التأخيرُ التكتيكي للرد الإقليمي يعصفُ بالحسابات الاستراتيجية للعدو الصهيوني
المسيرة | خاص:
مع التأكيداتِ المُستمرَّةِ من محورِ المُقاوَمَةِ على حتميةِ الرَّدِّ بشكلٍ حازِمٍ على الاعتداءات الصهيونية على إيرانَ ولبنانَ واليمن، وفي ظل التأخير التكتيكي المؤثِّر للضربة العسكرية لهذا الرد، يزدادُ تخبُّطُ وهَلَعُ العدوّ الإسرائيلي أمام احتمالات مفتوحةٍ لا يستطيعُ حصرَها أَو الاطمئنانَ إلى إجراءاته الاستعدادية في مواجهتها، برغم كُـلِّ إمْكَاناته وتحالفاته الإقليمية والدولية التي تحشُدُ كُـلَّ قدراتها للدفاع عنه؛ الأمرُ الذي يبرز بوضوح التحول الاستراتيجي الكبير الذي سيمثِّلُه الردُّ الإقليمي القادمُ في مسار الصراع، حَيثُ يبدو بجلاء أنه سينقل المعركة إلى مستوىً جديدٍ تتساقطُ فيه كُـلُّ ما تبقى من آمال العدوّ المعلِّقة على الحماية الخارجية، ليصبحَ مكشوفًا بشكل غير مسبوق أمام نهايته الحتمية.
وفي اعترافٍ جديدٍ باليأس المسبَق الذي بات يُخَيِّمُ على كيان العدوّ حيال فاعلية الإجراءات الدفاعية الدولية والإقليمية في التصدي للرد الإقليمي القادم، قال القائد السابق لشرطة المنطقة الشمالية والمدير العام السابق للجبهة الداخلية في قوات الاحتلال، اللواء المتقاعد دان رونين: إنه “إذا اشتعلت الجبهةُ الشمالية الشرقية غدًا، أمام حزب الله بكل ترسانته الموجودة، وبوجود الحوثيين وإيران، الذين سيطلقون آلافَ الصواريخ هنا يوميًّا، لست متأكّـدًا من أن إسرائيل لديها حل”.
وأضاف: “كم ستواجه القُبَّةُ الحديدية؟ 1000 أو 2000 أَو 3000 صاروخ؟.. ستكون كارثة مجنونة هنا، ولا توجد حماية ضد ذلك”.
وقال رونين في تصريحات نقلتها العديد من وسائل الإعلام العبرية، الأحد: إنه “لا توجد خطة حكومية لحماية الإسرائيليين” مُضيفاً أن “الملاجئ ليست حَلًّا، لا في تل أبيب ولا في أي مكان آخر” مُشيراً إلى أنه “في الشمال قُتل المستوطنون وهم في الطريقِ إلى الملجأ أَو عائدون منه؛ لأَنَّهم لا يعرفون متى سيصلُ الصاروخ، ولم تكن هناك تحذيراتٌ دائماً”.
وأضاف: “حتى اليوم، بالمناسبة، تسقط الصواريخُ في الشمال دون تحذيرات، لكن غدًا لن يكونَ الشمال فقط، ولكن البلد بأكمله”.
وتأكيدًا على هذه التصريحاتِ نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية، الأحد، تقريرًا أكّـدت فيه أنه “لا يمكِنُ الحفاظُ على حالة التأهب القصوى إلى الأبد”.
وأوضحت الصحيفة أن “إسرائيل أمضت 17 يوماً مرهِقًا للأعصاب؛ ففي نفس الوقت الذي تقومُ فيه الولايات المتحدة بنشر قواتها على نطاق غير مسبوق، ينشُرُ الجيشُ الإسرائيلي قواتِه في الجنوب والشمال، ويحافظُ على سلسلة من جمع المعلومات الاستخبارية فوق مراكز إسرائيل، بالإضافة إلى الاهتمامِ بالشرق الأوسط بأكمله وخارجه، وتتواجدُ القواتُ في مواقع إطلاق النار والمراقبة، وتقومُ بدوريات برية وجوية وبحرية، كما أن غُرَفَ التحكم ومراكز القيادة العليا مأهولة على مدار الساعة، ومواقع إدارة المراقبة والاعتراض في حالة تأهب قصوى”.
ولكن بحسب الصحيفة فَــإنَّه هذا “الضغط المفرِط” قد يؤدي إلى الانكسار مع طول المدة، مشيرة إلى أن “أسبوعَينِ ونصف أسبوعٍ ليس وقتاً طويلاً بالفعل، لكن المستقبل يكتنفُه الضبابُ ولا نرى نهايةَ اليقظة”.
