مربعُ النازحين في عمران.. أماكنُ تسكنُها المأساة! ( تحقيق )
5 آلاف نازحٍ ونازحة تركوا منازلَهم هرباً من وحشية الطيران ومع كُلّ واحد منهم حكاية ألم
مربع النازحين في عمران.. أماكنُ تسكنُها المأساة!
صدى المسيرة/ حُميد القطواني- جميل أنعم
في 29 نوفمبر من العامِ الماضي استهدَفَ طيرانُ العُـدْوَان السعودي الأَمريكي تجمعاً للنساء كن يجلبن المياه من بئر في منطقة المسراخ بمحافظة تعز، مَـا أَدَّى إلَـى استشهاد 11 امرأة.
الكارثةُ مضت، لكن تداعياتِ لا تزال قائمةً.. أحلامُ طفلة صغيرة تسكُنُ هي ووالدها ومجموعة من أسرتها في مربع النازحين بمحافظة عمران شمال الـيَـمَـن، وحين يسمع الأَطْفَـال أصواتَ الطائرات يصابون بحالات نفسية مؤلمة.
في مربع النازحين حكاياتٌ متعددة، المكان بحَــدِّ ذاته تسكنه المأساة بحد ذاتها وفيه ألف حكاية وحكاية ومع كُلّ نازح حكاية وجع وألم وحزن سببها العُـدْوَان السعودي الأَمريكي على بلادنا.
في هذا المكان هرب النازحون من جحيم الغارات وصَلَف العُـدْوَان ليعيشوا تفاصيلَ أُخْــرَى عناوينُها البارزةُ المعاناة وصعوبة الحصول على المأكل والملبس، وحين تراودهم فكرةُ العودة من جديدة من حيث جاؤوا يصابون بالحسرة؛ لأن منازلهم تهدَّمت ولم يبقَ لهم شيءٌ في تلك المناطق التي قدموا منها.
الحاج شوعي بلا ساعد ويحتاجُ إلَـى المساعدة
نزح العم شيوعي عبده محمد حسن منذ عام وشهرين تاركاً “مثلث عاهم” بحرض؛ هرباً من جحيم الغارات والقصف المتواصل لطيران العُـدْوَان السعودي الأَمريكي الذي لم يستثن أحداً، خرج من منزله مع أسرته المتواضعة وهو حاملٌ هموماً كبيرةً ويعاني من أمراضٍ متعددة هو وأسرته.
لدى العم شيوعي ستةُ أَبْنَـاء وعددٌ من الأحفاد، وكان برفقته زوجته، هو يعاني من تجلُّطات في الدم وقد نصحه الأطباء ببتر ساعده الأيسر ففعل، وهو الآن بلا يدٍ يُسرى ولا يقوَى حتى على إسناد نفسه، كما أن سمعه ضعيف لا يسمع كَثيراً عند حديثنا له.
يقول أحد أبنائه إن قصف طيران العُـدْوَان لم يبق على أي شيء في حرض، حيث دمر المزارع والمواشي حتى الكلاب تم استهدافُها.
ويضيف بأسىً والألم يعتصرُه قائلاً: “وحشية القصف دفعتنا للنزوح ومغادرة ديارنا، تركنا مزارعنا التي استهدفوا بالطيران، وخرجنا من بلادنا بملاسنا، ولم نتمكن من نقل أي شيء، لكننا نجينا بأرواحنا من الموت الذي يسوقه لنا آل سعود”.
هل يفكر العم شيوعي بالعودة؟
هكذا سألناه.. لكن بعد صمت قصير والدموع تتساقط من عينية الضعيفتين، أجاب بصوت شاحب ممزوج بنبرة بكائية: لا نستطيع يا بني أن نعود إلَـى منازلنا، لقد استهدف الطيران كُلّ ما نمتلكه، حتى آبار المياه دمروها، لم يعد لدينا أي مصدر دخل سوى ما يجود به الناس لنا.. لقد هربنا من القصف ليهدد الآن الجوع والمطر.
الوضع الذي يعيشه العم شوعي كارثي.. لقد عرفنا بأن اثنين من أحفاده يسكنون في خيمة متواضعة في مخيم النزوح مصابون بمرض تكسر الدم الوراثي “الثلاسيميا”، وهو مع محنة النزوح والبرد والتشرد يعانون من عدم توفر العلاج اللازم والذي يحتاجونه شهرياً أَوْ حتى لأحفاده.
