آلُ سعود في تل أبيب: الخيانة المنتظرة!
علي حيدر*
على قاعدة المصالح المشتركة ومواجهة “العدو المشترك”، تواصل السعودية سياسة الارتقاءِ بالعلاقات مع تل أبيب والتدرج في تظهيرها وتطويرها باتجاه التحالف، بعدما بات الطرفان يتقاطعان على مستوى الموقف والخيار في أكثر من ملف وقضية إقليمية. وعلى هذه الخلفية، تأتي زيارة وفد سعودي رفيع المستوى يضم أكاديميين ورجال أعمال، ويترأسه اللواء المتقاعد في المخابرات السعودية، أنور عشقي، المعروف بنشاطه في تظهير مسار التقارب السعودي ــ الإسرائيلي ودفعه بنحو تدرجي.
ولأن اللقاء يأتي هذه المرة في “إسرائيل”، بعد أكثر من لقاء خارجها، فإنه ينطوي على أكثر من رسالة سياسية، إقليمية، وأُخْرَى داخلية إسرائيلية. ومن بين تلك الرسائل أن السعودية باتت أكثر نُضجاً للانتقال إلى مرحلة العلاقات العلنية، واستعدادها للقيام بقفزة نوعية إلى مرتبة التحالف في ضوء المتغيرات الإقليمية، من دون أي التزام إسرائيلي رسمي بأي “تنازل” يتصل بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية. أما على مستوى “الداخل”، فمن الواضح أن بنيامين نتنياهو استطاع أن يسجل إنجازاً سياسياً عبر هذه الزيارة؛ لكونها تشكل تأكيداً أمام الجمهور الإسرائيلي بأن سياساته الفلسطينية لا تشكل عقبةً جديةً أمام تقارب أغلب النظام العربي الرسمي، وتحديداً السعودية، من “إسرائيل”. ومما يعزز منطق نتنياهو ورؤيته، أن الخطوات السعودية التصاعدية في الارتقاء بالعلاقات مع تل أبيب، تأتي رغم تكراره الدائم بشأن تمسكه بثوابته المتصلة بالتسوية النهائية مع السلطة الفلسطينية.
وقد التقى الوفد مع شخصيتين رسميتين، كما نقلت صحيفة “هآرتس”، لكُلٍّ منهما موقعه ذات الدلالة السياسية. الأول هو المدير العام لوزارة الخارجية، دوري غولد، والثاني منسق شؤون الاحتلال للمناطق الفلسطينية المحتلة، اللواء يوآف مردخاي. والتقى الوفد أيضاً بعدد من أعضاء الكنيست ينتمون إلى العديد من كتل المعارضة الإسرائيلية.
وبعد العديد من التقارير الإسرائيلية والأجنبية عن وجود علاقات سرية بين تل أبيب والرياض، إضافة إلى العديد من اللقاءات بين شخصيات سعودية وأُخْرَى إسرائيلية، خارج “إسرائيل”، لم يعد مفاجئاً حصول مثل هذه الزيارة العلنية. وبملاحظة العديد من المزايا التي تتصل بالأَشخاص ومكان اللقاء وتوقيته، يبدو أن الزيارة جمعت بين مسألتين: الأولى، مبادرة سعودية في مسار الارتقاء بالعلاقات العلنية بين الطرفين، والثانية أن الوفد لا يحمل صفة رسمية. لكن هذه الصفة لا تنفي حقيقة أن “الزيارة استثنائية، خاصة أنها لا يمكن أن تحصل من دون مصادقة من الحكومة السعودية”، كما أكدت صحيفة “هآرتس”.
وكما هو متوقع، كان لا بد للزيارة من عنوان معلن، وهو ما لفتت إليه “هآرتس” بالقول إنها هدفت إلى تشجيع الحديث في “إسرائيل” حول “مبادرة السلام العربية”. لكن نتنياهو سبق أن أكد في أكثر من مناسبة أن “إسرائيل” لا يمكن أن تقبل بالمبادرة كما هي، ولا بد من إدخال تعديلات عليها كي تصبح ملائمة “للثوابت الإسرائيلية”.
هذا وكان عشقي قد وصل إلى “إسرائيل”، في بداية الأسبوع الجاري، والتقى في رام الله مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وآخرين في القيادة الفلسطينية، قبل أن يتوجه للقاء غولد ومردخاي. والتقى أمس أيضاً مجموعةً من أعضاء الكنيست من المعارضة. ولفتت “هآرتس” إلى أن من بين الذين نظموا اللقاء عضو الكنيست عن حزب “ميرتس”، عيساوي فيرجى، وشارك أيضاً أعضاء كنيست من كتلة المعسكر الصهيوني الذي يرأسه، يتسحاق هرتسوغ، وميخال روزين، عن كتلة “ميرتس”. ونقلت “هآرتس” أن عشقي والوفد المرافق له التقوا يوم الثلاثاء الماضي رئيس كتلة “يوجد مستقبل”، يائير لابيد. وكان من المفترض أن يضم اللقاء أيضاً عضو الكنيست عوفر شيلح، ويعقوب بيري، لكن ترتيب جدول الأعمال لم يسمح بذلك.
وأكد فيرجى منسق اللقاء، أن “السعوديين يريدون الانفتاح على “إسرائيل”، وهذا مسار استراتيجي من ناحيتهم”. ونقل عن المسؤولين السعوديين، وفق “هآرتس”، قولهم إنهم يريدون إكمال ما بدأه الرئيس المصري السابق، أنور السادات، وأنهم يريدون الاقتراب من “إسرائيل”، وهذا ما يشعرون به بشكل بارز. وأضافت الصحيفة نقلاً عن أعضاء كنيست شاركوا في اللقاء، أن أعضاء الكنيست اقترحوا على عشقي دعوة أعضاء كنيست يؤيدون “المبادرة العربية للسلام” للقاء به في السعودية.
وخلال اجتماعه بأعضاء الكنيست تحدث عشقي عن علاقته بالمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، كما نقلت “هآرتس”، وذكَّرهم بأن الأخير أصدر كتاباً قبل عقد من الزمن يهاجم فيه السعودية تحت عنوان “مملكة الشر”، وأشار عشقي إلى أن المسؤول في الخارجية الإسرائيلية اعتذر منه في خلال اللقاءات، وقال إنه كان مخطئاً في بعض ما كتبه، وشدد على أنه يريد تعزيز العلاقات بين السعودية وَ”إسرائيل”.
يُذكر أن عشقي سبق له أن التقى علناً المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، في حزيران العام الماضي في معهد بحوث في واشنطن. ومن المعروف أنه شغل مناصب مختلفة في الجيش السعودي، وعمل في وزارة الخارجية، فيما يرأس حالياً المعهد السعودي للدراسات الاستراتيجية.
ويشار إلى أنه عُقد أكثر من لقاء علني بين مسؤولين سعوديين ومسؤولين إسرائيليين، من ضمنها لقاء بين رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق، الأمير تركي الفيصل، ووزير الأمن في حينه، موشيه يعلون، في شباط العام الماضي، ولقاء آخر مع مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، اللواء يعقوب عميدرور، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في أيار الماضي.
*الأخبار البيروتية