وقالت الصحيفةُ: إن “الواقع المفروض على إسرائيل منذ 7 أُكتوبر وتحوُّلَ ثلاث ساحات بعيدة إلى ساحات نشطة بمستوى تهديدها – إيران والحوثيين في اليمن والمجموعات المسلحة في العراق – بالإضافة إلى الحدود القريبة، يُلزم الجيش بصياغة مفهوم تشغيلي جديد لحماية الحدود”.
وأضافت أن “الوضعَ الأمني الحالي فيما يتعلق بإيران أَو اليمن لا يشبه الوضع الأمني على الحدود الشمالية أَو حول قطاع غزة، وهناك أسئلةٌ لا بد من طرحها: هل يوفِّــرُ انتشارُ القوات اليوم حَلًّا لحماية الحدود من القريب والبعيد؟ وكيف يمكن الحفاظ على الاستعداد بمرور الوقت للتعامل مع التهديدات القادمة من إيرانَ أَو اليمن؟”.
وبحسب الصحيفة فَــإنَّه “مما ينبغي أن يكونَ واضحًا للجميع هو أن هذا السيناريو ليس خياليًّا”.
وأضافت: “الحساباتُ المفتوحة لأعدائنا والحواجز التي اخترقتها إيرانُ ليلة 14 نيسان، تُجْبِرُنا على صياغة مفهوم للحماية؛ فمع مرور الوقت من المستحيل الحفاظُ على أقصى مستوى من الاستعداد واليقظة لجميع قوات الجيش النظامية والاحتياطية؛ مِن أجلِ القيام بردودِ فعلٍ في فترات زمنية قصيرة، وَإذَا فشلنا في ترسيخ المفهوم على الواقع، فسنجد أنفسنا أمام جيش منهك، وقوى أصبحت أعصابُها منهارةً بعد أن فقد ربيعُ يقظتها قدرتَه”.
وقالت: إنه “من الأفضل للجيش الإسرائيلي أن يستغلَّ الوقتَ، وأن يُعِدَّ نفسَه للحرب الجديدة، بمفهوم الدفاع عن الحدود؛ لأَنَّ أقصى درجات اليقظة والاستعداد الكامل لا يضمنان الحمايةَ المُثْلى مع مرور الوقت”.
هذه التعبيراتُ الواضحةُ عن اليأس والهلع، تُسقِطُ بشكل كامل الصورةَ المزيَّفةَ التي حاول العدوُّ أن يرسُمَها من خلال الاعتداءات الإجرامية على إيران ولبنانَ واليمن، حَيثُ لم يعد “الردع” الذي فقده كيانُ العدوّ قابِلًا للاستعادة بأية صورة، بل يبدو بوضوح أن هناك إدراكًا داخلَ كيان الاحتلال لحقيقة أن الردَّ القادمَ من محور المقاومة سيثبت واقعَ زوال ذلك الردع، من خلال إظهار عدم جدوى كُـلّ الإجراءات الدفاعية التي يعوِّلُ عليها العدوّ ويعتمد على ما توفِّرُه له من حماية.
كما يُظهِرُ هذا الهلعُ المعلَنُ بوضوح أنه وبرغم الاستعداد المسبق للرد الإقليمي، فَــإنَّ محور المقاومة لا يزال يمتلكُ زمامَ المفاجأة، من خلال تحديد توقيت ونوعية الرد الذي يبدو بوضوح أن كُـلَّ حسابات العدوّ بشأنه تتبدَّدُ يوماً بعد يوم لتدفعَه نحو المزيدِ من التخبط؛ فبعد أن كان يتوقَّعُ رَدًّا يُشبِهُ عمليةَ “الوعد الصادق” الإيرانية النوعية، أصبح يقفُ حائرًا بين احتمالات غير واضحة ولا يمكن ترجيحُ أَيٍّ منها للاستعداد لها، وبالتالي فهو يعوِّلُ على حالة الجاهزية الشاملة لكل شيء؛ الأمر الذي لا يمكن الاعتمادُ عليه في ظل تكتيك “التأخير” الذي بات واضحًا أن محور المقاومة يهدفُ من خلاله إلى إرباك الأعداء وإرهاقهم بشكل أكبر، خُصُوصاً وأنهم لا يملكون أيَّ خيار آخرَ سواه.
ووَفْقًا لذلك، فَــإنَّ نجاحَ الرد القادم سيمثل سقوطًا مدوِّيًا لأهم استراتيجية دفاعية للعدو في مواجهة التهديدات الإقليمية والواسعة (اليقظة القصوى وحشد الحلفاء والعملاء)، وهذا السقوط سيجعَلُ العدوَّ مكشوفًا بشكل غير مسبوق أبدًا، وستصبح كُـلُّ خياراته المتبقية اضطراريةً وارتجاليةً تلتقي كُلُّها عند نقطة واحدة هي حتميةُ الهزيمة في النهاية.