يقول العم شوعي إن وحدة النازحين وكل المنظمات والجمعيات الخيرية والطبية هناك لا توفر أيَّةَ خدمات لمثل هذه الحالات.
وهنا في خيمة العم شوعي كان برفقتنا الأخ أمين الغولي نائب وحدة النازحين بالمستشفى، وقد أخذ هاتفه الشخصي وتواصل مع المستشفى الحكومية بالمحافظة، وشرح لهم حالة أحفاد العم شوعي المصابين بالثلاسيميا، وأنهما لا يجدان العلاج، ومن حُسن الحظ أن قيادة المستشفى أبدت تفاعُلَها مع الموضوع ووعدت بتوفير العلاج لهاتين الحالتين.
أَطْفَـال شوعي وأحفاده يمرون بحالة نفسية مزرية للغاية، هم لا يطيقون الحياة، وهم أَيْضاً لا يفكرون بالعودة إلَـى ديارهم، فرعب الغارات ما يزال عالقاً في أذهانهم ولا يمكن لهم نسيانه.
حياتُهم بسيطة للغاية وكأس من الماء وكسرات الخبز اليابسة تمدهم يَوْماً إضافياً في عمران بعيداً عن حفلة الجنون المدمرة التي تحييها قنابل العُـدْوَان في حجة.
حاولنا التنقُّلَ من مكان إلَـى آخر والاستماع إلَـى قصص النازحين.. هنا بالمخيم بالتأكيد وراء كُلّ نازح أَوْ نازحة بوح لا ينتهي وآلام لا يمكن وصفها ومتاعب شتى.
لا يمكن بأي حال أن نستمعَ إلَـى الجميع، لكننا حاولنا الالتقاء بعدد من النازحين في هذا المربع لننقل صورة ما يحدث هناك لعل الأصوات تتعالى لإنقاذ هؤلاء من واقعهم المأساوي.
وبالقرب من مسكن العم “شوعي” توجد ثلاث أسر نازحة قدمت من مدينة حرض بمحافظة حجة شمال الـيَـمَـن في سكن متواضع وصلت إلَـى هذا المكان قبل خمسة أشهر تقريباً.
لقد قصف طيران العُـدْوَان كُلّ منازلهم ولم تعد صالحةً للسكن، كما لم يعد بالإمكان العودة إليها؛ لأنها مدمرة.
الجميع يعرف ما حل بمدينة حرض بحجة.. الطيران لم يتوقف عنها لحظةً واحدة، القصف متواصل، الغارات تدمر كُلّ شيء.. إنه الرعب الحقيقي والتوحش بكل تفاصيله حضر في حرض من قبل طيران العُـدْوَان السعودي الأَمريكي.
يروي ماجد علي أحمد غيلان، وهو رب إحدى هذه الأسر تفاصيل ما حدث لهم من مآسيَ وتشريدٍ جراء القصف قائلاً: “كنا نبتاع ونشتري بالثلج في حرض وكانت الأَوْضَــاعُ مستورة، أما الآن لا يوجد لدينا مصدر للرزق سوى قطعة أرض نزرع عليها “قات” لتستر جزءاً من حالنا.
بجوار ماجد كانت تقفُ زوجته وأَطْفَـاله، طفل رضيع كان في حضن أمه “عصام” وطفلة أُخْــرَى اسمها “ريماس” عمرها عام ونصف العام، أما عصام فقد ولد ولديه تشوّه خَلْــقِي في قدميه.
قالت أُمّ عصام وهي مكلومة حزينة لـ “صدى المسيرة”: هذا ابني الصغير نحن بحاجة إلَـى توفير العلاج اللازم له، ونخشى أن يكبر فتكبر معه الإعاقة ولا نتمكن من علاجه.
تتوقف قليلاً وهي تبكي ثم تقول: “الأطباء أخبرونا أن تكاليف العملية تصل إلَـى 500 ألف ريال.. لكن هذا المبلغ عسير علينا وصعب جداً أن نحصل عليه، مناشدة أصحاب القلوب الرحيمة مد يد العون ومساعدتهم، وأي شخص قادر على المساعدة بإمكانه التواصل مع عم الطفل الرضيع عصام على الرقم 713485488
الآلام أَيْضاً تلاحِقُ النازحين
والغريبُ في هذا مخيم النزوح هذا هو تواجد نازحين من عدة محافظات الجمهورية وليس فقط من صعدة وحجة.
