها إلى القول بالعدل والتوحيد، والتزم في سيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان لا يأخذ الزكاة إلَّا إذَا بلغت الزكاة خمسة أوسق كما ورد في السنة.
وكانت سيرته عطرة، وأخلاقه على هدي النبوة، ولهذا امتد أثره، وكثر أتباعه، وبقيت الدولة في عقبه لأكثر من ألف ومائتي عام، وله مؤلفات كثيرة منها: الأحكام والمنتخب والفنون والمسترشد وكتاب الديانة وكتاب المناهي وغير ذلك من الكتب التي تعتبر مرجعاً للزيدية وتستفيد منها الأُمَّــة الإسلامية.
فمن عرف درجة العلماء ومكانتهم انكب على العلم والعمل، كيف وقد قال الله سبحانه وتعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ).
فالعلم عصمة الملوك والأمراء وولاة الأمر؛ لأَنَّه يمنعهم من الظلم، ويردهم إلى الحلم، ويعطفهم على الرعية، فحق الأمراء أن يعرفوا فضله ويستبطنوا أهله.
وقد كان لأهل اليمن فضيلة نصرة الإمام الهادي إلى الحق ودفع الظلم والعقائد الفاسدة، فليس في اليمن بحمد الله وبفضل العلوم التي بثها الإمام الهادي فَــإنَّها لا توجد مجسمة ولا مشبهة ولا مجبرة ولا غلو في يمن الإيمان، فبالراعي تصلح الرعية، وبالعدل تساس البرية، ويستقيم الأمر.
فدين الإسلام هو دين الكمال الذي جاء ليأخذ بيد الإنسانية نحو الوحدة والقوة والخير للبشر أجمعين، لقد صار أهل اليمن وأئمتهم على منهاج النبوة.
وهَـا هو السيد العلم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- يجدد للشريعة منهاجها ويؤسس لمحاربة الصهيونية اليهودية ويدعو إلى تحرير القدس الشريف ويسير على نفس المنهاج المجاهد الكبير السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- فتسمو اليمن وترفع راية الإسلام عالية خفاقة وتجدد مسيرة الجهاد، ويكون لليمن الشرف الكبير والفضل العظيم في نصر الإسلام والمسلمين في مختلف العصور والأزمنة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وغداً بإذن الله نسمع عن أنصار الله في مسيرة جهادهم ما ترتفع به رؤوس المؤمنين ويعز الله به هذا الدين (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
فنصرة فلسطين واجب إسلامي وأخلاقي وإنساني لا يجوز التخلي عنه في هذه الظروف العصيبة التي تسفك فيها الصهيونية دماء الشعب الفلسطيني وتغتال رموز وقادة نالوا الشهادة فالسير على طريقهم جهاد في سبيل الله ونصرة للمظلومين هو دأب المخلصين المجاهدين (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالقرآن وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.