جريمةُ غزة وقذارةُ ثلاثي الزمن الإضافي
د/ عبدالرحمن المختار
بعد عشرة أشهر، وأفعال جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة مُستمرّة ومتتابعة، أعلن ثلاثيُّ التفاوض أَو الوساطة الأمريكية المصرية القطرية، أن الوقتَ قد حان، كما أَوْضَحَ البيان، لوقفِ معاناة سكان قطاع غزة، هذا الثلاثي اللعين، يريد اليوم أن يستمر في سياسته الإجرامية في إيهام وتضليل الرأي العام، بعد عشرة أشهر من الوَهْمِ والتضليل بوساطته اللعينة الملعونة، بين طرفَي الصراع المسلح -حسب زعمه- في غزة، حماس وإسرائيل!؛ باعتبَاره أن حماس طرفٌ مكافِئٌ لكيان الإجرام الصهيوني، وأن ما يجري حربٌ! حربٌ بين الطرفَينِ.
رغم أن حقيقةَ ما يجري ليس حرباً؛ فالحربُ نزاعٌ مسلَّحٌ بين طرفَينِ أَو أكثر؛ بمعنى أن النزاعَ المسلح -الذي يمكنُ وصفُه بأنه (حرب) وَفْقاً للقانون الدولي- لا بُـدَّ أن يكونَ بين دولتين تتمتعُ كُـلٌّ منهما بالسيادة والاستقلال، ويتوافر لكُــلٍّ منهما كافة مقومات الدول اقتصادية وسياسية وعسكرية، وهو ما لا يتوافر لحماس، الموصوفة بأنها طرف في النزاع المسلح، وهذا الوصف لا أَسَاسَ له في القانون ولا في الواقع؛ فحماس جزء من شعب محتلّة أرضه، يملك -وفقاً للقانون الدولي- حق مقاومة الاحتلال.
ولو افترضنا جدلًا أن حماس طرف في النزاع المسلح، فمن الطرف الآخر في هذا النزاع؟ لننظر في ذلك بتجرد تام! الطرف الآخر كيان الاحتلال الصهيوني، وجميع الدول الاستعمارية الغربية التي أعلن حكامها أنهم مع “إسرائيل”، وينطبق ذلك على الاتّحاد الأُورُوبي عُمُـومًا، الذي أعلنت ممثلته عند زيارتها للكيان الصهيوني أن الاتّحاد الأُورُوبي مع “إسرائيل”، ولم يقتصر الأمر على مُجَـرّد الإعلان بل إن تلك القوى زوَّدت الكيان الصهيوني بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ والمعدات العسكرية، ووفّرت له الغطاء السياسي، بوصفه المباشِرَ لأفعال جريمة الإبادة الجماعية.
ووفَّرت المليارات من الدولارات لدعم مالية الكيان المجرم، وتواجدت بقواتها العسكرية في الميدان المحيط بمسرح الجريمة؛ لتوفير الحماية للمجرم وهو يقترف أفعال جريمته، كُـلُّ أُولئك المجرمين واقعًا هم جميعاً طرفٌ في النزاع المسلح في مواجهة حماس! حتى لو كانت حماس تمثل دولة مستقلة وكاملة السيادة، ولها جيش نظامي تتوافر له كافة الإمْكَانيات الدفاعية والهجومية، لَمَا أمكن وصف ما يجري بأنه نزاع مسلح بين طرفين! ناهيك أن يكون أحد طرفيه فصائل مقاومة، تملك كامل الحق في مقاومة الاحتلال، فكيف يمكن استساغة القول بأن ما يجري في غزة نزاع مسلح بين طرفَينِ؟ وهل هو نزاع بين دولتين؟ وهل طرفا النزاع متكافئان؟
هكذا بسخافة استخفاف وبكل بساطة، يخاطب هذا الثلاثي اللعين الرأي العام العالمي، ويوجه النداء لحماس وكأنها الطرف الحريص على استمرار ما يصفونه بالنزاع المسلح! وكأنها الطرف المستفيد من النزاع المسلح! هكذا الخطاب بكل بجاحة وبكل وقاحة، وكأن ما يجري فعلًا نزاع مسلح بين طرفين هما فقط حماس و”إسرائيل”، ولو سلَّمنا جدلًا أن “إسرائيل” فقط بمفردها في مواجهة حماس، بدون أن تتلقى أيَّ دعم أَو إسناد من أية جهة أُخرى تحت أي عنوان، لما أمكن أبدًا وصف الحالة في غزة بأنها نزاع مسلح بين طرفَيْ (حرب) وأن وصف ما يجري في غزة لا يخرج عن كونه جريمة إبادة جماعية، يقترف أفعالها كيان الإجرام الصهيوني في مواجهة الشعب الفلسطيني، الذي يدافع عن أرضه وفقاً لأحكام القانون الدولي في مواجهة المحتلّ الغاصب، مهما كان عديد وعدة فصائل المقاومة الشعبيّة المسلحة، التي تقاوم دولة الاحتلال الموغلة في التوحش والإجرام؛ فلا يمكن أن يرقى وصف الحالة إلى نزاع مسلح (حرب) بين طرفين، وأن وصفها الحقيقي لا يمكن بحال من الأحوال أن يتجاوز كونها جريمةَ إبادة جماعية مقصودة بذاتها ولذاتها.
