خطوةُ التغيير والبناء
د. حبيب الرميمة*
لا شك أن اليمنَ تشهدُ العديدَ من المتغيرات تحديداً منذ ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر ٢٠١٤م، هذه الثورةُ التي أراد الأعداءُ القضاءَ عليها بعدوان دولي بعد أشهر من قيامها؛ نتيجةً لإدراكهم بمدى تأثيرها الداخلي والخارجي -كمشروع ثوري ينشُدُ السيادةَ، والحريةَ والاستقلالَ والعدالة.
فصمدت هذه الثورة بفضل الله تعالى، ثم بحنكة السيد القائد، والالتفاف الوطني والشعبي حولها لما يربو عن عقدٍ من الزمن، حقّقت خلالها الكثيرَ من الإنجازات، أهمُّها الحفاظُ على المؤسّسات الحكومية التي كان العدوُّ يراهنُ على إسقاطها، بما لا يقلُّ عن رهانهِ بإسقاط العاصمة التاريخية صنعاء عسكريًّا.
لكن الحفاظ على المؤسّسات الحكومية لا يعني القبولَ بها كما هي؛ باعتبَار أن هذه المؤسّسات في هيكلتها كانت إرثًا ثقيلًا كأحد أنماط النظام السابق، والذي كان يمثّل سلطةَ تقاسم نفوذ لا دولةً تسعى إلى تحقيق رؤاها في إنشاء المؤسّسات بما يخدم الشعب. وهو ما انعكس سلباً على تضخُّم المؤسّسات الحكومية في هيكلها التنظيمي والوظيفي، بالإضافة إلى تقاسم الوظائف العليا، وَفْــقًا لأُسُسٍ وحسابات لا تمُتُّ لشغرها في معظم التعيينات.
من هنا -حسب اعتقادنا- كانت رؤيةُ السيد القائد حولَ ضرورة التغيير الجذري، وتجلت هذه الرؤيةُ بحكمةٍ عميقةٍ، من خلال التدرج بخطوات هذا التغيير على مراحلَ معينةٍ، ابتداء بالتغيير الحكومي والذي يهدف إلى إصلاح منظومة مؤسّسات الدولة والحد من التضخم الهيكلي والوظيفي، هذه الخطوة بحد ذاتها -وهي أولى خطوات التغيير- لم تشهدها اليمنُ منذ عقود من الزمن، حيثُ إن المألوفَ سابقًا هو تغييرُ أشخاص في تشكيل الحكومات وغالبًا كان لا يتم الإعلانُ عنها إلَّا بعد موافقة بعض السفارات.
أما عن برامج إصلاح المنظومة المؤسّسية لها فكان يُعهَدُ بها إلى جماعاتِ الضغط الخارجي، مثل البنك الدولي وصندوق النقد ووكالة التنمية الأمريكية تحت مسمى (برامج الإصلاح المالي والإداري)؛ بهَدفِ الحصولِ على قروضٍ ومساعدات لا تعودُ على الوطن والمواطن بنفعٍ، بقدر ما تعودُ بالربح المادي على سلطة تقاسم النفوذ، أَمَّا جماعاتُ الضغط الخارجي كانت بدورها تستغلُّ ذلك بجرعات لزيادة إفقار الشعب والهيمنة على القرار السياسي.
لذلك فَــإنَّ البدءَ في تنفيذ موجِّهات السيد القائد -والتي أعلن عنها بالأمس القريب بتكليفِ رئيس وزراءَ لتشكيل حكومة التغيير والبناء- هي خطوة في غاية الأهميّة لبناء الدولة اليمنية.
لكن وعلى الرغم من أهميّة الخطوة تنبغي الإشارةُ هنا إلى ضرورة إدراك حساسية المرحلة، لتجاوز الصعوبات بكل اقتدار، من خلال استشعار الجميع للمسؤولية الدينية والوطنية بعيدًا عن المنطلقات والحسابات الفئوية والحزبية الضيقة، وكذا الاستفادة من التجارب السابقة خلال السنوات الماضية، لتنفيذ هذه الخطوة برؤية واضحة تنطلق من أسس إدارية وقانونية بعيدًا عن التفصيل والإغراق في آليات تنفيذية مسبقة ومزمنة؛ فقواعد القانون الإداري هي قواعدُ عامة ومرنة وغير جامدة (غير مكتوبة)؛ لذا لا يوجد قانون مكتوب يسمى القانون الإداري، بخلاف القوانين الأُخرى مثل القانون المدني والجنائي وغيرها؛ لأَنَّ متطلبات القيام بالعمل الإداري تتعامل مع المقتضيات الواقعية، وقد تختلف من مؤسّسة إلى أُخرى بحسب نوع المؤسّسة (خدمية، إيرادية، رقابية) هذا من ناحية، وتجنب التقليد الدقيق في محاكاة تجارِبَ لبلدان يوجد بيننا وبينها فوارقُ ثقافية واقتصادية واجتماعية، بحيث تكونُ الأُسُسُ الإدارية التي نقوم عليها نابعةً من واقعنا وهُــوِيَّتنا الحضارية، بطرق قانونية سليمة.
على سبيل المثال، على الرغم من الاعتوار الحاصلِ في القانون رقم (٣ لسنة ٢٠٠٤) بشأن مجلس الوزراء، إلا أنه يمكنُ الاستفادةُ من المادة (٦) والتي اعتبرت القرارَ الجمهوري بتشكيل الحكومة قرارًا مُنشِئًا.
وهذا النصُّ فيه من القوة ما يُغنِينا في حَـلِّ الإشكال فيما يتعلَّقُ بدمج وإلغاء الوزارات؛ باعتبَار أن القرارَ الإداري المنشِئَ يحدّد المركزَ القانوني وليس كاشفًا له؛ بمعنى أن الوزاراتِ القائمةَ التي لا يشملُها قرارُ التشكيل تفقد شخصيتَها الاعتبارية القانونية.
الأمر الذي يثير بعض الإشكاليات الواقعية والقانونية أبرزها كيفية التعامل مع إعادة تصحيح السلم الوظيفي سواء داخل الوزارات التي تحوز الشخصيةَ الاعتبارية القانونية بعد التشكيل أم الملغاة والمدمجة، وَفْــقًا لمعاييرَ قانونية وبما يحافظُ على المراكز القانونية المكتسبة للموظفين الفعليين من جهة، وإيجاد معاييرَ للأطر القانونية التي ينبغي أن تسير عليها المؤسّسات الحكومية، تحدّد أهدافَها وهيكلها وآليات تنفيذها وتنظيمها بشكل واضح وجلي.
خلاصة القول هنا بأن إعلان تشكيل حكومة التغيير والبناء هي خطوة يمنية ثورية ووطنية بامتيَاز لم تشهدها اليمن في تاريخها الحديث، خُصُوصاً في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشُها نتيجةَ العدوان، ويقعُ على عاتق حكومة التغيير والبناء مسؤوليةٌ وطنيةٌ وتاريخيةٌ كبرى للارتقاء إلى طموح القيادة السياسية والثورية.
* عضو الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد