كربلاءُ آل الرميمة.. مظلوميةٌ تأبى النسيان
دينا الرميمة
دفقةُ أحزان تملؤنا حتى أخمُصِ الروح، وتستحضر فينا ذكرى تتشبث بها قلوبنا المتخمة بأوجاعها حَــدّ الترف وفاء لدماء سفكتها يد الخيانة والجحود، وبذات الوقت تتمنى لو أن للنسيان سوقًا تبتاع منه جرعة تنهي صلاتنا في محراب الحزن!! مثل هذا التناقض الذي يدمي الروح ويخنق العبرات بالعيون يجعلني مع حلول يوم الذكرى افتح محفظة المأساة واقلب في أحداثها لأتلو بعضا منها، حَيثُ لا يتسع المقام لذكرها كاملة لعلي بذلك أحرك المياه الراكدة حول المظلومية المظلومة إعلاميا ربما دون قصد، لكنها وبأدق تفاصيلها لا تزال تنزف بها قلوبنا وعلى الرغم من أنها بلغت من العمر سنوات تسع
وربما كانت هذا العام أكثر حُضُورًا في الوجدان في ظل الحرب التي تخوضها غزة نرى أنفسنا في كُـلّ روح تزهق ودموع أم تحتضن أبنائها شهداء وغربة نسائها الفاقدات رجالهن وأماكن تلم أحزانهن!
ربما مثل هذا الشعور يلازم الكثير في يمننا الحبيب الذي على ذات غارة وصاروخ فجع ابنائه بحرب تذبحهم وتستبيح أرضهم دون ذنب، غير أن آل الرميمة كان نصيبهم منها مضاعف وأنا هنا لا أقلل من معاناة أحد إنما واقع الحال يشهد بذلك، حَيثُ وإلى جانب وجعهم على مصاب وطنهم المغدور به، كانوا على موعد مع حرب أُخرى وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها محاطون بسهام الحقد على أرضهم التي لطالما تغنت بقصائد الصوفية في الحب السلام ومنذ أكثر من قرون ثمانية سكنها جدهم الأول أحمد بن علي الرميمة وكان له ولأبنائه فضل في تعميرها ونشر العلم فيها وخير لا ينكره إلا جاحد!!
لكنها فجأة تنكرت لهم وحرمت عليهم بعد أن تلوثت عقول أبنائها بالإسلام الوهَّـابي الذي غزى كُـلّ المدن اليمنية غير أن تعز التي أحاطها النظام السابق بالفقر والتهميش كانت الأكثر تأثرًا به وتحت تأثير المال الممنوح من جمعيات تابعة للسعوديّة، أصبحت شوارعها تعج بأصحاب اللحى الطويلة وعلى منابرها يصدحون بخطب يحرمون ويبيحون ويكفرون تحت مظلة دين وهَّـابي زرع الحقد ورائحة الدم والبارود في ضواحيها وجبالها خَاصَّة مع انطلاق عاصفة العدوان التي جعلت من تعز ملتقى سيل لكل من نبذتهم مدنهم الرافضة للعدوان وعليها حطوا رحالهم لتنفيذ أجندة أربابهم في تمزيق النسيج اليمني بما حملوه من سلاح المناطقية والطائفية إلى جانب السلاح العسكري وكان آل الرميمة وجهتهم الأولى.
وَإذَا ما جئنا لنبحث عن السبب الذي جعل دواعش تعز يحيطونهم بدائرة العداء فلن نجد سوى النسب الهاشمي الذي كرمهم الله به تكليفا لا تشريف عاشوا به مع بقية القبائل بسلام وعقول تطهرت من رجس الوهَّـابية وامتلأت بالثقافة القرآنية والوعي الذي أحدثه السيد حسين بدر الدين الحوثي،
أضف إلى وطنيتهم التي أشعلت قلوبهم غيرة على اليمن فانطلقوا إلى الجبهات للتصدي للغازي حاملين أرواحهم على أكف الشهادة!! هذه القيم والمبادئ التي حملها آل الرميمة كانت بنظر دواعش تعز آثامًا وجب عليهم تطهير تعز من حامليها،
فبدأوها بحملة تشويه مثل سب الصحابة ونساء النبي والتغيير في الدين وأطلقوا عليهم لقب الحوثة والمجوس والرافضة!!