إدارة أمريكية مجرمة:
أول ضلع من أضلاع ثلاثي الزمن الإضافي اللعين، الإدارة الأمريكية المجرمة الشريك الأبرز في اقتراف أفعال جريمة الإبادة الجماعية، هذه الإدارة المجرمة تقدم نفسها منذ عشرة أشهر كوسيط، وهي من زوَّد الكيان المجرم بآلاف الأطنان من القنابل، التي مزقت أطفال غزة ورجالها ونسائها، وسوَّت بنيانها بالأرض، ودمّـرت بنيتها تماماً، هذه الإدارة المجرمة هي من وقف ضد مشاريع القرارات في مجلس الأمن الدولي، التي دعت لوقف إطلاق النار في غزة، وقف جريمة الإبادة الجماعية، هذه الإدارة المجرمة هي من أعلن بشكل صارخ وسافر حماية الكيان الصهيوني، بوصفه المباشِرَ لأفعال جريمة الإبادة الجماعية، من خلال تواجدها بقواتها العسكرية البحرية والجوية في المنطقة لمواجهة أية إجراءات ضاغطة، معلن هدفها بشكل صريح وواضح، وهو وقفُ استمرار اقتراف أفعال جريمة الإبادة من جانب كيان الإجرام الصهيوني.
الإدارة الأمريكية المجرمة، هي التي أمدَّت كيانَ الإجرام علناً بعشرات المليارات من الدولارات؛ ليستمر بكل أريحية في تنفيذ فصول جريمته، هذه الإدارة المجرمة هي من وقف في مواجهة أي تحَرّك دولي لمنح الشعب الفلسطيني العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة، هذه الإدارة المجرمة هي التي جلبت اليوم عشرات الطائرات والقاذفات الاستراتيجية إلى المنطقة؛ بهَدفِ معلن وهو تعزيز قواتها المتواجدة في قواعدِها في الدول العربية، لحماية أمن كيان دولة الاحتلال والإجرام الصهيوني في مواجهة أي رد من جانب محور المقاومة على جرائم هذا الكيان في غزة والحديدة وجنوب لبنان وإيران!
لم يكن مطلوبًا من الإدارة الأمريكية المجرمة، بوصفها عضوًا دائمًا في الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة، المعني بحفظ السلم والأمن الدولي ومنع وقمع ما يمكن أن يُخِلَّ به سواء من جانب الكيان الصهيوني أَو غيره، وذلك باستخدام القوة المسلحة، بل كان المطلوب من هذه الإدارة المجرمة وقف شحنات السلاح التي زوّدت بها الكيان المجرم، كان المطلوب منها الامتناع عن تحريض هذا الكيان على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، تحت ذريعة حق الدفاع عن النفس، كان المطلوب من إدارة الإجرام الأمريكية الامتناع عن تغطية الجريمة سياسيًّا في المحافل الدولية، كان المطلوب منها الامتناع عن تقديم عشرات المليارات من الدولارات، رفدت بها مالية كيان دولة الاحتلال والإجرام الصهيوني، حماية له من الانهيار الاقتصادي.