التقينا بالعم عبده غالب سعيد وهو فلاح نزح من منطقة المسراخ بمحافظة تعز مع 11 من أحفاده لثلاث أسر من أبنائه، كلهم تركوا القرية قُرب منطقة “نقيل الرباح” بمديرية المسراخ بمحافظة تعز؛ بحثاً عن منطقة آمنة بعد القصف العشوائي الذي لم يسلم منه منزله أيضاً.
في 29 نوفمبر من العام الماضي استهدف طيرانُ العُـدْوَان الأَمريكي السعودي تجمعاً للنساء بالقُرب من عين جبلية للمياه يعتمد عليها سكان وأهالي القرى في سد احْتيَاجاتهم من المياه، مَـا أَدَّى إلَـى استشهاد 11 امرأة وتناثر جثثهن واختلاط أشلائهن ببعض في تلك الغارة.
أحلامُ البنت الصغرى للعم غالب النازحة مع أبيها كانت بالقُرب من نبع المياه الذي تم استهدافُه تروي لنا بعضَ ما حدث قائلة: “كنت بالقُرب من مكان القصف، وشاهدت أشلاء ثلاث من زميلاتي في الصف السادس الابتدائي، حولتهن الغارات السعودية إلَـى قطع لحم”.
تضيف أحلام بأسىً قائلة: “ذلك المشهد المرعب لم يغب عني”. ثم توقفت قليلاً وبكت كَثيراً وقالت: “الله ينتقم منهم مثلما قتلوا زميلاتي”.
هذه الحادث سبّب ألماً نفسياً لأحلام -كما يقول العم غالب-، وهنا في مخيم النزوح كلما سمع الأَطْفَـال أصوات الطائرات يهربون وهم مرعوبون خائفون ليغطوا أنفسهم بالبطانيات ثم لا يهدأون إلا حين ينامون.
والآن لا يفكر العم عبده بالعودة إلَـى مسراخ تعز؛ لأن منزله تهدم جراء العُـدْوَان وقصف المرتزقة ويرى أن الوضع في عمران هادئ ومستقر وهذا يجعله يشعُرُ بالأمان والاطمئنان.
لا أحد ينظر إِليهم
وعند أطراف مربع النازحين، وجدنا منزلاً صغيراً يقطن فيه الأخ “محمد صالح حمود الماخذي” 50 عاماً، نزح من صعدة إلَـى عمران منذ قرابة العام.
أَطْفَـاله الأَرْبعة توقفوا عن الدراسة منذ النزوح إلَـى هُنا، أما زوجته فتعاني من حالة نفسية صعبة جراء الخوف والهلع من القصف وهي لا تنام إلا على المهدئات التي لا تتوفر بشكل متواصل معهم.
ويروي “محمد المأخذي” أسبابَ نزوحه من صعدة، قائلاً: “لم يعد بمقدوري العيش كالسابق، حيث كنت أبيع القات، أما الآن لا يوجد لدي أي مصدر دخل حتى الضمان الاجتماعي ليس مسجلاً فيه”.
وَتزداد الغصاتُ أثناء حديثه إلينا، ونرى دموعاً يستعصي عليها النزول أمام أَطْفَـاله، ثم يضيف قائلاً: “منزل جاري تعرض لقصف عنيف من طيران العُـدْوَان، مَـا أَدَّى لتدميره بالكامل، وبسبب القصف تولد الخوف والهلع لدى أسرتي وأَطْفَـالي، ثم سبب، ثم أن المنطقة أصابها الشلل ولم يعد هناك إمكانية للعيش والاسترزاق والعمل في صعدة بسب الغارات المتواصلة”.
يعجز الأخ “محمد” عن إخفاء دموعه، والتي بدأت تتسلل ملئ عينيه، قائلاً نعيش في هذا المنزل بالإيجار على إحسان الجيران والمحسنين، في أيام الفطر نعيش وكأننا في رمضان صائمين، وفي معظم الأيام نقتات على الماء والخبر اليابس، أَوْ نضع سكراً على الخبز ونأكله.. وهنا تغتاله الدموع وسط أَطْفَـاله وهم ينظرون لأبيهم قد تهاوت أَرْكَانه من بؤس الحال.