اتبعوها بالمكائد التي من شأنها إشعال نيران الحرب وأطبقوا عليهم حصار خانق!!
وأمام هذه الهجمة الشرسة لم يكن أمام آل الرميمة إلا التصدي لها رغم قلة العدد والعدة مقابل عدد وعدة عدوهم بما حملته قلوبهم من مبادئ ثورة جدهم الحسين دفاعا عن الأرض والعرض والدين فقاتلوا وارتقى منهم الكثير شهداء سواء من المرابطين أَو من الأطفال والنساء الآمنين في منازل باتت أهداف عسكرية للقناصة وأحرق ونهب الكثير منها،
ومع أن الوضع كان صعبا، حَيثُ لا صوت إلا صوت الرصاص وتكبيرات داعش وسواطير تحد وحياة لا تعرف إلا الموت وروائح الدخان لأكثر من شهر ونصف إلا أنها لم تزد آل الرميمة إلا صمودًا وثباتًا فطبعوا النصر على جباه أرضهم بزنود الإرادَة التي الحقت الهزائم بالأعداء ما جعلهم يلجؤون إلى المكر والخديعة بالمنادَاة لصلح يحقن الدماء ويحفظ علاقة الجوار والأُخوَّة ولم يجد آل الرميمة من سبيل إلا القبول بالصلح في محاولة لإنهاء مأساة الجرحى والحصار.
فذهبوا لعقده في المكان المحدّد بتأريخ ١٦/٨/٢٠١٥ عزلًا من السلاح واثقين بالعهود والمواثيق التي طبعت ببصمات أصابع الأعداء على وجوههم!!
ولم يكونوا على علم بأن مشانق الموت قد نصبت لهم بصحائف كتبت عليها أسمائهم وجرائم الصقت بهم منهم من وصل اليها وعليها أعدم،
ومنهم من أعدم قبل أن يصل وترك جثة مرمية في قارعة الطريق،
لتتفاجأ النساء بتكبيرات تشق الأرجاء بتحقيق النصر والقضاء على المجوس من آل الرميمة أسرى في جريمة منافيه لكل قيم الدين والأعراف!!
حينها تلحفن بصبر وشجاعة زينب الحوراء بالطف لمواراة شهدائهن الثرى ممن استطاعت ايديهن الوصول إلى جثثهم بينما بقية الجثث لا تزال مجهولة الأثر حتى اليوم بعد أن مورس بها جريمة التمثيل والسحل بطريقة داعش الموصل.
فكانت جنازةً لم يشهدها تاريخ اليمن من قبل وموقف عز فيه رجال الرجال وانهالت فيه عليهن رصاصات المتربصين وألسنة تقذفهن بقبائح الصفات وتتوعدهن بالسبي ومحو أثر من تبقى بين ايديهن من أطفال خرجن بهم خائفات يترقبن مصير ينتظرهن تحت كُـلّ حجر في أرض حوت مأساة يقف أمامها التأريخ خجلا ليدونها بحبر من دم وعار يلاحق تعز التي ألبست ثوبا داعشيا وعبث الارتزاق في احشائها الطاهرة ودمّـروا كُـلّ أثر تأريخي عليها وأضرحة الأولياء على رأسها ضريح السيد الرميمة!!
وبعد معاناة على صنعاء كان الملتقى مع من تبقى من رجالهن ممن كانوا في جبهات العزة!!
وبمواقفهن الثابتة استطعن إخراج بعض الأسرى بصفقة تبادل ممن شأت الأقدار أن يبقوا أحياءً ليكونوا شهود عيان على الجرائم التي تمارس بحق الأسرى وما تسببته لهم من عاهات أودت بحياة الكثير منهم في دلالة على منهجية هؤلاء الذين بحمد الله لم يتمكّنوا من صنعاء التي احتضنت الجميع كأم رؤوم!!
ويبقى السؤال الذي نكرّره في كُـلّ ذكرى أمام المحافل الدولية حول مصير بقية الأسرى المجهول إن كانوا قد ذبحوا مع من ذبحوهم أم لا يزالون يتجرعون الموت البطيء حتى اللحظة؟!