كان المطلوب من الإدارة الأمريكية المجرمة التوقف عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد مشاريع القرارات التي دعت إلى وقف الجريمة بحق سكان قطاع غزة، كان على الإدارة الأمريكية المجرمة أن تتوقف عن الاعتراض على المشاريع الأممية، التي تدعو لمنح الشعب الفلسطيني صفة العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة، كان على إدارة الإجرام الأمريكية أن تخفف من حدة التزامها بأمن دولة الكيان الصهيوني، خُصُوصاً في ظل اقترافه أفعال جريمة الإبادة الجماعية بشكل مُستمرّ ومتتابع.
وكان على الإدارة الأمريكية المجرمة تخفيف حدة التهديد باستخدام القوة المسلحة للدفاع عن كيان الجريمة في مواجهة القوى الإقليمية، التي أعلنت التزامها باتِّخاذ كُـلّ ما هو متاح من الإجراءات لوقف أفعال جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ دفاعًا عن البشرية وإنسانية الإنسان، وكان على الإدارة الأمريكية المجرمة الامتناع عن استخدام نفوذها في تحشيد دول المنطقة العربية والدول الغربية، لإسناد جريمة الكيان الصهيوني، وكان على الإدارة الأمريكية أن تمتنع عن حجز المساحات الزمنية المتتالية، لتمكين الكيان الصهيوني من استكمال فصول جريمته، تحت عناوينَ كاذبة وخادعة (الوساطة، والمفاوضات).
مهما حاولت هذه الإدارةُ المجرمة التخفِّيَ وراء زيفها وخداعها وتضليلها؛ فهي متورطة تماماً في الشراكة الكاملة مع الكيان الصهيوني في اقتراف أفعال جريمة الإبادة الجماعية بصور متعددة، منها التحريض، والتآمر، وتوفير المساعدة العسكرية والمالية والسياسية السابقة والمعاصرة واللاحقة لاقتراف أفعال الجريمة، ولا يمكنها أبدًا مهما رفعت سقفَ زيفها وتضليلها أن تتنصل من المسؤولية الكاملة عن الجريمة؛ فعار هذه الجريمة يلبسها من رأسها وحتى أخمصها.
سيسي النظام المصري:
أما ثاني وثالث أضلاع ثلاثي الزمن الإضافي فهما النظام المصري والنظام القطري، فلم يكن مطلوباً من سيسي النظام المصري التدخل عسكريًّا في مواجهة كيان الإجرام الصهيوني، لوقف جريمة الإبادة الجماعية بحق إخوانه وجيرانه وأبناء جلدته، سكان قطاع غزة، بل كان المطلوب منه ومن نظامه فقط أن يتخذ موقفاً إنسانياً، ولا نقول أخويًّا ولا دينيًّا ولا قوميًّا، فالواضح أنه متحلل تماماً من هذه الروابط، وهو ونظامه غير جدير بمثلها، كان على سيسي النظام المصري أن يوقف تعاملاته وصلاته التجارية والسياسية بكيان الإجرام الصهيوني، وكان على سيسي النظام المصري، ألا يقمع الشعب وأن يتركه يتحَرّك في احتجاجات للتعبير عن غضبه واستنكاره لجريمة الإبادة الجماعية ومساندته لإخوانه في قطاع غزة.
كان المطلوب من سيسي النظام المصري أن يمتنع عن تحريض الكيان الصهيوني على اقتراف جريمة الإبادة الجماعية تحت عنوان نقل المدنيين إلى صحراء النقب، وإنجاز مهمة القضاء على فصائل المقاومة، فذلك تحريض صريح على الإبادة الجماعية، ولو اقتصر على فصائل المقاومة، ناهيك أن تكون أفعال كيان الاحتلال شاملة الأطفال والنساء والشيوخ، سواء بالقتل المباشر في مسكنهم في القطاع أَو بالتجويع أَو من خلال نقلهم إلى صحراء النقب، كما أوصى سيسي النظام المصري، فذلك يعني قتلهم وإبادتهم جميعاً بكل الأحوال.