سألناه عن إمكانية العودة إلَـى صعدة يقول “محمد” إن عُدنا سنموت من الجوع، لم تعد المزارع تستقبل العاملين، حتى ظهره لم يعد يقوى على تحمل الأعمال الميدانية، كالخلطة والبناء وحمل البلوك والأحجار؛ كون عموده الفقري، تعرض لشظية في الحرب السادسة، وقد بلغ من العمر 50 عاماً.
وعند تنقلنا إلَـى مساكن النازحين المجاورة استقبلتنا المواطنة “عائشة محمد حمود علي” زوجة المواطن “موسى محمد محمود” من ذي البرح محافظة تعز.
تقول عائشة لـ “صدى المسيرة” إن زوجها جندي وقد أصيب في ساقية والرأس في مواجهة مع العناصر الإرْهَـابية بمديرية لودر محافظة أبين نهاية العام 2011م.
وتواصل قائلة: “قبل عام أي في منتصف العام 2015م، نزحت مع زوجي إلَـى محافظة عمران، مع أَرْبعة من أَطْفَـالي “محمد وأحمد وعمار وخلود”؛ هرباً من قصف العُـدْوَان ومرتزقته.
مصدر دخلهم الوحيد راتب زوجها العسكري، وبالطبع لا يكفي لعلاج حالته، إضَـافَـة إلَـى حالته الصحية الحرجة والمتردية نتيجة عدم قدرته على دفع كلفة العلاج والعملية اللازمة”.
تقول عائشة إن لديهم وثيقةً من قائد اللواء 111 مشاة، إلَـى وزارة الدفاع، تصف حالة زوجها السيئة، وتطالب باستكمال علاجه، وقد وجهت وزارة الدفاع بعلاجه في الأردن، لكن العُـدْوَان على بلادنا حال دون ذلك ولم يتمكن زوجها من السفر.
“عائشة” الآن تتكبّد المعاناة، وتحاول إطعام أَطْفَـالها وزوجها المقعد، وعندما تركناها وأَطْفَـالها، رأيناها ذاهبة إلَـى جيرانها لتعد الخبز لهم، نظراً لخلو منزلها من الغاز، فالحال عسير والواقع مرير.
منازل سقفها “الطرابيل”
وهناك على قارعة الطريق في مربع النازحين، رأينا مبنى مسور بعمدانه وبلوك ليست مكتملة البناء تم تغطية بقية الغرف لأعلى السقف بـ “طرابيل” تستر بعض الشمس، ولا حول لها ولا قوة من الأمطار والرياح..
كانت سكناً بالإيجار لخمس أسر نزحت من صعدة، عند إعْـلَانها منطقة عسكرية من قِبل تحالف العُـدْوَان.
هنا في السكن لا يوجد سوى “طربال” يستر أَطْفَـاله ونسائه من الريح والبرد والأمطار والشمس معاً، غرفٌ لا يقال عنها حتى غرف، خالية من كُلّ شيء عدا التراب في أرضيته.
جلسنا وتحدث إلينا رَبّ أسرتين من الخمس الأسر المتواجدة هناك، “عبود وعابد الحكمي” وبالواقع لم تكن الحاجة؛ لأن يتحدثا فقد كان المشهد كافياً بالنسبة لنا عندما رأينا بعض الأمطار تتساقط على أحد أَطْفَـاله الرضع في الغرفة، وما حيلة “الطرابيل” أمام الأمطار الجارفة والرياح العاتية.
وباقتضاب قالوا بأنهم بحاجة لبطانيات وفراشات ومواد غذائية وطرابيل.. سألناهم عن طريقة حياتهم هُنا، وليتنا لم نسأل، حين علمنا بعدم وجود “دورة مِيَـاه صحية” في سكنهم هذا، والمعتاد بدا واضحاً من خلال زيارتنا حيث رأينا خزاناً للمِيَـاه يجتمع عليه الأهالي بطوابير يومية طويلة تكاد لا تنتهي، وفي الحقيقة لم نرى حياة طبيعية أَوْ ما شابه، رأينا جبهة عسكرية واشتباك الأهالي مع الحياة بحثاً عن المِيَـاه أَوْ تكسير الحطب في ظل موت بطيء يغزو الكبار لكن لم نجده بنظرات الأَطْفَـال المحدقين بنا.
