دمٌ وشرف.. بارودُ المعركة المفتوحة
دينا الرميمة
خلال جلسة مجلس الأمن التي دعت إيران لعقدها على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية على أراضيها، لفت انتباهي جملة قالتها مندوبة بريطانيا لدى المجلس خلال كلمتها ذكرت فيها “أن الرصاص والعنف لا يصنعان السلام”.
وهي هنا قد تكون محقة، غير أن مثل هذه الكلمات من المفترض إلَّا تأتي منها لا سيَّما وقد أردفتها بحق الكيان الصهيوني بالدفاع عن نفسه على أرض يحتلها، وربما كان عليها مراجعة تأريخ بريطانيا الاستعماري وكم دولة حاولت بريطانيا احتلالها بالرصاص والعنف على رأسها فلسطين التي دمّـرت السلام فيها منذ أن جمعت اليهود من كُـلّ أزقة الأرض وأتت بهم إليها وعلى جزء منها منحت لهم وطناً على حساب شعب ما زال حتى اليوم يروي بدمه أرض تتطلع لسلام يذبح يوميًّا بالرصاص والبارود البريطاني والأمريكي وَبالفيتو البريطاني والأمريكي على عتبات مجلس الأمن وطاولات السياسة الخبيثة؛ ما جعل الصهاينة يوسعون عملياتهم الاستيطانية طالت أجزاء من لبنان والأردن وسوريا منتهكين سيادة الدول وكلّ قوانين السلام.
وبوجودهم على أرض فلسطين جعلوا من الشرق الأوسط قنبلة موقوتة إثر أعمالهم الخبيثة في الشرق الأوسط على مدى ستة وسبعين عاماً، ربما تنفجر إيذاناً بحرب عالمية ثالثة على خلفية حرب الإبادة التي يرتكبها الصهاينة منذ عشرة أشهر في غزة طمعاً في أن تخلع ثوبها الفلسطيني وتلبس ثوب الاستيطان، وبدعم أمريكي وبريطاني استباح الصهاينة كُـلّ محرم في غزة وحولوها إلى أرض محروقة تملؤها الجثث وَيعلوها الدمار وَيتلهف من عليها لأوكسجين لا يلوثه دخان الصواريخ والقنابل البريطانية والأمريكية!!
وعلى الرغم من أن هذه الحرب جاءت على عكس ما يتمنى الصهاينة وأمريكا، تجرعوا فيها مرارة الهزيمة وخسائر مادية وبشرية، مع خسارة الكثير من داعميهم ومؤيدي دولتهم، في وقت لم تعد غزة وحيدة كما هي عادتها في حروبها مع الكيان الصهيوني بعد أن انضم محور المقاومة لمناصرتها سواء من اليمن التي أذاقت الصهاينة ويل الحصار الذي يمارسونه على سكان غزة في حرب البحار، التي استنزفت اقتصادهم وجرعتهم مرارة الخوف من الطائرات والمسيّرات اليمنية التي تصل بنجاح إلى عمق المدن المحتلّة آخرها المسيّرة “يافا” التي وصلت إلى مركز كيانهم في عملية تؤكّـد هشاشة أنظمة دفاعاتهم ومستوى فشلهم في الحرب على أكثر من جبهة!!
أَو بعمليات حزب الله اللبناني التي أحرقت الشمال المحتلّ وأخلته من المستوطنين، إلى جانب عمليات المقاومة العراقية، إلَّا أن الكيان الصهيوني لا يزال يُمني نفسه بنصر يستعيد به هيبته التي دمّـرها الطوفان، يستمرّ في حرب يتكئ فيها على الحصن المنيع الذي حصنه به الغرب وأمريكا ما جعله يتجاوز كُـلّ الخطوط الحمراء، خَاصَّة بعد خطاب حفلة التصفيق الذي ألقاه نتن ياهو في الكونجرس الأمريكي وَحضره البعض وقاطعه البعض الآخر من المعترضين على سياسته وفيه استعرض هزائمه وجرائمه معًا، مطالباً بالمزيد من الدعم للقضاء على من تبقى من سكان غزة، فعاد بعده محملاً بضوء أخضر باغتيال القادة السياسيين ودعم مكنه من انتهاك سيادة الدول وأمنها بداية بعملية استهدفت مبانيَ سكنيةً في الضاحية الجنوبية بلبنان ذهب ضحيتها عدد من المدنيين والقائد في حزب الله فؤاد شكر، وأُخرى انتهكت سيادة الجمهورية الإسلامية إيران استهدفت القائد إسماعيل هنية في مقر إقامته بطهران ضيفاً عزيزاً نال شرف الشهادة على أرض كانت الداعم الرئيسي لقضيته وشعاره الرافض بالاعتراف بإسرائيل!!
سبق هاتين العمليتَين عمليةٌ استهدف فيها الكيان الصهيوني مخازن النفط في ميناء الحديدة اليمنية!!
مثل هذه التجاوزات لم يعد السكوت عليها كسابق عهد “إسرائيل” إنما أعلنها قادة المحور بأن الرد لا شك آتٍ وسيكون وخيماً، ليس تهديداً إنما قول يتبعه فعل جعل الرعب يستوطن قلوب الصهاينة وَيستنفرون بجنودهم وأنظمة دفاعتهم، وباتت الملاجئ مأواهم يحتمون فيها من الغضب القادم عليهم.
وإليهم هرعت أمريكا بحاملات طائراتها وبارجاتها مؤكّـدةً على مواقفها الداعمة للكيان الصهيوني، في معركة أكّـد عليها السيد نصر الله أنها لم تعد فقط عملية إسناد لغزة بل أصبحت كذلك جبهة انتقام وثأر لا يسري عليها أية شروط اتّفاق لإيقاف الحرب بغزة، في معركة مفتوحة توحد فيها اليمن ولبنان وإيران والعراق إلى جانب مقاومة غزة، مع محاولة الضغط على إيران بضبط النفس تحت مزاعم الخوف من حرب إقليمية التي لا يؤجج نيرانها إلَّا النتن ياهو ومن أمامه وخلفه أمريكا في ظل رفض إيراني، لا سيَّما وأن جنازة هنية التي شيعتها دمع العيون الشيعية في طهران ودموع الشارع السني في كُـلّ الدول العربية والإسلامية قد وأدت كُـلّ بذور الفتنة الطائفية التي حاول الصهاينة إشعالها فارتدت نيرانها عليهم، وحَّدت محور مقاوم مع الملايين من الذين آمنوا أن المعركة تجاوزت الطائفيةَ والفرز المذهبي لتبقى القضية قضية أُمَّـة وحدتها غزة ليكون في فلسطين وقدسها الملتقى، وسيبكي الصهاينة كَثيراً ويعضون أصابع الندم على ضحكة داعبت شفاههم فرحاً باستهداف هنية وَشكر، بعد أن تتحقّق الحتميات الثلاث في النصر للمؤمنين وهزيمة العدوّ والموالين وزواله، التي دائماً السيد عبدالملك الحوثي يؤكّـد عليها، وبيننا وبينهم الأيّامُ والليالي والميدان.