مع الفشل المعلَن في “ردع” اليمن.. عجزٌ أمريكي عن إيجاد بدائلَ “أقل كُلفة” لمواصلة معركة البحر الأحمر
المسيرة | خاص:
أكّـدت تقاريرُ أمريكيةٌ أن الولاياتِ المتحدةَ غيرُ قادِرَةٍ على إيجادِ بدائلَ دفاعيةٍ فعالةٍ أرخصَ ثمنًا لمواجهة التهديدات اليمنية الصعبة والمتزايدة والتي طالت السفن العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر بشكل ناجح خلال الأشهر الماضية، وذلك بعد أن أعرب مشرِّعون ومسؤولون سابقون عن “إحباطهم”؛ بسَببِ التكاليف العالية لمعركة البحر الأحمر وعدم القدرة على حسمها.
ونشرت مجلة “ناشيونال إنترست” هذا الأسبوع تقريرًا سلَّطت فيه الضوءَ على تقنيات الأنظمة الدفاعية التي تعمل بالليزر، والتي تم الترويج لها في العديد من التقارير؛ باعتبَارها البديلَ الأنسَب للصواريخ الدفاعية باهظة الثمن التي تستخدمها البحريةُ الأمريكية في مواجهة الطائرات المسيَّرة اليمنية في البحر الأحمر.
وأكّـدت المجلة أن القوات المسلحة اليمنية “نجحت في استهداف السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عن بالصواريخ والطائرات بدون طيار” مشيرة إلى أن التكلفة العالية لاستخدام الصواريخ الدفاعية ضد هذه التهديدات “تثير المخاوف”.
وكانت صحيفة “بوليتيكو” قد نقلت قبل أَيَّـام عن أعضاء في الكونغرس الأمريكي ومسؤولين سابقين في البنتاغون قولهم: إن معركة البحر الأحمر تستنزف “عشرات مليارات الدولارات بدون نهاية واضحة في الأفق” مشيرة إلى أن هذه “التكاليف تصيب الكونغرس بالإحباط”.
وقالت “ناشيونال إنترست”: إن “أسلحة الليزر التي يتم الترويج لها كبدائلَ فعَّالةٍ من حَيثُ التكلفة، تعتبر في مرحلة التطوير ولكنها تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك متطلبات الطاقة العالية والمدى المحدود”.
وأشَارَ التقرير إلى أن “أنظمة الليزر الحالية، مثل نظام الدفاع الليزري الطبقي من إنتاج شركة (لوكهيد مارتن) ونظام (دراجون فاير) من إنتاج المملكة المتحدة، تعتبر واعدةً ولكنها غيرُ قادرةٍ بعدُ على استبدالِ أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية”.
وذكّر التقريرُ بأنه “في العام الماضي فقط اقترب صاروخٌ من المدمّـرة الأميركية (يو إس إس غرافلي) وكان على بعد ثوانٍ فقط من ضرب السفينة الحربية” مُشيراً إلى أن تلك كانت “عملية صعبة للغاية”.
ونظرًا لهذه العملية أوضحت المجلة أن أسلحة الليزر لن تكون بديلًا نافعًا؛ وذلك “لأن مدى هذه الأسلحة يقل عن ميل واحد، والصاروخ استهدف السفينة (يو إس إس غرافلي) كان على بُعد ميل واحد؛ أي على بعد ثوانٍ فقط من الاصطدام”.
وأشَارَ التقرير إلى أن أسلحة الليزر تتطلب طاقةً كهربائية عالية لا يمكن إنتاجها على متن السفن الحربية الأمريكية، كما تحتاج إلى أن تبقى موجهة نحو الهدف بشكل مُستمرّ وهو ما لا يمكن تحقيقه؛ لأَنَّ المدمّـرات تضطر للتحَرّك بسرعة عالية على الماء.
وقالت المجلة: “ببساطة، لا تمتلك أغلب السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية القدرةَ الكافيةَ لإطلاق ليزر قادر على تدمير صاروخ على الفور، ومن المرجَّح أن يتطلبَ ذلك مفاعلاتٍ نووية، مثل تلك الموجودة على حاملات الطائرات العملاقة، كما يتعيَّن على الليزر أن يظل موجَّهًا نحو الهدف؛ وهو ما قد يشكِّلُ مُشكلَةً للسفن الحربية التي تتحَرّك بسرعات عالية في البحار الهائجة”.