طلبنا مشاهدة المطبخ في ذلك المسكن، رأيناه عظماً على عظم، وكما هو الحال مع بقية الغرف مكشوفه من نصفها إلَـى السقف، وقد لحق بها تضرر كبير جراء السيول والأمطار، فكل الغرف تتعرض للرياح والأمطار نتيجة انكشافها، وبالفعل غادرناهم وكان أقصى حُلم لهم بضعة “طرابيل” تستر ما يمكن ستره من عالمهم الصغير.
الوضعُ في مربع النزوح هنا مؤلمٌ ومحزنٌ ومُبْـكٍ.. الكلُّ يكابد الحياة بألم شديد لكن التفاؤل لا زال قائماً في تغيير هذا الحال.
“مجاهد علي صالح” نزح إلَـى عمران مع ثلاثةٍ من أَطْفَـاله وزوجته منذ قرابة العام وَتنقل بين أبين وعدن إلَـى زنجبار واستقر أَخيراً في عمران.
عزى لنا المواطن “مجاهد” أسبابَ نزوحه، للأَوْضَــاع الخطيرة والمتفاقمة مع احْتلَال بعض المناطق الجنوبية من قبل تحالف العُـدْوَان السعودي الأَمريكي، مطلع يوليو العام المنصرم، حيث أَصْبَـح البقاء هنالك، تهديداً حقيقياً على حياة المواطنين من أَبْنَـاء المحافظات الشمالية، فهو من محافظة حجة، أما عقيلته فمن أبين، كانا يعملان معها في أبين.
يقول “مجاهد” متألماً أنه ترك وزوجته أعمالهم، وتركوا أثاثهم ومنزلهم، ونزحوا بأرواحهم إلَـى عمران.
زوجةُ “مجاهد” تعاني من آلام من عملية أجريت لها في العين، وهي بحاجة الآن إلَـى سحب “مادة السيلكون” من عينها بعد خضوعها لعملية في الشبكية، يقول “مجاهد” لم يتسنّ لنا إجراءُ العملية الآن للظروف المادية، وقد يتحلل الزيت في العين، ويتسبب لها بمضاعفات خطيرة.
الوحدةُ التنفيذيةُ توضح.. العالَمُ مغمضُ العينين
غادرنا مربَّعَ النازحين في عمران، كنا بحاجة إلَـى أن نلتقي أيَّ مسؤول لننقل إليه هموم ومعاناة النازحين في هذا المكان، نريد أن نعرف كذلك موقف المجتمع المدني والأُمَــم المتحدة وماذا قدموا من مساعدة لهم.
التقينا بمدير الوحدة التنفيذية للنازحين في عمران الأستاذ حمير الصعدي ونائبه الدكتور أمين الغولي وتحدثنا بإسهاب حول تلك المشاكل.
يرى الأستاذ الصعدي أن النازحين هو شهودُ عيان على جرائم تحالف العُـدْوَان السعودي الأَمريكي، مشيرة إلَـى أن موقف الأُمَــم المتحدة والمنظمات التابعة لها اتسمت مواقفهم بالضبابية والمواربة لفترة غير قصيرة حول الاعتراف بالنازحين، لما يمثله من تبعات وخلفيات قانونية تترتب على ذلك”.
وأشار الصعدي في حديثه لصحيفة “صدى المسيرة” إلَـى أن العُـدْوَان لم يترك منطقة في الـيَـمَـن آمنة، لافتاً إلَـى أن البعضَ قد ينزح من صعدة، وهناك احتمال باستهدافه في عمران، فالشعبُ بالكامل متضرر ومعظم المناطق غير آمنة.
وعن حقيقة عدم حصول اغلب الأسر النازحة إلا على وجبه واحدة فقط في اليوم، وَأيضاً خالية من القيمة الغذائية “شاي وخبز”، أَكّدَ ذلك مدير الوحدة قائلاً بأن ذلك حاصل فعلاً، ورغم أن دورنا في الوحدة مجرد حلقة وصل بين المنظمات والنازحين، لكننا نحاول جاهدين وبالتعاون مع السلطات المحلية إيصال المعاناة للشركات المؤسسات والقطاعات الاقْتصَـادية المحلية، لفتح أبواب تغطي هذا العجز في ظل تردي المعونات المقدمة من المنظمات وانعدام الحد الأدنى من احْتيَاج النازحين.
