وقِفوهُم إنهُم مسؤولون
دُرة الأشقص
رأينا نتائجَ تفريطِ الأمم السابقة، والأمم اللاحِقة، أَو بِالأصح الأُمَّــة الواحِدة، تقصير عربٍ يدَّعون العُروبة.
ومُتأسِلمون يتظاهرُون بِالإسلام، ويتقمَّصون شخصيةَ الواعظِين، ويُتقنون لِبسَ الأقنِعة.
لقد أنجب ذلِك السُّكوت مآسيَ يندى لها جبينَ الزمان، وكوارث مِن صُنعِ البشر من يَهود، وإسرائيليين، ومُنافِقين، انتهاكات، ومجازِر، في كُـلّ وقتٍ وحين في غزةَ الجريحة
لم يكُن كُـلّ ذلك إلا نتيجة خِذلانِ وتمَلُّصٍ من مسؤولية قد أمرهُم الله بِها ولكن ما استيقنتها أنفسهِم.
لم يكُن ليحصُل لولا تنكُرهم لِأبناء جِلدتهم مِمن يشهدون بأن لا إلهَ إلا الله، وأن مُحمداً رسولُ الله.
ويعلمُ الله وحده متى ستستيقِظ ضمائِرُ المُسلِمون، أَو من يُسَمون أنفسهم عربًا، ويتغنون بِالعرُوبة.
نستَطيعُ أن نجزِم بأنه فاتهِم لقب المُناصِرين لِلحق عامّة، ولِفِلَسطينَ خَاصَّة، ولن يجِدوا فُرصة أُخرى يستطيعون أن يحفظوا بِها ماء وُجوههِم، لم يستوقِفوا أنفسَهُم عند الآيةِ التي تقول: (وَقِفُوهُمْ، إِنَّهُمْ مسؤولونَ)
هُم مسؤولونَ عن صَرَخاتِ الأطفال وعن أشلاء مُتناثرة، وعن دِماء تجري من تحت عُروشهم أنهاراً.
هُم مسؤولون عن أنينِ الثكالى، وعن حُرقة قُلوب آباءٍ طالَ عليها القهر والحزن، والأسى.
هُم موقوفون عِند ربهم بِما أجرموا، وبِما سكتوا فجرائمهُم مختومةٌ بتوقيعاتهم، في كِتابٍ لا يضِلُ ربي ولا ينسى.
الصمت عنِ الصُّدوع بِكلمةِ الحق، جريمة نَكراء أمام سلاطين جائِرين وزُعماء خانِعين، ومُلوكٍ فاسِدين.
كانوا هم شرُكاء في سفك دِماءِ المُستضعفين.
مصالحهم، ومشاريعهم الفاشِلة وممالكهُم الخاوية، وكراسيهم المُهترئة، والتنصُل عن نُصرة المظلومين كانت سببَ تمسُكهم بِأهل الضلال، وتولّي أئِمة الكُفر من اليهُود والنصارى، الذين أمر اللهُ بِقتالهم في كِتابهِ الكريم لقوله تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ من حَيثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين).
لا عجب في ذلك فقد طبع الله على قلوبهم فقسيت فأصبحت كالحِجارة أَو أشد، تحجرت قلوبهم لِدرجة أنها لم تعُد تتأثر بكُلِّ ما يجري في فِلسطين وغيرها، ولم تحَرّك ضمائِرهم تلك المناظرِ المُروعة.
لا يرِف لهُم جفن أمام الفسادِ القائِم على خِطاباتهم وتزييفهم لِلحقائق.
ودأبهم على دعم الأعداء مادياً، ومعنوياً، واقتصاديًّا.
وإمدَادهم بالغِذاء على هيئة قواطِر مُحملة بالخضروات والفواكِه، والله تعالى يقول: (وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
فهُم لن يرضوا عنهم مهما أجزلوا لهم من العطاء، ومهما تملقوا لهم، وطبعوا لهم، فهو واللهِ جُرمٍ مشهود سيُعاقبونَ عليه في العاجِلةِ قبل الآخرة والله سريعُ العِقاب.
لم يتناهوا عن دعمِ العدوّ مُنذُ بِداية عُدوانهم الهمجي وتصعيدهم الوحشي على غزة، مِنهم من أمدهم بِمالٍ وغِذاء، ومِنهُم من أغلق حدودَه في وجهِ أخيهِ الفِلسطيني وجعل بينهُ وبين اللاجِئِينَ والمحرومين من أبناء غزة حِجراً محجورا.
ولا ننسى الذين رفعوا أياديَهم بِالهُتافِ والتصفيق؛ تشجيعاً لأذناب اليهود وتأييِداً لهُم على توحشهم وإجرامهم اللامحدود، ولكن لن يمُروا؛ فالنصرُ آتٍ لا محالة وغُيومِ الظُّلم ستنقشعُ آجِلاً أم آجِلاً، أقنِعة الزيفِ ستُكشَف لِلعيانِ لا ريب.
وسيأتي اليومِ الذي لا ينفعهُم مالُهُم ولا مَوالِيهُم وما لهمُ من نَصير.