وخَلُصَ التقريرُ إلى أن “التغلُّبَ على كُـلّ هذه المشاكل قد يستغرق سنواتٍ، ومن المرجح أن يتم استخدام الليزر كمِنصات دفاعية أرضية قبل فترة طويلة من استخدامها على السفن الحربية، وحتى في هذه الحالة، فمن المرجح أن تكون جزءًا من دفاع متعدد الطبقات، يُستخدم جنبًا إلى جنب مع أنظمة أسلحة أُخرى قريبة مثل (فالانكس)”.
وفيما كانت العديدُ من التقارير قد ذكرت أَيْـضاً أن البنتاغون يعمل على مشروع لإنتاج عدد كبير من الزوارق والغواصات البحرية المسيَّرة، كبدائلَ لمواجهة “التهديدات المتزايدة”، فَــإنَّ أُفُقَ هذا نجاح المشروع لا يختلف كَثيراً عن أسلحة الليزر؛ إذ يؤكّـد تقرير نشره موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي قبل أَيَّـام أن هذا المشروع يواجه العديد من التحديات أبرزها “الميزانية، وجهود البحث والتطوير والاختبار والتقييم وتدريبِ الطواقم، والمشتريات”.
وَأَضَـافَ الموقع إلى أنه “سيتعين على البنتاغون أَيْـضاً الاعتمادُ على مصنِّعي المركبات غير المأهولة الأمريكيين أَو غير الصينيين لبناء أسطوله المستقل؛ وهو الأمر الذي قد يستغرق وقتًا أطولَ؛ نظرًا لهيمنة الصين على سوق هذه المركبات التجارية”.
ونقل الموقع عن سام جراي، الضابط المتقاعد في البحرية والذي يشغل الآن منصبَ المدير التنفيذي لمجموعة الدفاع في وادي السيليكون، قوله: “يمكن أن يكون الأمر سريعًا، أَو رخيصًا، أَو جيِّدًا، ويمكن اختيار اثنتين فقط من هذه الميزات”، وهو ما يعني أن المشروع لن يوفر بدائلَ فعالة أَو أقل تكلفة للصواريخ الدفاعية باهظة الثمن.
وتوضح هذه المعلومات انسدادَ الأفق أمام البحرية الأمريكية فيما يتعلق بتخفيف التكاليف الباهظة لمعركة البحر الأحمر والتي تعتبر “خسائرَ” مباشرةً؛ نظرًا لعدم وجود أية إنجازات حقيقة على الميدان، حَيثُ يواصل قادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط التأكيد مرة بعد مرة على استحالة ردع القوات المسلحة اليمنية وإيقاف العمليات المساندة لغزة.
وبدأ المسؤولون الأمريكيون منذ أشهر بالتعبير بصراحة عن مخاوفهم من التكاليف العالية والاستنزاف الذي تتعرض له ذخائرُهم وأصولُهم العسكرية في البحر الأحمر، بما في ذلك إنهاكُ السفن الحربية وطواقهما كما حدثَ مع حاملة الطائرات “آيزنهاور” التي تنتظر الآن فترةَ صيانة طويلة ومكلفة لم تكن بالحُسبان، وفي ظل انعدامِ الخيارات البديلة لتخفيضِ التكاليف وتخفيف وتيرة الاستنزاف، فَــإنَّ التداعياتِ السلبية تستمرُّ بالتراكم وترفع وتيرة “الإحباط” المعلن لدى العدوِّ الأمريكي.
ويعزِّزُ هذا المشهدُ حقيقةَ الانتصار الكبير الذي حقّقته القوات المسلحة اليمنية في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس”، حَيثُ استطاعت وبجدارة التغلب على فوارقِ الإمْكَانات في مواجَهة أسطول البحرية الأمريكية، ودفعت واشنطن إلى الاعتراف بالعجز عن تحقيق الأهداف، وعن إيجاد أساليب بديلة لمواصَلة المعركة بنفس الوتيرة.
وقد انعكس هذا مؤخّراً على خارطةِ انتشارِ السفن الحربية الأمريكية في المنطقة، حَيثُ تقلَّص عددُها في البحر الأحمر بشكل غير مسبوق منذُ بدء المواجهة، ومنذ مغادرة حاملة الطائرات الفارة “آيزنهاور” بعد مطاردتها بعدة هجمات يمنية، لم تجرؤ أيةُ حاملة طائرات أُخرى على الاقترابِ من منطقة العمليات اليمنية، بما في ذلك الحاملة “روزفلت” التي كان يُفترَضُ بها أن تحلَّ مَحَلَّ “آيزنهاور”، والتي تم إعلانُ استبدالها بعد أسابيعَ قليلةٍ بحاملة الطائرات “لينكولن” التي لم تصلْ بعدُ.