ورغم انعدامِ الحَدِّ الأدنى من المساعدات، هنالك معوقات تعيق المنظمات في سير عملها، ولم يُخفِ مديرُ وحدة النازحين في عمران، أن هنالك قراراً من التحالف يعيق ذلك، وأوضح أن الحصار المفروض على البلاد، أعاق إلَـى حدٍّ كبير عمل المنظمات الإنْسَـانية، مُذكراً بسفينة المساعدات الأُمَــمية، التي تم احتجازُها في جيبوتي لمدة عام كامل، ناهيك عن تسيس العمل الإنْسَـاني، وازدواجية معايير الأُمَــم المتحدة، بالإضَـافَـة إلَـى الضغوط السياسية التي يمارسها تحالف العُـدْوَان على المنظمات الإنْسَـانية الفاعلة في الساحة الـيَـمَـنية.
الشاهدُ على ما سبق، حجم الاستجابة مع نازحين 2009م، بالمقارنة مع النازحين بعد العُـدْوَان مارس 2015م، حيث كان التعامل في ما سبق من قبل المنظمات ميسراً وسريع الاستجابة، وصرف المساعدات بمجرد وصول النازح، أما حالياً رغمَ التقييد لأسماء النازحين وفق عمليات المسح السريعة، لم يكن حجم الاستجابةِ متناسباً مع التحديات والاحْتيَاجات المُلحة والأساسية التي تواجه النازحين، أَوْ بمستوى معاناتهم والتي وصفتها تقارير أُمَــمية “بالكارثية” إلا من استجابةٍ متأخرة، تمثلت في صرف سلّة غذائية لكل أسرة نازحة في كُلّ شهرين.
ويضيف قائلاً: “الكثير من المنظمات يتوزع اهتمامها ما بين جانب الإيواء والصحة والإغاثة أَوْ الغذاء والتي تقول بأنها تعمل في محافظة عمران، سواء بشكل منفرد أَوْ بالشراكة فيما بينها، ومع ذلك ما زال النازح يفتقر للحد الأدنى من الخدمات الإغاثية أَوْ الإيوائية أَوْ الغذائية أَوْ الصحية، إلا من استثناهم مسؤولي الوحدة التنفيذية في إفادتهم، من منظمات قليلة وصفوها بالشجاعة، والتي ما زالت تنفذ مشاريع مستدامة إلَـى جانب الأعمال الإغاثية.
وحول من يحدد نوعية الأنشطة الإغاثية للنازحين وجودتها، أفاد لنا المسئولين في الوحدة التنفيذية، بالنسبة لأي إشكالات حول الأنشطة الإغاثية ونوعيتها وجودتها، يعود للمنظمات التابعة للأُمَــم المتحدة ووزارة التخطيط، كونها المخولة بالتنسيق وتوقيع الاتفاقيات معها، ويتم إنزالها عبرَ “برشوت” إلَـى الوحدة التنفيذية للإشراف على إيصالها للمستهدفين عبر الجهات المختصة، حسب وصف مسئولي الوحدة.
ومن أجل الارتقاءِ بالعمل الإنْسَـاني، يوصى المسئولين في الوحدة التنفيذية وزارة التخطيط، بانتقاء الاتفاقياتِ التي تخدم المجتمع، وتراعي الاحْتيَاجات الواقعية المرفوعة إليهم من الميدان.
وَأوضح الدكتور الغولي، عن الوضع النفسي للنازحين، ومدى الاهتمامِ به قائلا بأن الأضرارَ النفسية المباشرة التي لحقت بالنازحين وأَطْفَـالهم نتيجة العُـدْوَان، وَما خلفه النزوح من آثار المعاناة وشظف الحياة، والذي شكلت ضغوطاً نفسيةً كبيرةً، جعلت الكثير من النازحين يعانون من حالة تنفسية، بعض تلك الحالات أَصْبَـحت معقدة للغاية والأمر كُلّ يوم في ازدياد، إلَـى جانب الانعكاسِ النفسي الخطير على الأَطْفَـال والأسرة ككل؛ نظراً لغياب واغفال المنظمات الإنْسَـانية الدولية، والجهات المختصة المحلية، عن الاهتمام بهذا الجانب، والذي كان من المفترض جعلها أولوية في سُلّم الأولويات لها، كالمشاريع التأهيلية والتثقيفية والإرشادية والتوعوية.