كان على سيسي النظام المصري الامتناعُ عن المساهمة مع إدارة الإجرام الأمريكية في تضليل الرأي العام العربي، بوصف ما يجري في قطاع غزة أنه نزاع مسلح طرفَاه الكيان الصهيوني وحماس، وكان على سيسي النظام المصري عدم تجاهل كُـلّ ما قدمته وتقدمه الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية للكيان المجرم من شحنات أسلحة فتاكة، وكان على سيسي النظام المصري عدمُ الانجرار وراء الإدارة الأمريكية في ترويجها لكذب ووهم وزيف الوساطة؛ بهَدفِ منح كيان الإجرام الصهيوني مساحاتٍ زمنيةً إضافية لاستكمال فصول جريمة الإبادة الجماعية.
ولم يكن مطلوباً من حاكم قطر سوى وقف شحن القنابل الفتاكة من مخازن إدارة الإجرام الأمريكية في قاعدة العُديد إلى كيان الإجرام الصهيوني، كان على حاكم قطر منعُ تزويد الطائرات والبوارج والمدمّـرات الأمريكية بالوقود، وكان على حاكم قطر عدم الانجرار وراء الإدارة الأمريكية الإجرامية في ترويجها للحالة في غزة بأنها حالة حرب؛ لصرف الأنظار عن جريمة الإبادة الجماعية، كان على حاكم قطر عدمُ تجاهل شراكة الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية في جريمة الإبادة الجماعية، وكان على حاكم قطر ألا يكون كما هو حال سيسي النظام المصري مُجَـرّد مسمى وسيط، لم يقدم أَيٌّ منهما رغيفَ خبز أَو شربة ماء لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في الوقت الذي يقدم فيه الأمريكي آلاف الأطنان من القنابل وعشرات المليارات من الدولارات.
أسوأ كارثة إنسانية في العالم:
يأتي اليومَ تحَرُّكُ ثلاثي الزمن الإضافي لخدمة كيان الإجرام الصهيوني، بعد أن ضاق عليه الخِنَاقُ في غزة، وأصبح مذعِناً، وبدأ يرفع عقيرته بالصراخ مما يمكن أن يطاله من محور المقاومة، الذي يتوعده بضربات قاصمة، بعد جرائمه في ميناء الحديدة وجنوب لبنان والعاصمة طهران، تحَرّك اليوم ثلاثي الزمن الإضافي؛ حرصًا وخوفًا على كيان الإجرام الصهيوني، ولم تحَرّك هذا الثلاثي الإجرامي عشرة أشهر من أفعال جريمة الإبادة الجماعية المباشرة والمُستمرّة والمتتابعة بحق الطفولة في غزة!
لم تحَرّكه صرخات الأطفال واستغاثات الأُمهات، لم تحَرّكه آلام الجرحى، ولم يحركه أنين المرضى من كبار السن؛ بسَببِ منع كيان الإجرام دخول الأدوية لتخفيف شدة آلامهم، لكن الثلاثي الحقير كانت استجابته سريعة لعويل الكيان المجرم، وكانت تحذيرات هذا الثلاثي اللعين شديدة اللهجة؛ مما يمكن أن يترتب على أية عمليات عسكرية انتقامية واسعة النطاق ضده من آثار كارثية على المنطقة.
ولم يُلْقِ هذا الثلاثي بالًا لعشرة أشهر من أسوأ الآثار الكارثية في تاريخ الإنسانية جميعها؛ نتيجةً لجريمة الإبادة المقترفة بحق سكان غزة، وأغلبهم الأطفال والنساء وكبار السن، الجريمة التي كشفت مدى انحطاط ودناءة المتشدِّقين بحقوق الإنسان، دولاً ومنظمات دولية، أمام واقع إجرامي يومي لم يشهد له التاريخُ مثيلًا، وعندما تعلق الأمر بأضرار متوقَّعٍ أن تصيب كيان الجريمة، استنفرت القوى الإجرامية على مستوى العالم، وعلى رأسها ثلاثي الزمن الإضافي، الذي كان جُــلُّ عمله خلال العشرة أشهر الماضية، توفير مساحات إضافية من الزمن يستكمل خلالها كيان الإجرام الصهيوني فصول جريمته، ولا شيء غير ذلك، يمكنُ القولُ: إن هذا الثلاثي القذر قدَّمَهُ لأطفال غزة ونسائها وشيوخها.