الفنُّ الراقي وتأثيرُه على الوعي البشري
بشرى المؤيد
إن الفنَّ له تأثيرٌ فعالٌ جِـدًّا في توصيل المعلومات إلى أدمغة البشر بطريقة سريعة، وسهلة، وسلسة؛ حَيثُ كان في الماضي يستخدم الفن في توصيل ما يريدون من رسائل عبر الفن بكل أشكاله؛ فالأدب فن (بشعره، بنثره، بسرده بكل ما فيه) والمسرح فن والتمثيل فن وإبداع وقد رأينا ممثلين عالميين استطاعوا بفنهم أن يصلوا لقلوب كثير من الناس مثلا في الفن الصامت شارلي شابلن والممثل البريطاني الكوميدي مستر بين والممثل العربي إسماعيل ياسين وكثير منهم استطاعوا بإبداعهم أن يصلوا لقلوبِ الناس وكان هدفهم إسعاد وإضحاك الناس وإدخَال السرور إليهم بطريقة كوميدية محترمة.
وإلى زمن قريب كان اتّجاه الفن مساره مسار إيجابي كانت المسلسلات العربية والأغاني الوطنية تناقش قضايا مهمة تلامس واقع المجتمعات وتعبر عن واقع الشارع العربي وعن العادات والتقاليد الإيجابية التي تتمتع بها الشعوب وتحافظ على ميزاتها الإيجابية التي كانت مساهمة بشكل إيجابي في المحافظة على فكر وعقل الإنسان البشري.
أما ما نشاهده في بعض الأحيان في زماننا هذا لم يعد يسمى فن بل تفسخ في قيم الفن. فلم يعد هناك فن راقي محترم إلا ما ندر يقدم للناس بحيثُ إنه يحترم عقلية المشاهد بل أكثر ما يلاحظ أن ما يقدم لهم هو فن هابط ليس له هدف إلا “إفساد الوعي”. لم يعد هناك مسلسلات ذات محتوى فكري قيمي أخلاقي يرتقي بوعي المشاهدين (الجماهير) بل معظم المسلسلات لها مغزى إفسادي يسعى لتمييع عقول الناس.. حتى مستوى الأغاني ذات الكلمات الهابطة التي ليس لها معنى إلا أن تجعل الشباب يتمايلون بأجسادهم كالنساء كأن ليس فيهم رجولةٌ وشهامةٌ وأخلاقٌ فسطحت أفكارهم، وتدني مستوى أخلاقهم، وهزمت واضمحلت معنوياتهم؛ بحيث أصبحوا شبابًا يميلون للانحراف الفكري والخلقي وهذا ينطبق على النساء والرجال بشكل عام إلا من رحم ربي وتمسك بدينه القويم وأصبح يجاهد في هذا الزمن في كُـلّ مجالات الحياة حتى يستطيع الحفاظ على ما تربى ونشأ عليه. فيحزن الإنسان أن يرى خير أُمَّـة أصبحت بهذا المستوى الهزيل.
ويأتي سؤال في فكرنا ما هو الفن الراقي المحترم؟ فتأتي الإجَابَة سريعًا هو الفن الذي يوصل رسائلَ هادفة ترتقي بوعي الناس، وتزيد صلتهم برب العالمين، وتجعل الناس متصلين برسولهم الكريم الذي هو قُدوة لهم في مكارم الأخلاق وشجاعة الفرسان، وكل قيم ومثل الإنسان الرفيع. هو فن إيجابي يفيد عقول الناس ويرتقي بفكرهم، وأخلاقهم، وقيمهم؛ ويجعلهم متميزين راقين في حياتهم وَينقلُهم إلى مستوىً عالٍ من الأخلاق الكريمة وحسن المعاملة الحسنة فيما بينهم.
هو الفن الذي يناقش المشاكل الاجتماعية، الاقتصادية، التعليمية، الصحية ويناقش تعبهم، همومهم، وتكون بطريقة راقية وَمحترمة تلامس مشاعرهم وأحاسيسهم فتكون هذه الأعمال لها أهدافٌ سامية تساعدُ في نمو أجيال فكرُها نظيفٌ ومخزونها قوي تستطيعُ مواجهة أية رياح عاتية أتت إليهم وليس شبابًا مهزومًا نفسيًّا ومعنويًّا ينهار من أية مواجهة.
هو الفن الذي يحافظ على التقاليد الجميلة الإيجابية في المجتمعات العربية والإسلامية والذي ينقل صورة حسنة عن تماسك الأسر التي بدورها تنشأ أجيال قوية، محافظة، متعاونة، متحابة، مترابطة، متكاتفة، مبنية على أسس سليمة وصحيحة، تنتج أبناء صالحين يستطيعون أن يكون لهم دور فعال في مجتمعاتهم، وَيستطيعون القيام بنهضة بلدانهم، وَمستعدون لتطويرها، وَيكونون عامل مساعد وَمؤثر في بناء وتقدم أوطانهم وناجحين في أعمالهم؛ بحيث يكونون طاقة وقُدوة للأجيال التي تليهم وهكذا.
إن معظم المسلسلات والأغاني أصبح محتواها فارغ لا يناقش إلا قضايا عجيبة وغريبه ومقززة ليست لها صلة بحياتنا كأنها دخيلة وفرضت على مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
فمثلا يجب أن تقدم مسلسلات كيف يجب أن يكون المجتمع الواعي المشبع بالإيمان والنضج الفكري؟ كيف يستطيع أن يواجه عواصف الاستعمار؟ وكيف ينتصرون على أعدائهم بإيمانهم وأخلاقهم المثلى التي استمدوها من قرآنهم العظيم ونبيهم الكريم؟
الفن بكل تفرعاته من مسلسلات، أغاني، أناشيد، زوامل، أوبريتات.، كاريكاتيرات… إلخ هي التي تنقل رسائل هادفة ترتقي بالوعي، بالأخلاق، بالقيم، بالإنسانية وتدخل قلوب وعقول الناس ويكون تأثير فعلها شامل وواسع ترى الصغير والكبير والمتوسط يتأثر بها؛ لأَنَّها نقلت له شيئًا مفيدًا دخل عقله وقلبه ويكون هذا العمل له صدى وتأثير قوي ويوصل رسائل ذات معنى قيمية تحفر في العقول لمدى أعوام كثيرة لا تنسى هذه الأعمال؛ لأَنَّها لامست عقولهم وقلوبهم واستفادوا منها في حياتهم العملية.
الفن الراقي المحترم هو الفن الذي بريشته وأفكاره ومحتوى كلامه فيه رسم لمعالم مستقبل إيجابي يدعو للتفاؤل، ويحفز الشباب للاستمرارية والمثابرة التي توصلهم بجهودهم وكفاحهم إلى ما يريدون أن يصلون إليه من نجاح سواء في دراستهم أَو حياتهم العملية ويكون الوصول إلى سُلَّمِ النجاح مبنيًّا على أسس سليمة.
تتناسب مع قيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فالفن له رسالة عظيمة ومهمة في كُـلّ جوانب الحياة.