وأضاف أنه من المؤسف، أن محافظة عمران لا يوجد فيها حتى طبيب نفسي واحد، ناهيك عن انشاء مصحة نفسية تأهيلية للمرضى النفسيين، وناشد “أمين الغولي” السلطات المحلية والجهات المختصة بسرعة توفير مصحة نفسية، مع تجهيزاتها وكادرها المؤهل، أَوْ الحد الأدنى أطباء نفسيين، الأمر الذي قد ينقذ حالات تتدهور إلَـى الأسوأ مع مرور الوقت.
ويحاول القائمون على الوحدة التنفيذية، مع بعض الجهات المحلية، إيجاد طرق أنسب لتوظيف المساعدات الإنْسَـانية حسب اولويات الحاجة للنازحين بمحافظة عمران.
ومن ذلك ما ذكره مسؤولي الوحدة عن المساعدات المالية التي قُدمت من وزارة الشؤون الاجتماعية “صندوق الضمان الاجتماعي” بكلفة إجمالية 50 مليون، بحيث قُرّر لكل نازح مبلغ 15000 ريال، طرح مسئولو الوحدة مقترحاً على الجهة المحلية الممولة، بأن يمّول بذلك المبلغ أَوْ بجزء منه، مشاريع أفران مركزية في المحافظة، قد تم دراستها من حيث الجدوائية وَأهم الاحْتيَاجات للنازحين، والذي يتمثل في توفير رغيف الخبز، حيث تقوم تلك الأفران بتقديم خدمة توفير رغيف الخبز بشكل مجاني، على الأسر النازحة والاسر الفقيرة، وفق آلية صرف مدروسة، تضمن إيصال الخدمة لمستحقيها، إلَـى جانب توفير قسم خاص للاستثمار البسيط، ببيع الخبز خارج دائرة النازحين والفقراء، بأسعار رمزية توفر مصدر دخل، يضمن استمرَارية العمل وفق آلية رقابية من الجهات المحلية والدوائر الحكومة.
وَأَكّدَ نائب مدير الوحدة الدكتور “أمين الغولي” أنه من الممكن الاستفادة من دعم القطاعات الاقْتصَـادية والمجتمع لتوفير المواد اللازمة لاستمرَار عمل الأفران واستمرَار خدمة توفير رغيف الخبز للنازحين والفقراء.
وأضاف الغولي “أن المبالغ صُرفت للنازحين عبر بنك التعاون الزراعي، ولكن للأسف هذه المبالغ البسيطة كان يمكن توظيفُها في مشاريع أكثر جدوائية على المدى المنظور والبعيد يستفيد منها النازحون من جهة ومن جهة تجنيبهم مخاطر هم في عرضة لها.
حيث يفيد مسئولو الوحدة أن مما دفعهم إلَـى تقديم مقترح الأفران، هو قيام الأسر النازحة والفقيرة؛ كونها في الغالب لا تمتلك قيمة الغاز المنزلي أَوْ الحطب، وبدلاً عن ذلك يستخدمون المخلفات البلاستيكية وقوداً للطبخ والخبز المنزلي، رغم أن ذلك يعتبر من المحرمات الصحية على مستوى العالم، لما تشكله من مخاطرَ وأضرارٍ كارثية صحية وبيئية، على الأسر المستخدمة لها ما يجعها عرضةً لأمراض السرطان القاتلة، والأمراض التنفسية على المدى القريب، وهذا يهدد بانْفِجَـار كارثة صحية وبيئة شاملة.
وعلى ضوء ذلك وجّه مسئولو الوحدة التنفيذية دعوةً لمحافظ عمران والجهات الحكومية ورجال المال والأعمال للتعاون لتبنّي هذه المشاريع، التي قد تحَقِّقُ الحد الأدنى من احْتيَاجات النازحين، وتحُـــدُّ من مخاطرَ قد يتعرضُ لها النازحون.