أمةٌ بمستوى الصّراع العالمي
أمة الملك قوارة
على جنباتِ شعوب تتوقدُ بالهمةِ وتشتعل بالعزيمةِ وتتوعد بالموقف وتتكلم بالفعل، وذاك هو حال شعبنا الذي دخل ساحة الصراع مدركاً لحجم المرحلة ومحدّداً للهدف وثابتاً على الموقف، متوكلاً على الله وقابلاً بالنتيجة، واثقاً بالنصر، مقدماً شتى التضحيات في سبيل قضيته، شعب أصبح يعرف جيِّدًا أنه دخل عمق المعركة، وأصبح الصراع الذي يقوده حتمياً عليه، صراع تجاوز حدود الدولة والإقليم؛ ليكون بمستوى المواجهة مع طواغيت العالم ومجرميه، ودخول المعركة بهذا القدر من العمق لم يحدث لمُجَـرّد التفاعل اللحظي أَو الزمني المحدّد مع حدث ما!، بل هو التغير الإلهي الذي ضَمن أن يكون الشعب المؤمن ضمن معادلة المعركة الكبرى التي لطالما تمسك بقضيته وواجبه تجاهها ورغب كَثيراً فيها، وأن يواجه العدوّ مباشرة دون أذرعه، وأن يكون ضمن المحور ومسؤوليته في الحفاظ على كرامة الإسلام والمسلمين وقد تحقّق ذلك بفضل الله..
لم نكن نعرف أننا سنخوض حروباً لسنوات طِوال؛ لتُأهِلنا للمواجهة مع طواغيت العالم على اختلافهم، وبالرغم من أن القضية كانت مزروعة في أعماقنا إلا أن المسيرة القرآنية أتت لتجعل من تلك القضية واقعاً عمليًّا بعد أن كانت في دائرة الجمود ونطاق القول فقط!
إن الشعب اليمني اليوم يعي جيِّدًا جحم المرحلة التي يعيشها، وخطورة التفريط وأهميّة الثبات والتضحية وموقفه واضح، ومن لم يعِ ذلك بعد! ولم يدرك أُطر وعمق المعركة فليعلم أنه لا مناص له من الهروب والمواجهة، وأنه إن لم يكن مع الحق ثابت عليه، ومدرك مسؤوليته ومقدم واجبه تجاهه فهو لا شك مع الباطل، ولطالما تردّدت جملة أن المسيرة القرآنية سَتُغربلُ الناس وسَتفّضح توجّـههم وتعَاينُ إيمانهم ولطالما تكرّر السؤال: كيف ذلك؟! وهل ستفضّح المنتمين إليها وغيرهم أَيْـضاً، لتأتي المرحلة بغرّبالها وغزة شبابِيكها تنسف الناس وتغربلهم وَتثمنُ المواقف ولتثبت الإيمان والإسلام من عدمه، وهَـا هي المسيرة والمنتمون إليها في تزاحم على خط الجهاد بأشكاله وألوانه! فماذا يمثل ذلك؟ إنها الثوابت القيمة والهُــوِيَّة المتجذرة وهو الموقف الذي انطلق من عمق الانتماء للقرآن ومساره الحقيقي في بناء الإنسان وإثبات واجبه تجاه كرامته وأحقيته في استخلاف الأرض إصلاحاً والقضاء على الجبروت والفساد، ولقد بان أُولئك المتخاذلون بأنواعهم؛ الذين لطالما تصدوا للمسيرة وأنصارها واليوم نراهم واقفين والصمت يختمرهم ليثبتوا لأنفسهم وللأُمَّـة بأنهم خالون من أية قضية، مفرغون من المبادئ، ومبدأ الانحياز الذي لطالما تعنونوا به وتعذَّروا بأن الأمور والقضايا مبهمة! اليوم بسكوتهم تجاه غزة أُزيل الستار عنهم وانكشفوا عُراة وبانت سوءتهم، وبقت أُمَّـة القرآن ومسيرة الجهاد تثقل كفة الميزان وتثبت أنها هي الإنسانية والإنسان والأخلاق، وهي القيمة الحقيقية للحياة والمسار الصحيح..
إن المرحلة تقول برز الإيمان كله للكفر كله، وهو البروز الذي يجب أن يكون فيه الفرد والأمة بكامل الوعي، انتباه وحذر وتحَرّك وبصيرة؛ بقدر ما هي عليه المرحلة من خطورة وأهميّة، أي بمستوى الوعي كله! وهذه هي الجملة التي يجب أن يقف الجميع عندها مستدركاً، فنحن أصبحنا بمستوى الصراع العالمي الذي وقفت فيه قوى الشر غير محتكمة لأي قانون أَو عرف أَو إنسانية، خالية تماماً من أي خُلق، والمعركة معها ليست عسكرية فحسب كما يظنُّ البعض بل هي معركة وجود أَو عدم وهي في شتي المجالات، وهي الضرورة التي يجب أن نصبح معها بمستوى الوعي والبصيرة والصبر؛ لأَنَّها العوامل التي ستجعلنا ثابتين في ميدان المعركة وستسرع بالنصر في المواجهة، ولندرك هنا أن أذرع العدوّ تحاول أن تمتد على جوانب الحياة محاولة الاستفادة من مكامن الضعف واستغلال الثغرات وتوظيف العشوائية في التحَرّك لصالحها ولو كان الخطأ بسيطاً ولو بمستوى كلمة!
إن تلك الكثافة التي يتحَرّك بها العدوّ من الظلم والإفساد والجبروت والطغيان، يجب أن يكون هناك أضعافها بالمقابل من جانب أُمَّـة الإيمان والإسلام، وهو الوقت الذي يجب أن يكون فيه الفرد بمستوى أُمَّـة من العزيمة والتحَرّك والتأثير الإيماني الفعال والجهاد المقدس؛ لإخراج الأُمَّــة من الظلم الذي وقع بها، وأن أقل ما يمكن تقديمه لانتشالها مما هي فيه هو الاستشهاد والتضحية بالمال والأرواح فكيف ببقية أنواع الجهاد، إنها ضئيلة مقارنة بما حصل من تفريط! حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن، وفي حين حصل التفريط ممن أرد الله منهم الدفاع عن شرف الأُمَّــة فستصير الأُمَّــة وشعوبها إلى ما صارت إليه غزة ولعلّ غزة مُجَـرّد مثال بسيط فقط! فهل هو التماهي واللا مسؤولية والمزيد من التفريط والسؤال موجه لمن لا زالوا مفرطين! أم هو الاستيقاظ الشامل للأُمَّـة؟!